هل الاشتراك في الأسماء والصفات يستلزم تماثل المُسمّيات أم لا؟!
الحمد لله رب العالمين، والصلاةُ والسلام على المبعوث رحمةً العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريكَ له، وأشهدُ أنَّ محمدًا عبد الله ورسوله؛ أما بعدُ:
فكنتُ قد وعدت حضراتكم بالحديث عن موضوع: هل الاشتراك في الأسماء والصِّفات يستلزم تماثل المسميات أم لا؟ وذلك في حلقة مُستقِلَّة كما وعدتُ، وها أنا - بحمد الله وفضله - أفِي بوعدي، ولا أدعي أني قد أتيت بشيء جديد على غير العادة ولكن هي أصول أسير عليها كما وضع الشيخ/ علي بن عبد الباقي أصله الأَوَّل في الأسماءِ والصِّفات، فأرجُو الله تعالى أن يُتِمَّهُ على الوَجْه الحسن، الذي يرضيه عنَّا، وأن يجعله خالصًا لوجه، فهو وَلِيُّ ذلك والقادِرُ عليه.
هل الاشتراك في الأسماء والصفات يستلزم تماثل المُسمّيات أم لا؟!
اعلم – أيُّها الأخ الكريم - أنَّ الاشتراك في الأسماء والصِّفات لا يستلزم تماثل المُسميات والمَوْصُوفَات؛ وذلك لقوله تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى: 11]، فالله - عز وجل - قد نَفَى عن نفسِه الشَّبيه والمثيل، فقال: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ}، وأثْبَتَ لنفسه الاسْمَ والصِّفة، أمَّا بالنسبة للصفة: فإن الله - عز وجل - قد وصف نفسه بأوصافٍ، ومثال ذلك: السمع، والبصر، والعلم، والقوة... وغير ها من الصفات الكثيرة.
وكذلك وصف اللهُ تعالى الإنسانَ - بنفسه - بصفاتٍ هي مشابهة لفظًا - وأقول لفظًا - لصفاته تعالى ومنها: السمع، والبصر، والعلم، والقوة... وغيرها.
فهل معنى ذلك أنَّ الصفات التي وصف اللهُ تعالى بها نفسه هي هيَ الصِّفات التي وصف اللهُ تعالى بها الإنسانَ؟ بالطبع لا، فالصفات مُتَغيرة بتغير المَوْصُوف.
والدليل على هذا: قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا} [النساء: 58]، {وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا بَصِيرًا} [النساء: 134]، فالله تعالى قد وصف نفسه بالسَّمْع والبصر، ووصف الإنسانَ بالسَّمْع والبصر فقال : {إِنَّا خَلَقْنَا الإنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا} [الإنسان: 2]، ونفى أن يكون السَّميع كالسميع، والبصير كالبصير، فقال: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى: 11].
وأثبت لنفسه - سبحانه وتعالى - علمًا، وللإنسان علمًا، فقال عن نفسه: {عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُ نّ} [البقرة: 235]، وأثبت للإنسان العلم فقال تعالى: {فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنّ َ مُؤْمِنَاتٍ فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنّ} [الممتحنة: 10]، وليس علمُ الإنسانِ كعلمِ اللهِ تعالى، قال الله عن علمه: {وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا} [الأنعام: 80]، {وَسِعَ رَبُّنَا كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا} [الأعراف: 89]، {وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا} [طه: 98]، وقال عن علم الإنسان: {وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلاً} [الإسراء: 85]، هذا من جهة الدليل السمعي.
أما من جهة الدَّليل العقلي: فإن المعاني والأوصاف تتقيَّد وتتميَّز بحسب ما تُضاف إليه، فكما أن الأشياء مختلفة في ذواتها، فإنها كذلك مختلفة في صفاتها، وفي المعاني المضافة إليها، فإن صفة كل موصوف تناسبه لا يفهم منها ما يقصر عن موصوفها أو يتجاوزه، ولهذا نصف الإنسان باللين، والحديد المنصهر باللين، ونعلم أن اللين متفاوت المعنى بحسب ما أضيف إليه.
وأما الدليل الحسي: فإننا نشاهد للفيل جسمًا وقدمًا وقوة، وللبعوضة جسمًا وقدمًا وقوة، ونعلم الفرق بين جسميهما، وقدميهما، وقوتيهما.
ومن هنا نقول: إن الأصل في هذا الباب هو إثبات صفات الله بلا تمثيل، ولا تعطيل، ولا تكييف.
أما الزَّائغين عن سبيل الرسل وأتباعهم في أسماء الله وصفاته فإنهم ممثلة، ومعطلة:
فمثلوا صفات الله بصفات الإنسان، وأثبتوا لله الصفات على وجه يماثل صفات المخلوقين، فقالوا: لله وجه، ويدان، وعينان، كوجوهنا، وأيدينا، وأعيننا، ونحو ذلك.
والمعطلة: وهم الذين أنكروا ما سمى الله تعالى، ووصف به نفسه إنكاراً كليًّا أو جزئيًّا، وحرفوا من أجل ذلك نصوص الكتاب والسنة، فهم محرفون للنصوص، معطلون للصفات.
أكتفي هنا بهذا الأصل مع وعد الإكمال إن قدر الله لنا الحياة، نسأل الله - عز وجل - أن يوفِّقنا لما فيه الخير، وجزاكُمُ الله خيرًا.