قد صارت عادة الكتاب في زماننا , بل صار شائعاً على ألسنة الناس , تسمية اللباس الشرعي ((حجاب)) وإطلاق لفظ ((محجَّبة)) على المرأة الملتزمة بهذا اللباس. وعندما يتحدث أحدهم عن الحجاب , ما الذي يقصده بهذه الكلمة؟ فالبعض يقصد بها الطرحة التي تغطي الشعر , والبعض يقصد عباءة الرأس , والبعض يقصد بها النقاب أو غطاء الوجه.أصبحنا نسمي الأشياء بغير إسمها , مما سبب لهذا الخطأ الشائع لكلمة حجاب. الكلمة الصحيحة لزي المرأة المسلمة هي الجلباب والخمار ، وليس الحجاب.حقا إنه لا مشاحة في الاصطلاح كما يقولون , ولكن يجب اجتناب استعمال المصطلح المحدث أي ((الحجاب)) لعدة أمور:
1. مخالفة المصطلح المحدث لمعنى الحجاب الوارد في القرآن الكريم:
قال تعالى:
• {وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِن وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ ۚ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ }الشورى 51
• {فَقَالَ إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَن ذِكْرِ رَبِّي حَتَّىٰ تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ } ص 32
• {وَبَيْنَهُمَا حِجَابٌ وَعَلَى الأَعْرَافِ رِجَالٌ يَعْرِفُونَ كُلاًّ بِسِيمَاهُمْ وَنَادَوْاْ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَن سَلاَمٌ عَلَيْكُمْ لَمْ يَدْخُلُوهَا وَهُمْ يَطْمَعُونَ} الأعراف 46
• { وَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ حِجَابًا مَسْتُورًا }الاسراء 45
• { فَاتَّخَذَتْ مِن دُونِهِمْ حِجَابًا فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا } مريم 17
• { وَقَالُوا قُلُوبُنَا فِي أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ وَفِي آذَانِنَا وَقْرٌ وَمِنْ بَيْنِنَا وَبَيْنِكَ حِجَابٌ فَاعْمَلْ إِنَّنَا عَامِلُونَ } فصلت 5
• { وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنّ َ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاءِ حِجَابٍ ۚ ذَٰلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ ۚ وَمَا كَانَ لَكُمْ أَن تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلَا أَن تَنكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِن بَعْدِهِ أَبَدًا ۚ إِنَّ ذَٰلِكُمْ كَانَ عِندَ اللَّهِ عَظِيمًا } الأحزاب 53
الحجاب يعني شيئاً يحجز بين طرفين , فلا يرى أحدهما الآخر , ولا يمكن أن يعني لباساً يلبسه إنسان , لأن اللباس أيا كان قدره ونوعه ولو ستر جميع بدن المرأة حتى وجهها فلن يمنع المرأة أن ترى الناس من حولها , ولن يمنع الناس أن يروا شخص المرأة. والحجاب الوارد في قوله تعالي: {فاسألوهن من وراء حجاب} هو الستر الذي يكون في البيت ويرخي ليفصل بين مجلس الرجال ومجلس النساء.
2. مخالفة المصطلح المحدث لمعنى الحجاب الوارد في السنة:
• عن عائشة قالت : جاء عمي من الرضاعة فاستأذن علي فأبيت أن آذن له حتى أسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم ... وذلك بعد أن ضُرب علينا الحجاب , وفي رواية مسلم : استأذن عليها فحجبته فأخبرت رسول الله فقال لها : لاتحتجبي منه.
• عن أنس قال : لما تزوج رسول الله زينب بنت جحش دعا القوم فطعموا ثم جلسوا يتحدثون... فانطلقت فجئت فأخبرت النبي صلى الله عليه وسلم أنهم قد انطلقوا فجاء حتي دخل فذهبت أدخل فألقي الحجاب بيني وبينه فأنزل الله : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ... }, وزاد مسلم في روايته : وحُجبن نساء النبي صلى الله عليه وسلم.
• عن أنس بن مالك رضي الله عنه, قال:لم يخرج إلينا رسول الله ثلاثا فأقيمت الصلاة فذهب أبو بكر فصلى بالناس , فرفع النبي صلى الله عليه وسلم الحجاب , فما رأينا منظرا أعجب إلينا منه حيث وضح لنا وجه رسول الله , فأومأ رسول الله إلى أبي بكر أن تقدم ، وأرخى نبي الله الحجاب فلم يوصل إليه حتى مات.(رواه البخاري )
• عن بن مسعود يقول : قال لي رسول الله : اذنك علي أن يرفع الحجاب.( رواه مسلم )
3. اختلاف النتائج المترتبة على كل من ((الحجاب)) و ((اللباس)):
إن الحجاب يمنع رؤية الرجال النساء وفي الوقت نفسه يمنع رؤية النساء الرجال. ولذلك قال تعالي :{ذلكم أطهر لقلوبكم وقلوبهن} فطهارة القلوب بالنسبة للرجال بسبب أنهم لايرون أمهات المؤمنين , وبالنسبة لأمهات المؤمنين بسبب أنهن لا يرين الرجال , فيصبحْن غير مُتصورات إلا بعنوان الأمومة بعد حظر زواجهن من بعده صل الله عليه وسلم. أما اللباس الذي تلبسه النساء حتى مع تغطية الوجه فيسمح لهن برؤية الرجال.
يقول الألباني: "وقد بدا لي وأنا بصدد تحضير مادة "الرد المفحم" أن أستبدل اسم الكتاب "حجاب المرأة المسلمة...." بـ "جلباب المرأة المسلمة...." لما بينهما من الفرق في الدلالة والمعنى".
4. اختصاص نساء النبي صلى الله عليه وسلم ((بالحجاب)) دون عامة نساء المؤمنين:
مما سبق الاحتجاب هو منع نساء النبي صلى الله عليه وسلم من لقاء الرجال الأجانب دون حجاب , أى ساتر , والابتعاد بشخوصهن تماماً عن أبصار الرجال.وهكذا فالحجاب أدب خاص بنساء النبي صلى الله عليه وسلم في تعاملهن مع الرجال داخل البيوت.أما الستر الكامل للبدن مع الوجه عند الخروج للحاجة فإنه بديل مؤقّت عن الاحتجاب. وفي هذه الحالة نساء النبي صلى الله عليه وسلم يلبسن (اللباس الشرعي) ولا يسمي (حجابا).
• قال بن قتيبة: ونحن نقول أن الله عز وجل أمر أزواج النبي صلى الله عليه وسلم بالاحتجاب اذ أمرنا أن لا نكلمهن إلا من وراء حجاب فقال : {وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَ ّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ}... وهذه خاصة لأزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم كما خصصن بتحريم النكاح على جميع المسلمين.
• قال القاضي عياض : فرض الحجاب مما اختص به أزواج النبي صلي الله عليه وسلم.
• قال ابن بطال : ... إن نساء المؤمنين ليس عليهن من الحجاب ما يلزم أزواج النبي صلي الله عليه وسلم.