بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن تبعه بإحسان إلى يوم الدين
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
هل كِبَرُ السن يعدّ سببا لدخول الجنة ، والنجاة من النار ؟
فتوى رقم: 228750
منقول من موقع الإسلام سؤال وجواب
http://islamqa.info/ar/228750
السؤال: قرأ أحد الأشخاص قبل عدة أيام من كتاب " فضائل الأعمال " حيث ذكر : " أنّ يحيى بن أكثم جاء في المنام بعد موته لأحد الأشخاص وذكر أنّ الله أدخله الجنة لكبر سنه ، فهل هناك أحاديث تذكر أنّ كبر السن سبب في دخول الجنة ؟ وهل سيعيش الرجل في البرزخ إن أمر الله بدخوله الجنة لكبر سنه؟.
الجواب:
الحمد لله
أولا :
كان يحيى بن أكثم القاضي رحمه الله من علماء المسلمين ، فقيها أديبا عاقلا ، قَالَ الحَاكِمُ : "مَنْ نَظَرَ فِي "التَنْبِيهِ" لَهُ, عَرَفَ تَقَدُّمَهُ فِي العُلُومِ".
وَقَالَ طَلْحَةُ الشَّاهِدُ: " كَانَ وَاسِعَ العِلْمِ بِالفِقْهِ ، كَثِيْرَ الأَدَبِ ، حَسَنَ العَارِضَةِ ، قَائِماً بِكُلِّ مُعْضِلَةٍ ، غَلَبَ عَلَى المَأْمُوْنِ حَتَّى لَمْ يَتَقَدَّمْهُ عِنْدَهُ أَحَدٌ مَعَ بَرَاعَةِ المَأْمُوْنِ فِي العِلْمِ ، وَكَانَتِ الوُزَرَاءُ لاَ تُبْرِمُ شَيْئاً حَتَّى تُرَاجِعَ يَحْيَى ".
وقال الذهبي : "كَانَ مِنْ أَئِمَّةِ الاجْتِهَادِ " .
انتهى من "سير أعلام النبلاء" (9/ 432) .
ثانيا :
روى الخطيب في "تاريخه" (14/ 206) عن محمّد بن عَبْد الرَّحْمَن الصيرفي قَالَ: " رأى جارٌ لنا يَحْيَى بْن أكثم بعد موته فِي منامه ، فقال لَهُ: ما فعل بك ربك ؟ قَالَ: وقفت بن يديه فقال لي: سوءةً لك يا شيخ ، فقلتُ: يا رب إن رسولك قَالَ: إنك لتستحي من أبناء الثمانين أن تُعذبهم ، وأنا ابن ثَمانين ، أسيرُ الله فِي الأرض ، فقال لي: صدق رسولي ، قد عفوتُ عنك.
ثم روى عن مُحَمَّد بْن سلم الخواص- الشيخ الصالِح- قَالَ:
رأيتُ يَحْيَى بْن أكثم القاضي فِي المنام فقلتُ لَهُ: ما فعل اللَّه بك؟ فقال: أوقفني بين يديه وقال لي: يا شيخ السوء لولا شيبتك لأحرقتك بالنار، فأخذني ما يأخذُ العبد بين يدي مولاهُ، فلما أفقتُ قَالَ لي: يا شيخ السوء لولا شيبتك لأحرقتك بالنار، فأخذني ما يأخذُ العبد بين يدي مولاهُ ، فلما أفقتُ قَالَ لي: يا شيخ السوء، فذكر الثالثة مثل الأوليين ، فلما أفقتُ قلت: يا رب ما هكذا حُدثت عنك، فقال الله تعالى: وما حُدثت عني- وهو أعلمُ بذلك- قلتُ: حدَّثَنِي عَبْد الرزاق بْن همّام، حَدَّثَنَا معمر بْن راشد ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مالك ، عَن نبيك صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَن جبريل عَنك يا عظيمُ أنك قلت: (ما شاب لي عبدٌ فِي الْإسْلَام شيبة إلا استحييتُ منه أن أعذبه بالنار) فقال الله: صدق عَبْد الرزاق وصدق معمر وصدق الزُّهْرِيّ وصدق أنس وصدق نبيي وصدق جبرائيل، أَنَا قلت ذَلِكَ انطلقوا بِهِ إلى الجنة ".
