شرح حديث: "" لقد رأيتني مع رسول الله صلى الله عليه وسلم سابع سبعة ، ما لنا طعام إلا ورق الحُبْلَةَ حتى قرحت أشداقنا "
لقد رأيتني مع رسول الله صلى الله عليه وسلم سابع سبعة ، ما لنا طعام إلا ورق الحُبْلَةَ حتى قرحت أشداقنا "
.أخرجه الشيخان من حديث سعد , وأخرجه مسلم (2967) وغيره من حديث عتبة بن غزوان , ولقد استوفيت طرقه كلها في هذا الملتقى النافع :
http://majles.alukah.net/t148742/
قوله : ( سابع سبعة ) حال أو مفعول ثان لرأيت : ومعناه : أنه واحد من سبعة في الإسلام .
قوله : ( ورق الحُبْلَةَ ) بضم المهملة والموحدة وبسكون الموحدة أيضا , وفي رواية : "وهذا السمر" بفتح المهملة وضم الميم , قال أبو عبيد وغيره : هما نوعان من شجر البادية
وقيل الحبلة ثمر العضاه بكسر المهملة وتخفيف المعجمة شجر الشوك كالطلح والعوسج .
قال النووي وهذا جيد على رواية البخاري لعطفه الورق على الحبلة .
قال الحافظ في "الفتح": هي رواية أخرى عند البخاري بلفظ إلا الحبلة وورق السمر وكذا وقع عند احمد وابن سعد وغيرهما وفي رواية بيان عند الترمذي ولقد رأيتني أغزو في
العصابة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ما نأكل إلا ورق الشجر والحبلة .
وقال القرطبي وقع في رواية الأكثر عند مسلم إلا ورق الحبلة هذا السمر وقال ابن الأعرابي الحبلة ثمر السمر يشبه اللوبية وفي رواية التيمي والطبري في مسلم وهذا السمر بزيادة
واو قال القرطبي ورواية البخاري أحسنها للتفرقة بين الورق والسمر ووقع في حديث عتبة بن غزوان عند مسلم لقد رأيتني سابع سبعة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لنا طعام إلا ورق
الشجر حتى قرحت أشداقنا .
قوله : (حتى قرحت أشداقنا) غاية لمقدر: أي فأكلناه إلى أن قرحت جوانب أشداقنا جمع شدق بكسر الشين المعجمة كحمل وأحمال، ويقال: شدق بفتح المعجمة وجمعه شدوق كفلس وفلوس ,
( قرحت هو بفتح القاف وكسر الراء) وبالحاء المهملة (أي صار فيها قروح) بضمتين جمع قرح بفتح القاف وضمها، وفي «النهاية» قيل: بالفتح المصدر وبالضم اسم مصدر وبضم أوليه أيضاً , وهو الجرح،
وقيل: إنه كالجدري، وفي " مفردات الراغب " : القرح الأثر من الجراحة من شيء يصيبه من خارج، والقرح أثرها من داخل كالبثرة ونحوها، ونقل ابن عطية في "تفسيره" قرح بفتح القاف
وضمها، وإسكان الراء، ثم قال: قال أبو علي: هما لغتان كالضعف والضعف، والفتح أولى لأنه لغة أهل الحجاز، وقال الأخفش: هما مصدران بمعنى واحد، ومن قال القرح بالفتح الجراحة
بعينها وبالضم ألمها قبل منه إذا أتي برواية، لأن هذا مما يعلم بقياس، وقرأ ابن السميقع بفتح القاف والراء، قال الزمخشري: كالطرد والطرد، قال أبو البقاء: وبضمها على
الاتباع كاليسر واليسر اهـ من لغات "المنهاج" لابن النحوي.
ومعناه : أنه أصاب جَانب الْفَم جراحة كشطت جلده .
وفي حديث سعد بن أبي وقاص ( حتى إن أحدنا ليضع كما تضع الشاة ) كناية عن الذي يخرج منه في حال التغوط , وفي رواية " ما له خلط " بكسر المعجمة وسكون اللام أي يصير بعرا
لا يختلط من شدة اليبس الناشيء عن قشف العيش .
وهذا باعتبار ما كانوا عليه من الضيق أول الإسلام وامتحاناً ليظهر صدق ثباتهم , فكانوا كالجبال الرواسي , ثابتين .
لولا اشتعال النار في جزل الغضا ***** ما كان يعرف طيب نشر العود
فقبّح الله الرافضة وقولهم ( أن الصحابة غيّروا وبدّلوا بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم) , أيُقال بأمثال هؤلاء الرجال , خير الخلق بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مثل هذه المقالة
الشنيعة القبيحة ؟!
أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم هم الرجال , هم الصادقون الأوفياء , الذين صدقوا ما عاهدوا الله عليه , تركوا أموالهم وأوطانهم وضحّوا بالنفس والنفيس في سبيل الله تعالى
وإن مقالة الرافضة - قبّحهم الله تعالى - لا يصدقها مجنون بَلْهَ عاقلًا !؟.
