تحيتان للخليل وميشيل،
كم كررت عبارة الأستاذ ميشيل أديب التي نشرها في في مجلة الموقف الادبي
العدد 373 أيار 2002 وأعجبت بها أيما إعجاب :" وأكثر ما يعيب كتب
العروض القديمة والحديثة، أنها، على الرغم من مظاهر العبقرية، التي لم
يكشف الخليل عن أسرارها، لم تحاول تحليل العملية الذهنية التي مكَّنت الخليل
من بلوغ هذه القمَّة الرياضية التي لا تتأتَّى إلاَّ للأفذاذ ."
واليوم اكتشفت له عبارة أخرى لا تقل روعة عن سابقتها، ووجدته وكأنه
ينطق بلساني حول الرقمي - ليته عرفه - . يقول في كتابه ( حكاية العروض
المنشور سنة1999م -ص 8 )
" وعلم العروض هو معجزة الخليل، إنه بثماني تفعيلاته التي رتب (مقاطعها)
حسب نظام معجز، تجسيدا لنظريته [ التي ] لا تقل شأنا عن أعظم النظريات
العلمية والرياضية، لكنه لم يقل (نظريته) بل ظلت قائمة في عقله. وكل قول
بأن الخليل نقل أو قلّد يدلّ على الجهل لطبيعة الشعر العربي الصوتية النابضة
بالتناسق وبما تحمله نظرية الخليل من (الكمال) في الكشف عن أسرار بناء
الإيقاعات الشعرية ووضع أوزان دقيقة لها تناولت الشعر العربي كله بكل
صور تبدلاته وجوازاته"
ولو رحنا نتقصى عباراته لوجدناها تكاد تتوحد مع مقولات العروض الرقمي.
وعلم العروض هو معجزة الخليل،
ما أعمق هذه العبارة.. لا يكون شيء معجزا إلا إذا تمتع كحد أدنى بالشمولية
والاطراد والثبات. وهذه لا تتوفر إلا في المبدأ والمنهج المنبثق منه .
إنه بثماني تفعيلاته التي رتب (مقاطعها) حسب نظام معجز،
وكم رددت في الرقمي أن شرعية التفاعيل تستمد شرعيتها من مواصافت
الخليل لها التي تأطرها بمنهجه، فإذا خرجت عن ذلك فقدت صلتها بالخليل
وفقدت شرعيتها، ومن ذلك ترديد شعراء وعروضيين كباااااار حكاية [البحور
الجديدة] التي يتجاور في بعضها وتدان أصيلان أو ثمانية أسباب في خرق
لبدهيات الخليل.
تجسيدا لنظريته [ التي ] لا تقل شأنا عن أعظم النظريات العلمية والرياضية،
هنا أراه مدح الخليل بأدنى مما يستحق. إن منهج الخليل في (علم العروض)
العربي هو الصحيح وسواه خطأ. فهي الأعلى شأنا والصواب الوحيد في التقعيد
للشعر العربي.
لكنه لم يقل (نظريته) بل ظلت قائمة في عقله.
إن الخليل لم يفصل نظريته، هذا صحيح، ولكنه ترك بابها مشرعا في دوائر
بحوره، فاكتفى الناس بتلمس ذلك الباب دون فتحه، فمفتاحه التفكير والتفكير
من قرون في أمتنا (العوض بسلامتك)
ثم ألا ترى ما يتمتع به العروض الرقمي – وهو أول محاولة للتواصل مع
تفكير الخليل – من زراية وإهمال – لدى الأعم الأغلب بعد ما يزيد بألفي سنة
بعد الخليل؟
وكل قول بأن الخليل نقل أو قلّد يدلّ على الجهل لطبيعة الشعر العربي
الصوتية النابضة بالتناسق
المنهج لا ينقل ولا يقتبس. كل من قال الخليل نقل أو قلد يجهل وجود منهج للخليل.
وبما تحمله نظرية الخليل من (الكمال) في الكشف عن أسرار بناء الإيقاعات
الشعرية ووضع أوزان دقيقة لها تناولت الشعر العربي كله بكل صور تبدلاته وجوازاته
أجل هذا الكمال دلالة على وجود تصور للذائقة العربية في ذهن الخليل،
فالعظَمة في العروض العربي مثلثة الأضلاع :
1- عظمة الخليل
2- عظمة الذائقة العربية واللغة العربية
3- عظمة الخالق عز وجل الذي ميز هذه اللغة بتجليات متواشجة شتى
خلاصتها في عروضها تَميّزُه عن كل أعاريض العالم ومستوى رُقيٍّه
وأبرز ما يعبر عنهما هيكمية العروض العربي وعمادها الوتد.
وعظمته سبحانه في خلق الخليل بن أحمد وما وهبه إياه من تفكير
وإذا اعتبرنا خصائص اللغات في الدلالة على مستواها النسبي كالأنابيب المستطرقة فإن أنبوب العروض يعتبر
الأوضح والأشد دلالة والأقوى برهانا رياضيا – لمن فقه منهج الخليل - على تميز العربية وارتقائها عن سواها.
حتى لتبدو اللسانيات الحديثة في مقاربتها [ لشمولية علم العروض ] كالطفل الذي يقصر نظره عن إدراك ما في
مستوى أعلى منه، فما ملك أمثل من يأخذ بها من العروضيين إلا يقفوا على رؤوس أصابعهم أو يتسلقوا بعض
معطيات الخليل فيسمونها بعير اسمها ليحظوا ببعض منطقيتها.
وهذا ينطبق على من يأخذ باللسانيات من العرب، إذ يعتبر من المفروغ منه فيها ضرورة وجود منهج. أما
العروضيون العرب ممن اقتصر على التفاعيل فليس لهم في أمر المنهج شأن.
أما عظمة الخليل فمثلثة الدرجات وككل درج فإن كل درجة تتكون من قائمة ونائمة القائمة هي التي تميز المستويات
وتشير للارتفاع وهي في حال الخليل فكره، والنائمة هي التي تعبر عن نتيجة الفكر وجني ثمرته وهذه تتجلى فيما يلي:
1- عظمة مبدإ الخليل في رؤية الكمال في الذائقة العربية، أو افتراضه ثم رؤيته.
2- عظمة منهح الخليل ويمثلها شمول تقعيده لمعطيات المبدإ، هذا الشمول الذي أعتقد أن الرقمي أقام الدليل عليه.
3- عظمة قدرة الخليل على اشتقاق قواعد تطبيقية جزئية من المنهج من خلال مفردات التفاعيل ذات المواصفات
المؤطرة لها في حدود المنهج.
كل من درس الرقمي لديه من الشواهد على ما ذكرته الكثير.