وقال الحافظ المزي رحمه الله في "تهذيب الكمال" (31/ 223):
" وروي عن علي بن هارون الزاهد، قال: رأيت يحيى بن أكثم القاضي في المنام، فذكر نحو ذلك ، وروي من وجه آخر عن رجل من أهل سامراء، قال: لما مات يحيى بن أكثم رؤي في النوم فذكره، وقال فيه: عن معمر، عن قتادة، عن أنس " انتهى.
والمنامات لا يؤخذ منها حكم ، ولا يثبت بها حديث.
ولكن يستأنس بها ، فإن الرؤيا الصالحة من المبشرات ، كما روى الترمذي (2273) وحسنه عن أبي الدَّرْدَاءِ : " عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى : ( لَهُمْ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ) فَقَالَ : ( هِيَ الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ يَرَاهَا الْمُسْلِمُ أَوْ تُرَى لَهُ ) " .
وصححه الألباني في "صحيح الترمذي" .
وهذا الحديث المذكور في المنام لا أصل له بهذا المتن ، وهذا الإسناد ، فلا يعول على هذا المنام في الكلام عليه .
وكبر السن مدعاة للتوبة ومراجعة النفس ، كما روى البخاري (6419) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ( أَعْذَرَ اللَّهُ إِلَى امْرِئٍ أَخَّرَ أَجَلَهُ ، حَتَّى بَلَّغَهُ سِتِّينَ سَنَةً ) .
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله :
" وَالْمَعْنَى : أَنَّهُ لَمْ يَبْقَ لَهُ اعْتِذَارٌ، كَأَنْ يَقُولَ: لَوْ مُدَّ لِي فِي الْأَجَلِ لَفَعَلْتُ مَا أُمِرْتُ بِهِ . يُقَالُ: أَعْذَرَ إِلَيْهِ: إِذَا بَلَّغَهُ أَقْصَى الْغَايَةِ فِي الْعُذْرِ وَمَكَّنَهُ مِنْهُ ، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ عُذْرٌ فِي تَرْكِ الطَّاعَةِ ، مَعَ تَمَكُّنِهِ مِنْهَا بِالْعُمُرِ الَّذِي حَصَلَ لَهُ : فَلَا يَنْبَغِي لَهُ حِينَئِذٍ إِلَّا الِاسْتِغْفَارُ وَالطَّاعَةُ ، وَالْإِقْبَالُ عَلَى الْآخِرَةِ بِالْكُلِّيَّةِ " انتهى .
وروى الترمذي (2329) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُسْر رضي الله عنهٍ : " أَنَّ أَعْرَابِيًّا قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ خَيْرُ النَّاسِ؟ قَالَ: (مَنْ طَالَ عُمُرُهُ ، وَحَسُنَ عَمَلُهُ) " .
وصححه الألباني في "صحيح الترمذي" .
فكبر السن إعذار وإنذار ، ومدعاة للتوبة والعمل الصالح ، وليس هو بمجرده سببا لدخول الجنة أو النجاة من النار ، ولكن من طال عمره وحسن عمله.
ثالثا :
ورد في بعض الأحاديث أن الله لا يعذب ذا الشيبة المسلم ، ولكنها أحاديث ضعيفة لا يثبت منها شيء ، فمنها :
- ما رواه زَاهِر بْن طَاهِر الشحامي فِي "الإلهيات" - كما في "اللآلىء المصنوعة" (1/ 125) من طريق أَبِي المهزم عَن حُذَيْفَة بْن الْيَمَان قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم : ( قَالَ الله عَزَّ وَجَلَّ لي: يَا مُحَمَّد ، قلتُ : لبيْك إلهي وسيدي ، قَالَ: إِني لأَسْتَحي من عَبدِي وَأمتِي يشيبان فِي الْإسْلَام أَن أعذبهما بِنار ).
وأبو المهزم متروك متهم ، كما في "الميزان" (4/426).
