بسم الله وبعد :
فهذا تخريج كامل لهذا الحديث من كتاب :" تسمية الرقاة من الصحابة والتابعين ..."
الدليل السادس : رواه إبراهيم النخعي مفتيا به، ومرة ذاكرا أنه أخذ هذه الرقية عن الأسود وأقرتها عائشة، ومرة صرح بوصله مستدلا به ، وليس هذا من التخليط كما يظن، بل من التنوع في الاستدلال على حسب المقام والمقال :
1. فقال أبو بكر في المصنف (6/101) حدثنا وكيع عن سفيان عن القعقاع عن إبراهيم قال: «رقية العقرب شجة قرنية ملحة بحر قفطا »، قول إبراهيم هذا إنما أخذه عن أصحاب عبد الله كما أخذه عن أم المؤمنين :
2. قال ابن أبي خيثمة في تاريخه 3850- حَدَّثَنا أبي قال: حدثنا جرير عن مُغِيْرَة عن إبراهيم قال : كانت للأسود رُقْية يَرْقي بها في الجاهلية من العقرب أربعة ... بالحميرية ، فلما كان الإسلام تحرَّج منها وتركها، ثم عرضها على عائشة، فقالت : ما أرى بها بأسًا، قال: ورقيتُةُ :شجة قرنية ملحة بحر قطعا أو خطبية أو قفطا ".
. ثم إن هذه الرقية التي كانت عند الأسود منذ الجاهية عرضها على أم المؤمنين فأقرتها، وصل ذلك أبو بكر بن عياش وسفيان الثقتان الجليلان عن المغيرة :
.3 فقد قال أبو بكر بعد أثر أبراهيم السابق مباشرة : حدثنا وكيع عن سفيان عن المغيرة عن إبراهيم عن الأسود قال:" عرضتها على عائشة، فقالت: «هذه مواثيق» أي لسليمان عليه السلام مع الهوام ،
.4 وقال الترمذي في المنهيات (63) وحدثنا إبراهيم بن يوسف الصيرفى حدثنا أبوبكر بن عياش عن مغيرة عن إبراهيم عن الأسود قال: قلت لعائشة رضى الله عنها: إنا نزلنا وادياً، فقتل صاحب لنا حية، فصرع لحينه، فرقيته بكلمات بالحميرية فقالت: أى شيء هي؟ قلت: شجه قرنيه ملحة بحرا. فقطا، قال: فقالت:ما بها بأس "، والصيرفي ثقة .
وهذا الأثر صحيح له حكم المرفوع ، ورواية مغيرة عن إبراهيم على شرط الشيخيْن وهو من أروى الناس عنه، كما أنه كان يروي كثيرا بواسطة عنه ، فاختلط أمره على أهل الحديث، فرماه قوم بالتدليس ونفاه عنه آخرون، وقالوا: بل هذا يدل على حفظه وتمييزه بين ما سمع من شيخه، وبين ما روى عنه بواسطة، والأصل هو براءة الذمة إلا أن تأتي الأدلة بتدليسه :
والإمام أحمد إنما تكلم في حالة ما لو روى بواسطة عنه فإنه مدخول، وهنا لا واسطة، لا أنه يتكلم عن التدليس ولا في روايته مباشرة عن شيخه إبراهيم فتأمل كلامه بتمامه :
نقله الخلال في العلل 239 - قيل: كيف مغيرة عن إبراهيم؟ قال: أما ما سمع فهو حسن الحفظ، ولكنه ربما حدث بالشيء عن غيره عن إبراهيم، وكان صاحب سنة ذكيا حافظا، وعامة حديثه عن إبراهيم مدخول عامة، ما روى عن إبراهيم إنما سمعه من حماد ومن يزيد بن الوليد والحارث العكلي وعن عبيدة وعن غيره، وجعل يضعف حديث مغيرة عن إبراهيم وحده ".
