تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 2 من 2

الموضوع: أخذ المال على تأويل الرؤى/د. الشيخ احمد ناصر سعيد الغامدي

  1. #1

    افتراضي أخذ المال على تأويل الرؤى/د. الشيخ احمد ناصر سعيد الغامدي

    أخذ المال على تأويل الرؤى
    التمهيد

    الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله ،
    وبعد : إن تأويل الرؤى مما كان قبل الإسلام ، وأشهر من عرف بذلك يوسف وأبوه يعقوب
    (عليهما السلام) ، ولما جاء الإسلام كان الرسول –صلى الله عليه وسلم- يعبر بعض
    الرؤى ، وكان مما يكثر أن يقول لأصحابه إذا صلى الصبح : هل رأى أحد منكم من رؤيا [1]، وممن اشتهر من هذه الأمة
    بتعبير الرؤى أبو بكر (رضي الله عنه) وقد كان يعبر بحضرة النبي –صلى الله عليه
    وسلم- [2]، وأشهر من عرف بذلك من
    التابعين محمد بن سيرين –رحمه الله- [3]، ولكنهم لم يكونوا يأخذوا
    مالا مقابل تعبيرهم ، ثم ظهر في هذه الأزمنة المتأخرة من يؤول ويأخذ مالا ، إما من
    أصحاب القناة التي يظهر عبرها ، أو عن طريق المتصل عبر ما يسمى بخدمة الـ (700)
    حيث ترفع تكلفة المكالمة ، ويكون لذلك الشخص المتَّصَل عليه نسبة من تلك الزيادة ،
    وهذه المسألة لم أجد من بحثها ، وسأذكر الأدلة التي يمكن الاستدلال بها للقول
    بالجواز أو التحريم :


    أدلة القول بالتحريم :

    1- أنه لم يؤثر عن أحد من السلف أخذ الأجرة على
    التعبير للرؤى .

    ويمكن النقاش بأن عدم النقل ليس
    نقلا للعدم ، ولا يستدل به على التحريم في غير العبادات .

    2- قياسا على تحريم أخذ الأجرة على القربات فإن
    الرؤيا (الصادقة) جزء من النبوة وأصولها وتعبيرها مستمد من الكتاب والسنة ، وربما
    قسناها على الفتوى خاصة ، لا سيما وأن تعبير الرؤيا قد سمي فتيا كما في قوله تعالى
    (يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ أَفْتِنَا فِي سَبْعِ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ
    يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ ) [4] الآية ، وفي قوله (يَا
    أَيُّهَا الْمَلأُ أَفْتُونِي فِي رُؤْيَايَ إِن كُنتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ)
    [5]، مع أن كلا من المفتي
    والمعبر إذا كان أهلا يقول بحسب اجتهاده ، وقد لا يصيب الحق في نفس الأمر ، وإليك
    بعض أقوال العلماء في أخذ الأجرة على الفتوى :


    جاء في المبسوط [6] بعد أن ذكر أنه يكره للإمام
    والمؤذن طلب الأجر على ذلك من القوم [7]، ثم قال : وعلى هذا قالوا :
    الفقيه الذي يفتي في بلدة أو قرية لا يحل له أن يأخذ على الفتيا شيئا عن شرط .

    وقال ابن القيم [8] : فأما أخذه الأجرة فلا
    يجوز له ، لأن الفتيا منصب تبليغ عن الله ورسوله فلا تجوز المعاوضة عليه ، كما لو
    قال له : لا أعلمك الإسلام أو الوضوء أو الصلاة إلا بأجرة فهذا حرام قطعا ، ويلزمه
    رد العوض ولا يملكه . ثم ذكر ابن القيم ما لو تكلف المفتي مالا أو بذل جهدا كما لو
    نسخ الفتوى ، فقال : وقال بعض المتأخرين : إن أجاب بالخط فله أن يقول للسائل : لا
    يلزمني أن اكتب لك خطي إلا بأجرة ، وله أخذ الأجرة ، وجعله بمنزلة أجرة الناسخ ،
    فإنه يأخذ الأجرة على خطه لا على جوابه ، وخطه قدر زائد على جوابه . والصحيح خلاف
    ذلك وأنه يلزمه الجواب مجانا لله بلفظه وخطه ، ولكن لا يلزمه الورق ولا الحبر ،
    انتهى . وإذا كان هذا في الفتوى مع أن المستفتي يستفيد فإنه يعمل بالفتوى فتبرأ
    ذمته بذلك ، وأما الرؤيا فمن رآها إنما يريد من تعبيرها البشارة أو الحذر ، فأخذ
    مال على تعبيرها أولى بالتحريم .