قال ابن بطال في " شرح صحيح البخاري" : " فأما حديث سعد قال: (رأيتنى مع النبى عليه السلام مالنا طعام إلا ورق الحبلة) وغيرها من الأحاديث أنه كان عليه السلام يظل اليوم يتلوى
من الجوع مايجد مايملأ بطنه، فإن ذلك كان يكون فى الحين بعد الحين من أجل أن من كان منهم ذا مال كانت تستغرق نوائب الحقوق وماله ومواساة الضيفان، ومن قدم عليهم من وفود
العرب حتى يقل كثيره أو يذهب جميعه. وكيف لا يكون كذلك وقد روينا عن عمر أن النبى-صلى الله عليه وسلم-أمر بالصدقة فجاء أبو بكر الصديق بجميع ماله فقال: هذا صدقة لله، فكيف
يستنكر لمن هذا فعله أن يملق صاحبه ثم لا يجد السبيل إلى سد جوعته وإرفاقه بما يغنيه , وعلى هذه الخليقة كانت خلائق أصحابه، كالذى ذكر عن عثمان أنه جهز جيشًا من ماله
حتى لم يفقدوا حبلا ولاقتبًا، وكالذى روى عن عبد الرحمن بن عوف أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حث على الصدقة فجاء بأربعة آلاف دينار صدقة، فمعلوم أن من كانت هذه أخلاقه وأفعاله
أنه لا يخطئه أن تأتى عليه التارة من الزمان والحين من الايام مملقًا لاشىء له، إلا أن يثوب له مال , فبان خطأ قول القائل: كيف يجوز أن يرهن النبى -صلى الله عليه وسلم -درعه عند
اليهود بوسق شعير، وفى أصحابه من أهل الغنى والسعة من لايجهل موضعه؟!
أم كيف يجوز أن يوصف أنه كان يطوى الأيام ذوات العدد خميصًا وأصحابه يمتهنون أموالهم لمن هو دونه من
أصحابه ؟! فكيف له إذ كان معلومًا وجوده وكرمه عليه السلام وإيثاره ضيفانه القادمين عنده من الأقوات والأموال على نفسه , واحتماله المشقة والمجاع فى ذات الله، ومن كان كذلك هوواصحابه فغير مستنكر لهم حال ضيق يحتاجون معها إلى الاستسلاف وإلى طى الأيام على المجاعة والشدة وأكلهم ورق الحبلة , فأما ما روى عنه: (أنه لم يشبع من البر ثلاثة أيام تباعًا حتى قبض) فإن البر كان بالمدينة قليلاً، وكان الغالب عليهم الشعير والتمر فغير نكير أن يؤثر قوت أهل بلده ويكره أن يخص نفسه لما لاسبيل للمسلمين إليه من الغذاء، وهذا هو
الأشبه بأخلاقه عليه السلام , وما روى عنه أنه خرج من الدنيا ولم يشبع من خبز الشعير، فإن ذلك لم يكن منه فى كل أحواله لعوز ولا ضيق وكيف ذلك وقد كان الله أفاء عليه قبل وفاته
بلاد العرب كلها ونقل إليه الخراج من بعض بلاد العجم كأيله والبحرين وهجر , ولكن كان بعضه لما وصفت من إيثار نوائب حقوق الله ، وبعضه كراهية منه الشبع وكثرة الأكل ، فإنه كان
يكرهه ويؤدب أصحابه به , وروى عن زيد وهب ، عن عطية بن عامر الجهنى قال: (أكره سلمان على طعام يأكله فقال: حسبي , فإنى سمعت النبى عليه السلام يقول: إن أكثر الناس شبعًا
فى الدنيا أطولهم جوعًا في الآخرة) وروى أسد ابن موسى من حديث عون بن أبى جحيفة عن أبيه قال: (أكلت ثريدة بر بلحم سمين، فأتيت النبى عليه السلام وأنا أتجشأ، فقال: اكفف عليك
من جشائك أبا جحيفة، فإن أكثر الناس شبعًا فى الدنيا أطولهم جوعًا فى الآخرة) فما أكل أبو جحيفة ملىء جحيفة ملء بطنه فارق الدنيا كان إذا تغذى لايتعشى وإذا نعتشى لايتغدى. وعلى
إيثار الجوع وقله الشبع مع وجود السبيل إليه مرة وعدمه أخرى مضى الخيار من الصحابة والتابعين، وروى وهب بن كيسان، عن جابر قال: (لقينى عمر بن الخطاب ومعى لحم اشتريته
بدرهم، فقال: ما هذا؟ فقلت: ياأمير المؤمنين، اشتريته للصبيان والنساء , فقال عمر: لا يشتهى أحدكم شيئًا إلا وقع فيه أو لا يطوى أحدكم بطنه لجاره وابن عمه، أين تذهب عنكم
هذه الآية: {أذهبتم طيباتكم فى حياتكم الدنيا واستمتعتم بها} ؟ .
وقال هشيم عن منصور، عن ابن سيرين: (أن رجلاً قال لابن عمر: اجعل جوارشنا؟ قال: ما هو؟ قال: شىء إذا كظمك الطعام فأصبت منه سهل عليك.
قال ابن عمر: ماشبعت منذ أربعة أشهر، وماذاك إلا أكون له واجدًا، ولكنى عهدت قومًا يشبعون مرة ويجوعون مرة) .
وقال الزهرى: ( إن عبد الله بن مطيع قال لصفية: لو ألطفت هذا الشيخ - يعنى ابن عمر - قالت: قد أعيانى أن لا يأكل إلا ومعه آكل فلو كلمته. قال: فكلمته، فقال: الآن تأمرنى بالشبع
ولم يبق من عمرى إلا ظمء حمار، فما شبعت منذ ثمانى سنين) .
وقال مجاهد: لو أكلت كل ماأشتهى ماسويت حشفة.
وقال الفضيل: خصلتان تقسيان القلب: كثرة الأكل والكلام".
وكتب
أبو سامي العبدان
حسن التمام
22 صفر 1437 من هجرة النبي صلى الله عليه وآله وسلم