السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
العجزُِ
قال:
لما تيعينا الحقيقة نسوّغ عجزنا بالفطرة والغريزة والجبلة...فنقول الأمر طبعي أو غريزي أو موهبة وُهبها الإنسان أو غرزت في الحيوان.
ومن صور عجزنا كذلك التماسنا مسوغات ما أنزل الله بها من سلطان، فهي أوهنُ من بيت العنكبوت. فنقول بعد موت الميت وعودِ القوةِ السببُ كذا وكذا رجماً بالغيب...
نفعل ذلك لنطمئن مهجنا؛ ونوهمها بمعرفة الحقيقة، وهي أبعد ما تكون عن ذلك...
إن الأسباب التي نزعمها أسبابا لما نرى ونسمع...ما هي إلا خيوطٌ ينسجها عقل بشري يفسر بها؛ كما يزعم، أحداث العالم والوجود. والموت واحد وإن تعددت الأسباب...
فقد نجمع على الأسباب والعلل، ولا يعني ذلك أننا أصبنا الحقيقة. فالحقيقة بعيدة المنال، والمدركون منا لها نفرٌ قليلون، وحيثما تعلق الإنسان بالمادة وقشورها ابتعد عن الحقيقة بعد المريخ عن الأرض...
إن النار تحرق، لكن لا تحرق إلا ما شاء الله لها أن تحرق. والماء يغرق، ولا يغرق إلا مما شاء الله له أن يغرق...
أفلا تعلمون من التجارب أن من الناس من حكم عليه بالموت بالنار فكانت عليه برداً وسلاما...ومنهم من حكم عليه بالموت في البحار والأمواج...فألقي به في البرِّ آمنا سالما؟ ومنهم- وما أكثرهم! -من تراه سليما معافى ونُعي لك خبره...
فما تفسيركم لذلك؛ وغيره فوق أن يعد ويحصى؟
ثبت التحدي واضحاً، ونأبى إلا أن نتجاهل الحقيقة سائرين في طريق الأوهام غير آبهين...!!
ولن يَضر الحقيقةَ ذلك شيءٌ. فما شاء الله كان وما لم يشأ سبحانه لم يكُ. لهذا طالبتنا الشريعة بالعبادة ولم تكلفنا مشقة البحث والتعمق في العلل، وفي المقابلة طالبتنا بالعمل الصالح.
- قال الراوي:
- ما قلته مطرد أم لا؟
- هل تحرم الأخذ بالأسباب؟
- هل استقرأت الشريعة فعلمت أنها لم تكلفنا مشقة البحث عن العلل؟
- أليس هذا الذي تقول برهان عجزك؟
- ألست في كلامك تسلك مسلك التفسير والتعليل؟
- هل ما ذكرته أصل أم فصل واستثناء؟
غفر الله لنا ولك...
وغضب الكاتب، فانطلق مسرعا تاركاً نظاراته على المنضدة يجر ذيولهُ يلوكُ كلاما سمعت منه قوله: "اعط القوس باريها".
ناديته بأعلى صوتي: أيها لكاتب، هلمَّ إن الحضور ينتظر، والناس في شوق لكلامك، ينادون جميعا ألا أيها الكاتب أقبل أقبل إلينا بوجهك لا تدبك...
- قال: أنا عطشان أبحث عن عين رَيَّةٍ أروي به غضبتي، قل لهم: إني سأعود...
- قال الراوي: وطال الانتظار ولم يعد...
أخذ الراوي مكبر الصوت واستقبل الناس وقال:
نعتذر لكم حضورنا الكريم آملنا أن نلقاكم في مثل هذا اليوم من السنة المقبلة 12-أبريل 2009 الموافق ل 24 ربيع الأول 1430
فتجمهر الجمهور حول الراوي فعسر علي التواصل معهم وانقطع الاتصال...