    ويمكن النقاش بالفرق بين التعبير والفتوى
    ، فالفتوى الحاجة لها ماسة ، وهي تبليغ عن الله وأمر واجب ، وليس كذلك التأويل
    للرؤيا فإنه لا يجب ، وبأن أخذ الأجرة على القربات مختلف فيه فقد أجازه بعضهم
    مطلقا وأجازه بعضهم للمحتاج ، مع أن التأويل ليس من القربات لأن تعبير الرؤى موهبة
    وقد يفسرها الأمي والكافر ، والذي طلب الفتيا كافر والمراد بها السؤال وتطلق على
    السؤال عن غير العلوم الشرعية كما دلت على ذلك معاجم اللغة العربية ، قال العلامة
    السيوطي –رحمه الله- في الحاوي في الفتاوي (1/379) : وفي جواز أخذ الجعالة على
    تأويل الرؤيا وقفة ويقرب الجواز لأنه ليس من الفروض والعبادات التي يمتنع أخذ
    الأجرة عليها و وجه التوقف كونه كلاما يقال فيشبه الاستئجار على كلمة لا تتعب ولكن
    الفرق أوضح وفي الثواب عليه إذا لم يأخذ أجرة وقفة أيضا والأقرب أنه لا ثواب لأنه
    ليس من العلوم المفروضة ولا المندوب بل من المباحات والله علم

    3- أن ما عبرت به غير متحقق الوقوع فقد يحدث
    وقد لا يحدث ، فتدخل في الغرر المنهي عنه ، وفي أكل المال بالباطل . ويمكن النقاش
    بأن المعقود عليه هو التعبير بحسب اجتهاده وهذا قد حدث ، وأما وقوع التعبير فلا
    يدخل في العقد .

    4- أن تعبير الرؤى يجب بذله مجانا لأنه لا يكلف
    مالا أو جهدا كبيرين ، فهو مثل إعارة الماعون الذي يجب بذله مجانا ، وعسْب الفحل [9] الذي نهى عن بيعه الرسول –صلى الله عليه وسلم- [10]. وقد ذهب الأكثرون إلى
    تحريمه [11]. وفى الصحيحين عن النبي –صلى
    الله عليه وسلم- أنه قال : من حق الإبل إعارة دلوها وإضراب فحلها [12] ، وقال في الخيل (ولم ينس
    حق الله في رقابها ، ولا ظهورها) [13] ، ومثل السماح للجار بغرز
    خشبته في جداره [14] ، وإجراء الماء في أرض غيره
    ، من غير ضرر بصاحب الأرض [15].

    قال ابن تيمية (رحمه الله) : والمنافع التي يجب
    بذلها نوعان : منها ما هو حق المال كما ذكره في الخيل والإبل ، وعارية الحلي ،
    ومنها ما يجب لحاجة الناس . وأيضا : فان بذل منافع البدن يجب عند الحاجة ، كما يجب
    تعليم العلم وإفتاء الناس ، وأداء الشهادة ، والحكم بينهم والأمر بالمعروف والنهى
    عن المنكر ، والجهاد وغير ذلك من منافع الأبدان ، فلا يمنع وجوب بذل منافع الأموال
    للمحتاج ، وقد قال تعالى (ولا يأب الشهداء إذا ما دعوا) وقال (ولا يأب كاتب أن
    يكتب كما علمه الله) [16] . وللفقهاء في أخذ الجعل
    على الشهادة أربعة أقوال ، انتهى [17].

    ويمكن النقاش بأن المقيس عليه إنما يجب
    بذله لأنه يسير ، وللحاجة إليه ، وليس الأمر هنا كذلك ، فليست الحاجة ماسة للتعبير
    ، فلو أن مسلما رأى رؤيا سيئة فليتعوذ بالله من شرها ومن شر الشيطان ، وليتفل عن
    يساره ثلاثا ، ولا يحدث بها أحداً ولا تضره بإذن الله كما ورد في الحديث [18].

    أدلة القول بالجواز :
    1- أن الأصل في المعاملات والعقود الإباحة حتى
    يرد دليل على التحريم ، ولما لم يرد فتبقى على أصل الإباحة .

