صوم شهر رمضان يجب بأحد ثلاثة أشياء:
أولها: رؤية الهلال؛ لحديث أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ، فَإِنْ غُبِّيَ عَلَيْكُمْ فَأَكْمِلُوا عِدَّةَ شَعْبَانَ ثَلاَثِينَ»([1]).
وَعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: «لَا تَصُومُوا حَتَّى تَرَوُا الْهِلَالَ، وَلَا تُفْطِرُوا حَتَّى تَرَوْهُ، فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَاقْدُرُوا لَهُ»([2]).
ولو شهد عدل واحد بدخول الشهر أُخِذ بقوله؛ ودليل ذلك ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: تَرَاءى النَّاسُ الْهِلَالَ، فَأَخْبَرْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنِّي رَأَيْتُهُ فَصَامَهُ، وَأَمَرَ النَّاسَ بِصِيَامِهِ([3]).
وقد أجمع المسلمون على أنَّ شهر رمضان يدخل برؤية الهلال([4]).
ثانيها: لو كانت السماء صحوًا ليس فيها غيم، ولم يُرَ الهلال، فيجب إكمالُ عِدَّةِ شعبان ثلاثين يومًا؛ وقد أجمع العلماء على ذلك([5]).
ثالثها: أنْ يحول دون رؤيته ليلة الثلاثين مِنْ شعبان غيم أو غبار؛ فحينئذ يجب صوم اليوم التالي، فيكون شعبان تسعة وعشرين يومًا، عند الحنابلة.
ودليل ذلك حديث عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: «لَا تَصُومُوا حَتَّى تَرَوُا الْهِلَالَ، وَلَا تُفْطِرُوا حَتَّى تَرَوْهُ، فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَاقْدُرُوا لَهُ»([6]).
ومعنى: «فَاقْدُرُوا لَهُ»؛ أي: ضيقوا عليه فاجعلوه تسعة وعشرين يومًا.
وقد جاء التقدير في الشرع بمعنى التضييق؛ ومنه قوله تعالى: {وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ} [الطلاق:7]؛ أي: ضُيِّق عليه رزقه.
وقوله تعالى: {اللَّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ} [الرعد:26]؛ يبسط: أي: يوسع، ويقدر: أي: يُضَيِّق.
وقوله تعالى: {وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ} [الفجر: 16]؛ أي: ضَيَّق عليه رزقه.
وقوله تعالى: {وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ} [سبأ:11]؛ أي: ضَيِّق حِلَقَ السرد حتى لا يصاب المقاتل إذا طعن.
قال ابن قدامة رحمه الله: «فَاقْدُرُوا لَهُ: يَعْنِي: ضَيِّقُوا لَهُ الْعِدَّةَ؛ مِنْ قَوْلِهِ: {وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ} [الطلاق: 7]؛ أَيْ: ضُيِّقَ عَلَيْهِ، وَتَضْييقُ الْعِدَّةَ لَهُ أنْ يُحْسَبَ شَعْبَانُ تِسْعَةً وَعِشْرِينَ يَوْمًا»([7]).
والقول بجعل شعبان عند الغيم تسعة وعشرين يومًا مِنْ مفردات مذهب أحمد([8]).
والصحيح – وهو رواية عن أحمد([9]) – أنه إنْ غُمَّ الهلالُ لغيم أو قتر أو غيره، أنَّ عِدَّةَ شعبان تكملُ ثلاثين يومًا.
ودليل ذلك الرواية الأخرى عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَكَرَ رَمَضَانَ، فَضَرَبَ بِيَدَيْهِ فَقَالَ: «الشَّهْرُ هَكَذَا، وَهَكَذَا، وَهَكَذَا - ثُمَّ عَقَدَ إِبْهَامَهُ فِي الثَّالِثَةِ - فَصُومُوا لِرُؤْيَتِهِ، وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ، فَإِنْ أُغْمِيَ عَلَيْكُمْ فَاقْدُرُوا لَهُ ثَلَاثِينَ»([10]).
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ، فَإِنْ غُبِّيَ عَلَيْكُمْ فَأَكْمِلُوا عِدَّةَ شَعْبَانَ ثَلَاثِينَ»([11]).
فهذا نَصٌّ مِنَ النبي صلى الله عليه وسلم بإكمال عدة شعبان ثلاثين يومًا عند عدم التمكن مِنْ رؤية الهلال؛ ويكون هذا الحديث مفسِّرًا لقوله صلى الله عليه وسلم: «فَاقْدُرُوا لَهُ»؛ لأنَّ التقدير يأتي أيضًا بمعنى الحساب؛ فيكون المعنى: فاحسِبوا له ثلاثين يومًا. والله أعلم.
والخلاصة: أنَّ الهلال إذا رُؤي، فإنَّ العمل يكون على الرؤية بالأدلة والإجماع.
وإذا لَمْ يُرَ الهلال فله حالتان:
الحال الأولى: لمْ يُرَ وتكون السماءُ صحوًا؛ فَنُتم عدة شعبان ثلاثين يومًا.
الحال الثانية: لَمْ يُرَ وتكون السماء مغيمة؛ فالصحيح أننا نكمل عدة شعبان ثلاثين يومًا أيضًا.
[1])) متفق عليه: أخرجه البخاري (1909)، ومسلم (1081).
[2])) متفق عليه: أخرجه البخاري (1906)، ومسلم (1080).
[3])) صحيح: أخرجه أبو داود (2342)، والدارمي (1733)، وغيرهما، وصححه الألباني في ((الإرواء)) (908).
[4])) ((الشرح الكبير)) (3/ 4).
[5])) السابق.
[6])) متفق عليه: أخرجه البخاري (1906)، ومسلم (1080).
[7])) ((الكافي)) (1/ 437).
[8])) ((الإنصاف)) (3/ 369).
[9])) ذكرها ابن قدامة في ((الكافي)) (1/ 437)، و((المغني)) (3/ 108)، وابن تيمية في ((الفتاوى الكبرى)) (5/ 375)، والمرداوي في ((الإنصاف)) (3/ 369)، وغيرهم، وذكر شيخ الإسلام أنه لم يُنقل عن أحمد ما يدل على إيجابه صوم يوم الثلاثين؛ بل كان يستحب صيامه فقط احتياطًا، ثم ذكر شيخ الإسلام أنَّ الإمام أحمد كان يميل أخيرًا إلى عدم استحباب صومه.
[10])) مسلم (1080).
[11])) متفق عليه: أخرجه البخاري (1909)، ومسلم (1081).