قال جل وعلا
:«﴿وَمَا قَدَرُوا اللّهَ حَقّ قَدْرِهِ وَالأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ﴾قوله تعالىوَمَا قَدَرُوا اللّهَ حَقّ قَدْرِهِ- يعني ما عظَّموه حق تعظيمه، ولو عظموه حق تعظيمه لما عبدوا غيره ولما أطاعوا غيره ولعبدوه حق العبادة ولذلوا له ذلا وخضوعا دائما وأنابوا إليه بخشوع وخشية؛ ولكنهموَمَا قَدَرُوا اللّهَ حَقّ قَدْرِهِ يعني ما عظموه حق تعظيمه الذي يجب لقدره جل وعلا وعظم ذاته سبحانه وتعالى وصفاته.
ثم بين جل وعلا شيئا من صفة ذاته العظيمة الجليلة فقال سبحانه (وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ) فإن عقل الإنسان لا يمكن أن يتحمل صفة الله جل وعلا على ما هو عليه، والله جل وعلا بيّن لك بعض صفاته فقال سبحانه (وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ والسَّمَوَاتُ مَطْوِيَاتٌ بِيَمِينِهِ) فإذا نظرت إلى هذه الأرض -على عِظمها وعلى غرور أهلها فيها-، ونظرت إلى حجمها وإلى سعتها وإلى ما فيها فهي قبضة الرحمان جل وعلا؛ يعني في داخل قبضة الرحمان جل وعلا يوم القيامة كما وصف ذلك بقوله (وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ) فنفهم من ذلك أن كف الرحمان جل وعلا وأن يد الرحمان جل وعلا أعظم من هذا، وكذلك السماوات مطويات كطي السجل في كف الرحمان جل وعلا، كما قال سبحانه هنا (والسَّمَوَاتُ مَطْوِيَاتٌ بِيَمِينِهِ) وقال في آية سورة الأنبياء ﴿يَوْمَ نَطْوِى السَّمَاءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ الخَلْقِ نُعِيدُهُ﴾[الأنبياء:104]، فهذه صفات الله جل جلاله هذه صفاته فإن الأرض التي يتعاظمها أهلها والسماوات التي يتعاضمها من نظر فيها هي صغيرة وآيلة في الصغر إلى أن تكون في كف الرحمان جل وعلا، والله سبحانه وتعالى أعظم من ذلك وأجلّ؛ بل هو سبحانه وتعالى الواسع الحميد الذي له الحمد كله وله الثناء كله. يبين لك عظمة الرب في ذاته وعظمة الرب جل وعلا في صفاته إذا تأملت هذه الأحاديث، فإنك إذا نظرت في هذه الأرض نظرت إلى أن الأرض بالنسبة إلى السماء أنها صغيرة، وأن بين الأرض وبين السماء الأولى مسيرة خمسمائة سنة في مسير الراكب السريع، وكذلك بين السماء الأولى والسماء الثانية مسيرة خمسمائة ألف سنة، وهكذا حتى تنتهي السبع السماوات، والأرض بالنسبة للسماوات صغيرة، ولهذا مثَّل السماوات السبع النبي عليه الصلاة والسلام في الكرسي الذي هو فوق ذلك وهو أكبر بكثير من السماوات, بقوله (إن السماوات السبع كدراهم سبعة ألقيت في ترس) يعني هذه السماوات صغيرة جدا بالنسبة إلى الكرسي؛ فهي صغيرة فيه وهو واسعها كما قال جل وعلا عن الكرسي ﴿وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَا يَؤودُهُ حِفْظُهُمَا﴾[البقرة:255]. فالأرض التي أنت فيها، وأنت فيها في نقطة صغيرة صغيرة هي بالنسبة إلى السماء هذا وصفها، والأرض والسماوات بالنسبة للكرسي هذا وصفه، والكرسي أيضا فوقه ماء، وفوق ذلك العرش عرش الرحمان جل وعلا، والكرسي بالنسبة إلى العرش كحلقة ألقيت في فلاة من الأرض، فهو متناهي الصغر بالنسبة إلى عرش الرحمان الذي الرحمان جل وعلا مستو عليه وهو فوقه سبحانه وتعالى.---------------------