    2- القياس على الرقية على جُعل ، وقد نقيد
    فنقول : بشرط الشفاء ، فكذلك فيما لو قال المعبر : إن وقعت فلي كذا .

    والجواب أنه قياس مع الفارق ، لأن
    القرآن شفاء ، والنص ورد بجواز أخذ المال في الرقية ولم يرد في التأويل .

    الترجيح
    والراجح هو الجواز لعدم وجود دليل
    على التحريم سالم من الاعتراض ، ولعموم حديث (المسلمون على شروطهم) [19] ولأن المعبر ربما حبس نفسه
    من أجلهم ومع ذلك فهو ربما يأخذ المال من غير من عبر له ، وإن كان الأولى بذل ذلك
    مجانا ، لأنه يسير ، ولم يعهد عند السلف أخذ مال عليه ، وهو شبيه بالقربات ، والله
    أعلم .

    إذا أعطي المعبر مالا بدون شرط :
    حتى لو قلنا بتحريم أخذ المعبر مالا مقابل
    تعبيره فإن أعطي إكراما فلا بأس ويجوز قبول كرامته ، كما في عسْب الفحل الذي نهى
    عن بيعه الرسول –صلى الله عليه وسلم- كما سبق . ومع ذلك فلو أعطي إكراما دون شرط
    فيجوز له أخذه ، ففي حديث أنس أن رجلا من كلاب سأل النبي –صلى الله عليه وسلم- عن
    عسب الفحل ؟ فنهاه ، فقال : يا رسول الله إنا نطرق الفحل فنكرم ، فرخص له في
    الكرامة [20]. ولأنه فعل معروفا فجازت
    مجازاته عليه [21].

    وفي قبول الهدية على الفتوى قال في المبسوط [22] : فإن عرفوا حاجته فأهدوا
    إليه فهو حسن ، لأنه محسن إليهم في تفريغ نفسه عن الكسب وحراسة أمر دينهم ، فينبغي
    أن يقابلوا إحسانه بالإحسان إليه . وقال ابن القيم [23] : وأما الهدية ففيها تفصيل
    فإن كانت بغير سبب الفتوى كمن عادته يهاديه أو من لا يعرف أنه مفت فلا بأس بقبولها
    والأولى أن يكافيء عليها ، وإن كانت بسبب الفتوى فإن كانت سببا إلى أن يفتيه بما
    لا يفتي به غيره ممن لا يهدي له لم يجز له قبول هديته ، وإن كان لا فرق بينه وبين
    غيره عنده في الفتيا بل يفتيه بما يفتي به الناس كره له قبول الهدية ، لأنها تشبه
    المعاوضة على الإفتاء .

    وفي كشاف القناع [24] : وإن جعل له أي : للمفتي
    أهل بلد رزقا ويتفرغ لهم جاز له أخذه ، والأرزاق معروف غير لازم لجهة معينة ، قال
    القرافي [25]: ولا يورث بخلاف الأجرة قال
    : وباب الأرزاق أدخل في باب الإحسان وأبعد عن باب المعاوضة وباب الإجارة أبعد عن
    باب المسامحة وأدخل في باب المكاسبة ، وله أي المفتي قبول هدية ، والمراد لا
    ليفتيه بما يريده مما لا يفتي به غيره أي غير المهدي ، وإلا أي : وإن أخذها ليفتيه
    بما يريده مما لا يفتي به غيره حرمت عليه .

    وإذا كان كذلك فيجوز للمعبر أخذ المال بلا شرط
    ، حتى لو قلنا بتحريمه على سبيل المعاوضة .

    إذا قلنا بتحريم الأخذ فهل يحرم الإعطاء ؟
    لا يحرم على المعطي أن يدفع مالاً حتى ولو قلنا
    أنه لا يجوز ذلك للآخذ ، قياسا على كسب الحجام وشراء المصحف ، فيجوز الدفع ، وإن
    كان يكره الأخذ في حق الحجام [26]، وبائع المصحف [27]، وكذلك الحال في عسْب الفحل
    ، فلا يجوز الأخذ عن شرط ، ويجوز الإعطاء . فيقاس على ذلك دفع المال للمعبر .


    والله تعالى أعلم ، وصلى الله على نبينا محمد ،
    وعلى آله وصحبه وسلم .


