من المعلوم أن من مصادر التاريخ ما يكتب على هيئة قطعة أدبية سواء كانت شعراً أو نثراً، وتصبح تلك القطع شاهدة على أحداث ربما لم تكتب أو غفل عنها المؤرخون، ولذلك جاءت هذه المقالة التي كتبها الشيخ عبدالمحسن بن عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل الشيخ وفقه الله والتي نشرتها جريدة الجزيرة على هذا الرابط:
http://www.al-jazirah.com/2015/20150809/wo1.htm
فأترككم مع المقالة ...
إطلالة على دعوة الإمام محمد بن عبدالوهاب من خلال قصيدة العلامة محمد بن أحمد الحفظي


القصيدة هي ضمن مخطوطات مكتبة الرياض السعودية تحت رقم: (929-/86)، وقائلها هو الشيخ العلامة محمَّد بن أحمد بن عبدالقادر الحفظي الشافعي السلفي(1)، توفي سنة 1237هـ، أي بعد خراب الدرعية بثلاث سنوات، فأدرك - رحمه الله - الدولة السعودية الأولى في أوج عزها.
وزمن كتابة هذه القصيدة في عهد الإمام سعود بن عبدالعزيز بن محمَّد بن سعود، وهو حتمًا بعد سنة 1218هـ، لأنَّه تاريخ وفاة الإمام عبدالعزيز، وقبل سنة 1224هـ، لأنَّه تأريخ وفاة موصل القصيدة عبدالوهاب (أبو نقطة)(2)، حيث سلَّم الشاعر قصيدته للأمير عبدالوهاب ليوصلها للإمام سعود بن عبدالعزيز.
وتبلغ أبيات القصيدة ستةً وستين بيتًا، وقد جاء في أولها - وهو على الأرجح من كلام ابنه الشيخ أحمد -: (ولمَّا عزم أمير الجهة عبدالوهاب بن عامر أن يصل إلى سعود ويزاور كتب شيخنا الوالد العلامة محمَّد بن أحمد الحفظي - غفر الله له - صحبته هذه الرسالة على عدد حروف الجلالة فقال) انتهى.
وقد ابتدأ الشيخ محمَّد الحفظي - رحمه الله - قصيدته بقوله:
شهدت عدولٌ شواهدَ الأحوالِ
ومقدماتِ نتائج الإشكال
إنَّ المعالي والعوالي والعلا
في العلم بالله العلي المتعالي
ثم استطرد في ذكر أهمية العلم، وخطورة الجهل، وأنَّ التوحيد بالله من أهم الأمور، والشرك أقبحها، وأنَّ ذلك جليٌ في كتاب الله، وفي السنن الصحيحة عن رسوله صلى الله عليه وسلم.
ثم بيَّن أنَّ الشرك كان مستفيضًا بديارهم، حتى انبلجت دعوةُ الإمام الشيخ محمَّد بن عبدالوهاب، الداعية إلى اتباع سنة خير الورى محمد صلى الله عليه وسلم، حيث قال:
يدعون غير الله في حاجاتهم
دفعـًا ونفعًا كاليًا في كالي
وعكوفهم عند القباب ونذرهم
والذبح للقربان والإهلال
بل يشركون بضفدعٍ وبثعلبٍ
والكلب إذ يعوي لهم بليالي
والنجم والأشجار والأحجار
والكهان والكفار والأطفال
ثم تطرق - رحمه الله - لدعوة الشيخ محمَّد بن عبدالوهاب فقال:
حتى أتانا من مشارق أرضنا
نبأٌ عظيم أمره متوالي
داعٍ بأعلى الصوت يدعو الناسَ
للتوحيدِ والتقريب بالأعمال
ويحث في صرف العبادة كلها
لله ليس الشرك في مثقال
عنى بذلك إمامنا شيخ الهدى
ومجددَ العصرِ الأخير التالي
بحرُ العلومِ أبا حسين(3) محمَّدًا
كافاه ربي بالجزاء العالي
فأجابه عبدالعزيز(4) وأصله (5)
حياه من أصلٍ أتى بوصال
ثم تحدث الشاعر عما واجه الدعوة من عدم قبول البعض لها فقال:
والناس في ردٍ لدعوة شيخنا
ويعارضون بشبهةٍ وجدالِ
وتعصبٍ وتحزبٍ وتغلبٍ
وسفاهةٍ وجهالةٍ وضلالِ
وأبو سعود (6) مستقيمٌ ثابتٌ
يحمي جوار الداعي المفضالِ (7)
حتى أراد اللهُ نصرة دينه
بقتالِ أهل الشرك باستئصال
ثم استطرد - رحمه الله - في وصف الموقف البطولي للإمام عبدالعزيز، وأنه نافح عن الدعوة بالسنان، حتى انعقد النصر لرايات التوحيد، فارتفع ذرى التوحيد، وسفل أمر الشرك والتخبيط.
ثم أثنى كذلك على الموقف البطولي لأميرهم عبدالوهاب بن عامر(أبو نقطة)، وأنَّ أميرهم قد حده الشوق لمقابلة الإمام سعود، حيث أثنى على الإمام سعود بقوله:
وأتاه(8) شوقٌ للوصولِ إلى الذي
ورث المكارم والد الأشبال
أعني سعودًا من سعدنا منه بالعدل
الوسيع وفوق ما في البال
ولم يفته أن يوصى الإمام سعود بن عبدالعزيز بالأمير عبدالوهاب فقال:
فاستوص خيرًا يا سعود امامنا
بالأمير وامنحه بالإقبالِ
وأوصاه كذلك أن يحث أبناءَ الشيخ محمَّد بن عبدالوهاب(9) أن يستوصوا بالأمير عبدالوهاب (أبو نقطة) فقال:
وأذكر لآل الشيخ أشياخ الهدى
لا يذخرون عن الأمير معالي
ثم رجا الإمام سعود أن يحث الشيخ حمد بن ناصر بن معمر (ت 1225 هـ) بالعناية بالأمير أبي نقطة أيضًا حيث قال:
وأخي صفي الدين أحمد قل له
يرويه من ماء لديه زلال
ثم بلغ سلامه وسلام شيخه (أبو الحفظي) لذوي الإمام سعود، وللشيخ العلامة حسين ابن غنام صاحب التاريخ المشهور (ت 1225هـ).
وختم قصيدته بأبياتٍ فيها وصايا للإمام سعود أن يسير عل طريق الكتاب والسنة، والعدل، ونصر دعوة شيخه محمَّد بن عبدالوهاب وأبيه الإمام عبدالعزيز، وأن يتفقد الرعية، ويشفق بهم.
هذا ما تيسر من الكلام على قصيدة الشيخ العلامة محمَّد بن أحمد الحفظي، وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمَّد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
** ** **
الهوامش:
(1) ولد في النصف الثاني من القرن الثاني عشر، ويعتبر هو وولده أحمد من أكثر (آل حفظي) تحمسًا لدعوة الشيخ محمَّد بن عبدالوهاب، له عديد من المؤلفات من أشهرها (درجات الصاعدين إلى مقامات الموحدين).
(2) عبدالوهاب بن عامر المتحمي (أبو نقطة)، تولى الإمارة في عسير بعد وفاة أخيه محمَّد سنة 1217هـ، خاض معارك كبيرة انتصر فيها، ساهم في ضم مكة للدولة السعودية الأولى سنة 1218هـ (ت 1224هـ).
(3) هذا نصٌ في أنَّ كنية الشيخ محمَّد بن عبدالوهاب: (أبو حسين)، وهي كنية بابنه الثاني: (حسين)، وكنيته الأولى: (أبو علي) بابنه الأول (علي)، الذي مات صغيرًا، ثم سمي الشيخ محمَّد أيضًا ابنًا له آخر باسم: (علي) على اسم ابنه الأول، وله ذرية باقية.
(4) يقصد الإمام عبدالعزيز بن محمَّد بن سعود (ت 1218هـ).
(5) يقصد الإمام محمَّد بن سعود (ت 1179هـ).
(6) أي الإمام عبدالعزيز بن محمَّد بن سعود.
(7) يقصد الشيخ محمِّد بن عبدالوهاب.
(8) أي أميرهم عبدالوهاب أبو نقطة.
(9) وهم آنذاك: الفقيه القاضي الشيخ حسين، والشيخ إبراهيم، والعلامة النحرير عبدالله، والشيخ علي، وعبدالعزيز.
-