وقد اتهمه ابن حبان والعجلي واسماعيل القاضي بالتدليس:
استدلالا بما روى نعيم بن حماد عن ابن فضيل قال :" كان يدلس وكنا لا نكتب عنه إلا ما قال حدثنا إبراهيم "،
لكن قال الفسوي: حدثني ابن نمير قال: قال ابن فضيل: قال مغيرة: وكنت سمعت من إبراهيم "، فأثبت له السماع منه، وعلى القول بتدليسه فإن ابن فضيل وأصحابه كجرير صاحب هذا الحديث عنه، لا يروون عنه إلا ما سمع فإنه قال: " وكنا لا نكتب عنه إلا ما قال حدثنا إبراهيم ".
قال الفسوي: قال ابن نمير: وكان ابن فضيل يرى إنما سمع مغيرة من إبراهيم ما حمل عنه ابن فضيل، وهو أقل من مائتي حديث أظنه ذكر نحو مائة وخمسين أو أقل ".
وقد أخبر العجلي أن كان يخبر أصحابه بما سمع إذا سألوه فقال :" مغيرة ثقة فقيه الحديث إلا انه كان يرسل الحديث عن إبراهيم فإذا وقف أخبرهم ممن سمعه وكان من فقهاء أصحاب إيراهيم ".
إلا أن المغيرة قد أنكر ما نُسب إليه وهو المأمون : فقال ابن هانئ نا أحمد بن حنبل نا سفيان قال: قلت لمغيرة: سمعت هذا من إبراهيم؟ قال: «وما تريد إلى هذا؟ [وحاد عنه]»، كأنه قال له منكرا: أتريد أن تتهمني، ثم إنهما تهاجرا وتركه سفيان .
وكذلك قد نفى عنه الإمام أبو داود تهمة التدليس أصلا ، فقال الآجري: قلت لأبي داود: سمع مغيرة من مجاهد. قال نعم ومن أبي وائل، كان لا يدلس سمع من إبراهيم مائة وثمانين حديثا "،
ثم حكى أبو داود عن جرير قال: جلست إلى أبي جعفر الرازي، فقال: إنما سمع مغيرة من إبراهيم أربعة أحاديث، فلم أقل له شيئا، قال علي: وفي كتاب جرير عن مغيرة عن إبراهيم مائة سماع ".
وهذا يدل – ولو على القول بتدليسه - على صحة رواية جرير عنه لأنه يحدث بمسموعاته عن إبراهيم فقط، يؤكد ذلك قول ذكر الرافعي في ترجمة هارون بْن أبي هارون المديني أن الحفاظ قالوا لهارون: أدركت جرير بْن عبد الحميد فأي شيء تحفظ عَنْهُ؟ فقال: حضرته وسلمة بْن عمار العجلي القزويني يستملي له وكان يحدث بحديث مغيرة عن إبراهيم فشغله إنسان وجعل يساره، فألح عليه سلمة، وقال: مغيرة عن إبراهيم مغيرة عن إبراهيم، فالتفت إليه جرير وقال" مغيرة عن إبراهيم مغيرة عن إبراهيم .."، وهذا يؤكد تخصص جرير في روايته عن مغيرة عن إبراهيم .
وبعد التأمل يظهر بأن ما قاله أبو داود هو الصواب، فإن المتأمل في الصحيحين وكتب السنن والصحاح وخاصة كتب الآثار يجد الكثير والكثير من هذا الطريق ، وأن رواياته الأخرى بواسطة عن إبراهيم إنما تدل على تدقيقه وتمييزه بينها، وقد أنكر نفسه على من أشار إليه بالتدليس كما مر .