    حسابي على تويتر https://twitter.com/mourad_22_

  2. #2

    افتراضي

    وهذه فهارس المقال لم اضعها معه لكون المقال اطول مما قرر فقد جاوز العدد المحدود
    -------------------------------------
    [1]
    - رواه البخاري (7047)
    ومسلم (2275)


    [2] - كما في صحيح البخاري
    (7046) وانظر أيضا : الصحيحة (3/15)


    [3] - انظر : تاريخ الإسلام
    للذهبي ص239 .


    [4] - سورة يوسف (46)

    [5] - سورة يوسف (43)

    [6] - المبسوط (1/140)

    [7] - وأما الأخذ من بيت المال
    فقال ابن القيم : وأما أخذ الرزق من بيت المال فإن كان محتاجا إليه جاز له ذلك ،
    وإن كان غنيا عنه ففيه وجهان ، وهذا فرع متردد بين عامل الزكاة وعامل اليتيم ، فمن
    ألحقه بعامل الزكاة قال : النفع فيه عام فله الأخذ ، ومن ألحقه بعامل اليتيم منعه
    من الأخذ ، وحكم القاضي في ذلك حكم المفتي ، بل القاضي أولى بالمنع ، والله اعلم .


    [8] - أعلام الموقعين (4/231)

    [9] - عسْب الفحل : ماؤه ،
    وعسبه أيضا : ضِرابه ، ولم ينه عن واحد منهما وإنما أراد النهي عن الكراء الذي
    يوخذ عليه فإن إعارة الفحل مندوب إليها . وقد جاء في الحديث (ومن حقها إطراق
    فحلها) ، ووجه الحديث أنه نهى عن كراء عسب الفحل ، فحذف المضاف وهو كثير في الكلام
    ، وقيل يقال لكراء الفحل : عسب ، فلا يحتاج إلى حذف مضاف . النهاية في غريب الأثر
    (3/234)


    [10] - رواه من حديث ابن عمر :
    البخاري في باب (عسب الفحل) (2164)


    [11] - وإنما حرم للغرر لأن
    الفحل قد يضرب وقد لا يضرب ، وقد لا يلقح الأنثى ، ولأن المقصود هو الماء ، وهو
    مما لا يجوز إفراده بالعقد ، ولأنه غير متقوم ، ولا معلوم ولا بد في الإجارة من
    تعيين العمل ومعرفة مقداره ، ولأنه غير مقدور على تسليمه . المغني (6/303) ، ونيل
    الأوطار (6/33 ، 242) . ولأنه مما يجب بذله مجانا . الفتاوى (28/98 ، 99)


    [12] - رواه مسلم في باب (إثم
    مانع الزكاة) (988)


    [13] - رواه البخاري في باب شر
    الناس والدواب (2242) وانظر شرح الحديث في فتح الباري (6/64 ، 65)


    [14] - رواه مسلم من حديث أبي
    هريرة في باب غرز الخشبة في جدار الجار (1609)


    [15] - كما حكم بذلك عمر (رضي
    الله عنه) للضحاك بن خليفة في أرض محمد بن مسلمة رواه مالك في الموطأ (1431) ،
    والبيهقي (6/157) ، وقال : هذا مرسل ، وانظر : الفتاوى (28/98 ، 99)


    [16] - البقرة (282)

    [17] - انظر في بذل المنافع مما
    يحتاج إليه قواعد ابن رجب (2/388) تحقيق مشهور حسن


    [18] - رواه البخاري في باب
    الرؤيا من الله (6584) ، ومسلم في كتاب الرؤيا (2261)


    [19] - رواه من حديث أبي هريرة
    أبو داود (3594) ، ومن حديث عمرو بن عوف المزني الترمذي (1352)


    [20] - أخرجه النسائي في باب بيع
    ضراب الجمل (4672) ، والترمذي في باب (ما جاء في كراهية عسب الفحل) (1274) وقال في
    الدراية (2/188) : رجاله ثقات .


    [21] - شرح منتهى الإرادات
    (2/250)


    [22] - المبسوط (1/140)

    [23] - أعلام الموقعين (4/232)

    [24] - كشاف القناع (6/301)

    [25] - الفروق للقرافي (3/3)
    الفرق الخامس عشر والمائة بين قاعدة الأرزاق ، وبين قاعدة الإجارات .


    [26] - انظر : المغني (8/118)

    [27] - انظر : المغني (6/367)

    وهذا رابط المقال
    https://uqu.edu.sa/page/ar/93223796
    حسابي على تويتر https://twitter.com/mourad_22_

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •