بسم الله ، والحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله ، وعلى آله وصحبه ومن والاه ، وبعد .
فهناك أخطاء كثيرة ليست بالهينة تقع من بعض إخواننا - ربما من طلبة العلم ، ومن أساتذة في الجامعات الإسلامية ، فيما رأيت بنفسي - على شبكة التواصل الاجتماعي ( الفيس بوك ) ، فقد ينقلون كلاما؛ اعتمادا منهم على بعض من يثقون فيهم وفي نقلهم ، وربما من يعتمدون عليه ، هو نفسه اعتمد على غيره ، وهلم جرا .
فينبغي على المسلمين كافة ، وعلى طلبة العلم خاصة ، أن يتنبهوا ويحذروا من الوقوع في تلك الأخطاء ، والتي من أهمها نسبة كلام إلى الشارع الحكيم ، وهو لم يقله ، كأنه يذكر حديثا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهذا الحديث لم يصح نسبته إليه ، أو ينسب قولا لأحد الصحابة أو التابعين ، أو ينسب قولا لأحد أئمة الإسلام ، بله يذكر كلامه من كتاب معين بالجزء والصفحة ، وإذا بك لا تجده فيه ولا في غيره من كتب الإمام المنقول عنه هذا الكلام، وتلك مصيبة كبرى يقع فيها من لا ينبغي له ذلك .
ومن أمثلة هذا : ما نقل عن الإمام ابن قيم الجوزية تلميذ شيخ الإسلام تقي الدين ابن تيمية قدس الله روحهما ، ونور ضريحهما .
فهذا كلام منسوب إلى ابن القيم رحمه الله ، في كتابه الجواب الشافي ( الداء والدواء ) برقم الصفحة ، إلا أنه لا يصح عنه إلا جملة واحدة هي الجملة الأولى وقد لونتها ، وسأذكرها لاحقا .
قال بعضهم على شبكة التواصل الاجتماعي الفيس بوك :
قال ابن القيم رحمه الله :
"حال العبد في القبر كحال القلب في الصدر، نعيماً وعذاباً، وسجناً وانطلاقاً.
فإذا أردت أن تعرف حالك في قبرك، فانظر إلى حال قلبك في صدرك، فإذا كان قلبك ممتلئاً بشاشة وسكينة وطهارة، فهذا حالك في قبرك -بإذن الله-، والعكس صحيح ؛ ولهذا تجد صاحب الطاعة وحسن الخلق والسماحة أكثر الناس طمأنينة فالإيمان يذهب الهموم، ويزيل الغموم ، وهو قرة عين الموحدين، وسلوة العابدين من أدام التسبيح انفرجت أساريره.
ومن أدام الحمد تتابعت عليه الخيرات
ومن أدام الاستغفار فتحت له المغاليق"
الداء والدواء (187، 188) . أهــ
قلت - أبو مالك المديني - : لا يصح نسبة هذا القول بتمامه إلا ابن القيم ، وليس فيه حرف واحد في كتابه "الداء والدواء" ، بل الجملة الأولى فقط التي ثبتت من كلامه في كتابه "زاد المعاد في هدي خير العباد" .
قال رحمه الله :
فَحَالُ الْعَبْدِ فِي الْقَبْرِ كَحَالِ الْقَلْبِ فِي الصَّدْرِ نَعِيمًا وَعَذَابًا، وَسِجْنًا وَانْطِلَاقًا، وَلَا عِبْرَةَ بِانْشِرَاحِ صَدْرِ هَذَا لِعَارِضٍ، وَلَا بِضِيقِ صَدْرِ هَذَا لِعَارِضٍ، فَإِنَّ الْعَوَارِضَ تَزُولُ بِزَوَالِ أَسْبَابِهَا، وَإِنَّمَا الْمُعَوَّلُ عَلَى الصِّفَةِ الَّتِي قَامَتْ بِالْقَلْبِ تُوجِبُ انْشِرَاحَهُ وَحَبْسَهُ، فَهِيَ الْمِيزَانُ، وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ. اهــ
نسأل الله أن يعلمنا وأن ينفعنا بما علمنا ، ومن لديه المزيد فليتفضل مشكورا .