الحمد لله وحده ، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده :
لقد أعز الله _ سبحانه و تعالى _ المسلمين بعد أن كانوا أذلاء لا تحسب لهم الأمم أي حساب ، فجاء الإسلام فأعز المسلم بعد أن كان ذليلاً ، وأوقد فيه روح العزة والأنفة حتى صار مفتاحاً لكل خير ، مغالقاً لكل شر .
وكانت العرب في جاهليتها تعرف معنى العزة ، حتى أن الشاعر قال :
لا تسقيني ماءَ الحياة ِ بذلة ٍ ... بل فاسقني بالعزَّ كأس الحنظلِ
ماءُ الحياة ِ بذلة ٍ كجهنم ... وجهنم بالعزَّ أطيبُ منزلِ
فجاء القرآن الكريم ليؤصل معنى العزة في قلوب الموحدين ، فقال تعالى : " وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِي نَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لا يَعْلَمُونَ " ، وقال : " إِنَّ العِزَّةَ لِلّهِ جَمِيعًا " .
حتى أن الشاعر العربي المسلم قال :
ولا أرى لابن حرةٍ لدي ... يداً أُغضي لها حين يغضبُ
وقال :
ولي نفسٌ تحل بي الروابي ... وتأبى أن تحل بي الوهادا
وهذا يدل على عزة النفس وأنفتها .
وهنا سنعرض ثلاثة نماذج أو صور لعزة المسلمين زمن الخلافة العثمانية :
أولاً : يُذكر أن السلطان سليمان القانوني " رحمه الله " لما سمع أن فرنسا قد أحدثت الرقص بين الرجال والنساء ، كتب إلى ملك فرنسا قائلاً : " بلغني الخبر أنكم أحدثتم رقصة فحشاء بين الرجال والنساء ، ولمَّا يأتيك رسالتي إما أن تمنعوا هذا الفحش بأنفسكم ، أو أتيتُ إليكم ، ودمّرتُ بلادكم " وبعد هذه الرسالة لم يكن الرقص في فرنسا مائة سنة ! .
ثانياً : يُذكر أن المُدن الساحلية الأوروبية كانت إذا مرَّت بمحاذاتها الأساطيل العُثمانية ، لا تُدق بها أجراس الكنائس ، حتى لا تتأجج الحماسة الدينية في قلوبهم فيفتحوا تلك المُدن ! .
ثالثاً : في عام 1890 م ، وخصوصًا في عهد السلطان عبد الحميد الثاني " رحمه الله " كان هناك مؤلف فرنسي يُدعى ( ماركي دو بونييه ) يستعد لعرض مسرحية مسيئة للرسول " صلى الله عليه وسلم " ، وذلك في جميع مسارح فرنسا وأوروبا ..
فقام السلطان بتجهيز الجيش وتعبئته ، كما أمر حاشيته أن تلبس لباس الحرب وارتدى السلطان الزي العسكري ، وأمر بإحضار القنصل الفرنسي فورًا ، وكان القنصل يعتقد أن السلطان يريد تسليمه ( رسالة استنكار ) للحكومة الفرنسية وأن موضوع المسرحية سيتم مناقشته ، ولكن ستعرض في النهاية ، وعند دخول القنصل قصر السلطان تفاجأ بارتدائهم الزي العسكري وصُعق عندما رأى السلطان نفسه مرتديًا ذلك ، فقال للسلطان : وصلت رسالتك سيدي !!!
وعلى الفور أرسل القنصل للحكومة الفرنسية برسالة مفادها ( هذه الدولة مستعدة لدخول الحرب من أجل مسرحية ، أوقفوها فورًا ..! ) وبالفعل تم إيقافها ، وفشل بونييه في عرضها حتى في بريطانيا وألمانيا ! .
يا الله إنها العزة التى لخصها أمير المؤمنين عمر بن الخطاب " رضي الله عنه " حين قال : [ نحن قومٌ أعزنا الله بالإسلام ، فإن ابتغينا العزة بغيره أذلنا الله ] ا.هـ
وصدق الشاعر حين قال :
نحن بالإسلامِ صِرنا خيرَ مَعْشَرْ ... وحَكَمْنا باسمِهِ كِسرَى وقَيْصَرْ
وَزَرَعْنَا العَدْلَ في الدنيا فَأَثْمَرْ ... ونشَرْنَا في الوَرى "اللهُ أكبرْ"
نحن بالإيمان أحْيَيْنَا القُلوبْ ... نحن بالإسلام حرّرنا الشُّعوبْ
يوم أن كُنَّا أعزة بديننا كانت العرب والعجم ترهبنا وتحسب لنا ألف حساب ... فهل يا تُرى تعود تلك العزة لمرابعنا مرةً أُخرى ؟! .
كتبه : أبو الليث الصنهاجي ...
10 رجب 1436 هـ
30 إبريل 2015 م