ولعل هذا هو ما حصل مع الكاتب سامح عسكر الذي كتب مقالا على موقع "الحوار المتمدن" العلماني بعنوان "البخاري عدو للنبي"، حيث حاول في مقاله الطعن بهذا السفر الذي يعتبره العلماء أصح كتاب بعد القرآن الكريم، من خلال الطعن بحديث صحيح ورد فيه. 
لعل من أبرز سمات العلمانية في بناء موقفها من الإسلام هو عدم وجود منهج أو ضوابط موضوعية في هجومها العنيف على هذا الدين، فتجد أحدهم يعلن أنه لا يعترف إلا بالقرآن الكريم، ليجد لنفسه مبررا لنسف كثير من الأحاديث الصحيحة التي لا أصل لها من القرآن حسب زعمه، أو لشبهة معارضتها لبعض الآيات، لنراه في موقف آخر يطعن بالقرآن الكريم الذي آمن بكل ما فيه بالأمس.
إن من أسوأ أساليب العلمانيين التي تخالف البحث العلمي الموضوعي الرصين، هو إخراج بعض الأحاديث الصحيحة من سياقها، وعدم ذكر أسباب وروده والملابسات التي أحاطت به، والتي تجيب عن جميع الشبهات التي قد تدور حول الحديث، ليصار بعد ذلك إلى الطعن به على أساس أنه يخالف مبادئ الإسلام وأخلاق الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم.
ولعل هذا هو ما حصل مع الكاتب سامح عسكر الذي كتب مقالا على موقع "الحوار المتمدن" العلماني بعنوان "البخاري عدو للنبي"، حيث حاول في مقاله الطعن بهذا السفر الذي يعتبره العلماء أصح كتاب بعد القرآن الكريم، من خلال الطعن بحديث صحيح ورد فيه.
والحديث الذي أراد الكاتب أن يطعن فيه هو حديث قتل كعب بن الأشرف اليهودي، الذي ورد في صحيح البخاري بأكثر من رواية، وكتمهيد للطعن بالحديث حاول الكاتب أولا أن يظهر أن هناك تعارضا بين صفات النبي صلى الله عليه وسلم المذكورة في القرآن "الرحيم السمح الخلوق"، وبين صفاته المستخلصة من الحديث حسب هوى الكاتب، فقال : "فالصورة القرآنية تُظهر النبي شخصاً رحيماً سمحاً وخلوقا...الخ"
وبعد أن عرض الكاتب نص الحديث كما ورد في صحيح البخاري، حاول إيهام القارئ بأن جريمة ابن الأشرف لم تكن معلومة، زاعما أن الصورة التي خلقها البخاري من رواية الحديث تعني أن الحادثة تشبه – والعياذ بالله - "زعيم عصابة"..يأمر عناصره باغتيال الخصوم غدرا.
والحقيقة أن كلام الكاتب خال عن المصداقية، وبعيدا عن الحقيقة كل البعد، فجريمة كعب بن الأشرف ليست واحدة بل عدة جرائم كبرى متداخلة، فقد نقض هذا اليهودي العهد بينه وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن لا يعين أحدا على حرب المسلمين، حيث ذهب إلى مكة بعد غزوة بدر، وشجع مشركي قريش على حرب المسلمين، بل وأنشد الأشعار في رثاء موتى بدر من الكفار، ولم يكتف بذلك بل سب النبي صلى الله عليه وسلم، وأتى بما يعتبر نقيصة لا يجرؤ عليها أحد من العرب أو غيرهم في ذلك الوقت، فأنشد الأشعار في التشبب بنساء المسلمين. فكيف يزعم الكاتب بعد كل هذه الجرائم "أن جريمة ابن الأشرف لم تكن معلومة" ؟!
لقد أراد الكاتب الطعن بالحديث من خلال تصوير الحادثة على أنها اغتيال سياسي، ثم طعن بالإسلام بعد ذلك من خلال تشبيه ما تقوم به الجماعات الإرهابية في هذه الأيام بحادثة الحديث، حيث قال : "القصة تدل على مشروعية ." الاغتيال السياسي"..في الإسلام، لأن قتل كعب بن الأشرف هو اغتيال سياسي وفعل الصحابة له وموافقة الرسول تعني أن الاغتيال السياسي بالحيل مشروع، وهذا ما طبقته الجماعات الإرهابية حين يغتالون الخصوم سواء من رؤساء أو مفكرين"
والحقيقة أن الحديث لا يشير من قريب أو بعيد إلى الاغتيال أو ما يسمى اليوم "الاغتيال السياسي"، كما أنه لا وجه للشبه بين هذا الحديث وما تقوم به بعض الجماعات التي تنسب نفسها للإسلام من اغتيالات أو تفجيرات باسم الإسلام.
وقد رد الشيخ صالح بن فوزان الفوزان على هذه الشبهة بقوله : "ليس في قصة قتل كعب دليل على جواز الاغتيالات ؛ فإن قتل كعب بن الأشرف كان بأمر الرسول -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- وهو ولي الأمر، وكَعْبٌ مِنْ رعيته بموجب العهد، وقد حصلت منه خيانة للعهد، اقتضت جواز قتله ؛ كَفًّا لشره عن المسلمين، ولم يكن قتله بتصرف من آحاد الناس، أو بتصرف جماعة منهم من دون ولي الأمر، كما هو حال الاغتيالات المعروفة اليوم في الساحة، فإن هذه فوضى لا يقرها الإسلام ؛ لما يترتب عليها من المضار العظيمة في حق الإسلام والمسلمين"
ومما يؤكد عدم وجود أي وجه لما يسمى الغدر في حادثة قتل كعب، قول الإمام النووي: "قال: إنما يكون الغدر بعد أمان موجود وكان كعب قد نقض عهد النبي صلى الله عليه و سلم ولم يؤمنه محمد بن مسلمة ورفقته ولكنه استأنس بهم فتمكنوا منه من غير عهد ولا أمان" شرح صحيح مسلم 12/161
لا تكمن مشكلة العلمانيين العرب وغيرهم مع الإسلام والمسلمين عند حد التطاول على هذا الدين، أو استمرار الطعن بالقرآن الكريم و السنة النبوية، وإنما تكمن في غياب الموضوعية في كتاباتهم، وانعدام المنهجية في حربهم على الإسلام.
ولولا الشبهات التي من خلالها يحاول العلمانيون التسلل إلى عقول بعض المسلمين، لما كان للرد على طعونهم أي داع أو سبب.
|