كما أن الحفاظ قارنوا بين رواياته عن إبراهيم بروايات الثقات لا الضعفاء منهم الإمام أحمد نفسه :
قال ابن رجب في شرح العلل (2/762) :" ونقل أبو داود عن أحمد قال:" ما روى سفيان وشعبة عن حماد عن إبراهيم، أحب إلىّ من رواية مغيرة عن إبراهيم ، إلا أن في حديث الآخرين عن حماد تخليطاً "، وهنا في التفاضل بين الثقات، وقد نسب التخليط لرواية سفيان وشعبة عنه، وهم أرفع من ذلك بكثير لثقتهم وجلالتهم .
وقال ابن معين:" والحكم عن ابراهيم أحب الي من مغيرة عن ابراهيم "، ففاضل بين روايات الثقات ولم يجرح أيا منها.
وقد مر أنه على شرط البخاري ومسلم، وأصحاب السنن فإنهم أخرجوا الكثير من مثل هذا الإسناد ، بل قد خرج مسلم أصل هذا الحديث بهذا السند مما يؤكد أن له حكم الرفع:
فخرج – مسلم - (2193) عن مغيرة عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة قالت: «رخص رسول الله صلى الله عليه وسلم لأهل بيت من الأنصار في الرقية من الحمة»
وهؤلاء أهل البيت هم مَن مضى في حديث أبي الزبير عن جابر قال: كان بالمدينة رجل يكنى أبا مذكر يرقى من العقرب، ينفع اللَّه بها، فقال النبي صلى اللَّه عليه وسلّم: «يا أبا مذكر، ما رقيتك هذه؟ أعرضها عليّ» فقال أبو مذكر: شجنة [شجة ] قرنية ملحة [بحر] قفطا أو لفطا، نطفا أو نقطا، ثقفا لا محقا، فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم: لا بأس بها، إنما هذه مواثيق أخذها سليمان بن داود على الهوام ».
فأنت ترى أن هذه السنن والأحاديث يبين بعضها بعضا ويفسره لا يعارضه ولله الحمد .
4. وقد ورد الأثر عن إبراهيم من وجه آخر فيه نظر ، وما رواه عن عائشة هو المحفوظ :
دليل أو الدليل السابع : خرجه أبو نعيم في الطب (2/554) والطبراني في الأوسط (5/266) والكبير وابن السني في عمله (573) من طرق عن موسى بن أعين عن زيد بن بكر بن خنيس عن إسماعيل بن مسلم عن أبي معشر عن ابراهيم عن عبد الله بن مسعود قال: ذكر عند النبي صلى الله عليه وسلم رقية من الحمة [رقية الحية] فقال: اعرضوها علي فعرضوها عليه :" بسم الله شَجة قَرَنية مِلحة بحر قَفْطا "، فقال:" هذه مواثيق أخذها سليمان صلى الله عليه وسلم على الهوام لا أرى بها بأسا"، قال: فلدغ رجل وهو مع علقمة فرقاه بها فكأنما نشط من عقال "،
وهذا حديث رجاله ثقات، إلا إسماعيل بن مسلم وهو المكي يقبل في الاعتبار، وهو في الأصل صدوق لكنه يهم كثيرا في الحديث، كما قال عنه الفلاس: كان صدوقا يكثر الغلط، وقال أبو حاتم: ضعيف الحديث ليس بمتروك، يكتب حديثه"، وأما موسى فثقة، وزيد بن بكر قال عنه ابن أبي حاتم: سألت أبي عنه فقال: لا بأس به، وذكره ابن قطلوبغا في الثقات، وزعم الذهبي أنه متروك، وأما رواية إبراهيم عن عبد الله وإن كانت منقطعة فقد ذكر إبراهيم أنه يرويها دوما عن أصحاب عبد الله الثقات عن عبد الله متصلة ، إلا أن الأقوى أنه أخذ هذا الأثر عن أم المؤمنين كما مر .
ثم تأملت في قوله :" قال: فلدغ رجل وهو مع علقمة فرقاه بها فكأنما نشط من عقال "، فإن هذا قد يدل على الحفظ، وكون الحديث محفوظا من الوجهين والله أعلم .
الدليل الثامن :