- وروى أيضا من طريق سُلَيْمَان بْن عَمْرو عَن عَبْد الله بْن دِينَار عَن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ: ( يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: إِنِّي لأَسْتَحي من عَبدِي وَأمتِي إِذَا شَابَا فِي الإِسْلامِ أَنْ أُعَذِّبَهُمَا بِالنَّارِ)
وسليمان بن عمرو ، قال ابن معين : " كان أكذب الناس " .
انظر : "الميزان" (2/216).
- وَعَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " ( يَقُولُ اللَّهُ - تَبَارَكَ وَتَعَالَى -: إِنِّي لَأَسْتَحِي مِنْ عَبْدِي وَأَمَتِي يَشِيبَانَ فِي الْإِسْلَامِ ، فَتَشِيبُ لِحْيَةُ عَبْدِي وَرَأْسُ أَمَتِي فِي الْإِسْلَامِ أُعَذِّبُهُمَا فِي النَّارِ بَعْدَ ذَلِكَ) .
قال الهيثمي في "المجمع" (5/ 159):
" رَوَاهُ أَبُو يَعْلَى، وَفِيهِ نُوحُ بْنُ ذَكْوَانَ، وَغَيْرُهُ مِنَ الضُّعَفَاءِ "
- وروى الإمام أحمد (13279) عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ( مَا مِنْ مُعَمَّرٍ يُعَمَّرُ فِي الْإِسْلَامِ أَرْبَعِينَ سَنَةً ، إِلَّا صَرَفَ اللهُ عَنْهُ ثَلَاثَةَ أَنْوَاعٍ مِنَ الْبَلَاءِ : الْجُنُونَ، وَالْجُذَامَ ، وَالْبَرَصَ ، فَإِذَا بَلَغَ خَمْسِينَ سَنَةً ، لَيَّنَ اللهُ عَلَيْهِ الْحِسَابَ ، فَإِذَا بَلَغَ سِتِّينَ ، رَزَقَهُ اللهُ الْإِنَابَةَ إِلَيْهِ بِمَا يُحِبُّ ، فَإِذَا بَلَغَ سَبْعِينَ سَنَةً ، أَحَبَّهُ اللهُ ، وَأَحَبَّهُ أَهْلُ السَّمَاءِ ، فَإِذَا بَلَغَ الثَّمَانِينَ ، قَبِلَ اللهُ حَسَنَاتِهِ ، وَتَجَاوَزَ عَنْ سَيِّئَاتِهِ ، فَإِذَا بَلَغَ تِسْعِينَ ، غَفَرَ اللهُ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ ، وَمَا تَأَخَّرَ، وَسُمِّيَ أَسِيرَ اللهِ فِي أَرْضِهِ ، وَشَفَعَ لِأَهْلِ بَيْتِهِ).
قال الألباني في "الضعيفة" (5984) : " منكر ".
ورواه أحمد أيضا موقوفا (5626) وقال محققو المسند : " إسناده ضعيف جدا ".
رابعا :
حياة البرزخ هي التي تكون من بعد موت الإنسان إلى بعثه يوم القيامة ، والقبر إما روضة من رياض الجنة ، أو حفرة من حفر النار .
فمن كان من أهل الجنة نُعِّم في قبره ، شيخا كان أم شابا ، ومن كان من أهل النار عذب فيه ، شيخا كان أم شابا .
وفي ذلك حديث البراء المشهور ، انظر جواب السؤال رقم :
(47055) - هل نعيم القبر وعذابه على الجسد والروح أم على أحدهما دون الآخر
http://islamqa.info/ar/47055
وانظر لمعرفة المزيد عن حياة البرزخ جواب السؤال رقم :
(21212) - هل يستمر عذاب القبر إلى قيام الساعة
http://islamqa.info/ar/21212
(175666) - عذاب القبر قد يصيب عصاة الموحدين ، أما ضمة القبر فعامة لكل أحد
http://islamqa.info/ar/175666
وانظر للفائدة جواب السؤال رقم :
(46592) - حكم تمني الموت
http://islamqa.info/ar/46592
(194012) - الدلائل الشرعية وحدها هي الفرقان بين أهل الحق وأهل الباطل
http://islamqa.info/ar/194012
والله تعالى أعلم.
*****
والله الموفق
نحبكم في الله
والحمد لله رب العالمين