بعض البشائر بنبوة محمد بن عبد الله عليه الصلاة والسلام:
لقد دعا سيدنا إبراهيم وابنه إسماعيل عليهما الصلاة والسلام: الله وهما بمكة أن يجعل من ذريتهما أمة مسلمة له، وأن يبعث فيهم رسولا منهم، وقد ذكر الله سبحانه وتعالى دعاءهما في قوله تعالى:{ رَبَّنا وَاجْعَلْنا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنا مَناسِكَنا وَتُبْ عَلَيْنا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ * رَبَّنا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ *} سورة البقرة
بشارت موسى عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام:
قال تعالى:{وَاخْتَار َ مُوسَى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلًا لِمِيقَاتِنَا فَلَمَّا أَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ قَالَ رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِيَّايَ أَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاءُ مِنَّا إِنْ هِيَ إِلَّا فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِهَا مَنْ تَشَاءُ وَتَهْدِي مَنْ تَشَاءُ أَنْتَ وَلِيُّنَا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الْغَافِرِينَ * وَاكْتُبْ لَنَا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ إِنَّا هُدْنَا إِلَيْكَ قَالَ عَذَابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشَاءُ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ }سورة الأعراف
وفي هاتين الآيتين يقول ابن كثير أيضا: "وهذه صفة محمد (صلى الله عليه وسلم) في كتب الأنبياء بشروا أممهم ببعثته وأمروهم بمتابعته ولم تزل صفاته موجودة في كتبهم يعرفها علماؤهم وأحبارهم".
بشارت عيسى بمحمد صلى الله عليه وسلم:
قال الله تعالى:{وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرائيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ} سورة الصف
لم تزل الأنبياء تبشر برسول الله صلى الله عليه وسلم وتصفه لأممها في الكتب، وتأمرهم باتباعه ونصره ومؤازرته إذا بُعث.
قال ابن عباس رضي الله عنهما:ما بعث الله نبيا إلا أخذ عليه العهد, لئن بعث محمد صلى الله عليه وسلم:وهو حي ليتبعنه، وأخذ عليه أن يأخذ على أمته, لئن بعث محمد صلى الله عليه وسلم:وهم أحياء ليتبعنه وينصرنه. وكان أول ما اشتهر الأمر في أهل الأرض على لسان إبراهيم الخليل والد الأنبياء بعده عليهم الصلاة والسلام حين دعا لأهل مكة أن يبعث الله فيهم رسولا منهم، ثم على لسان عيسى ابن مريم عليه الصلاة والسلام.
وقد حفظ الله نبيه عليه الصلاة والسلام من قبل أن يتزوج أبيه عبد الله بأمه أمنة بنت وهب،
إلى أن توفاه الله سبحانه وتعالى.
قيل والله أعلم: أنهُ كان عبد الله وجهه يشع نورا ويضيء ما أن تزوج أمنة ودخل بها إلا ذهب النور الذي في وجهه.
وأكرمه الله سبحانه بكرامات قبل النبوة منها: ولا يسعني أن أذكرها كلها:
قيل:حملت أمنة بنت وهب و لم تجد في حمله وهنا، ولا ألما،
وهتف بها هاتف قائلا: إنك قد حملت بسيد هذه الأمة، فإذا وقع على الأرض فقولي:
«أعيذه بالواحد، من شر كل حاسد، وسميه محمدا» .
وروى ابن سعد:أن أمنة بنت وهب قالت: لما ولدته خرج معه نور أضاءت له قصور الشام،
وقد روي أن إرهاصات بالبعثة وقعت عند الميلاد، فسقطت أربع عشرة شرفة من إيوان كسرى، وخمدت النار التي يعبدها المجوس ولم تخمد منذ ألف عام، وانهدمت الكنائس حول بحيرة ساوة بعد أن غاضت، روى ذلك البيهقي.
وأيضا: ما حصل من البركات على ال حليمة الذين كان مسترضعا فيهم. فقد كانوا قبل حلوله بناديهم مجدبين فلمّا صار بينهم صارت غنيماتهم تؤوب من مرعاها وإن أضراعها لتسيل لبنا ويرحم الله البوصيري حيث يقول في همزيته:
وإذا سخّر الإله أناسا ... لسعيد فإنّهم سعداء
ثمّ أعقب ذلك ما حصل من شق صدره وإخراج حظّ الشيطان منه ، وليس هذا بالعجيب على قدرة الله تعالى،
فمن استبعد ذلك كان قليل النظر. لا يعرف من قوّة الله شيئا،
ومن المكرمات الإلهية تسخير الغمامة له في سفره إلى الشام حتى كانت تظله في اليوم الصائف لا يشترك معه أحد في القافلة، كما روى ذلك ميسرة غلام خديجة الذي كان مشاركا له في سفره وهذا ما حبّبه إلى خديجة حتى خطبته لنفسها، وتيقّنت أن له في المستقبل شأنا.
ولذلك لما جاءته النبوّة كانت أسرع الناس إيمانا به، ولم تنتظر اية أخرى زيادة على ما علمته من مكارم الأخلاق،
وأيضاً: ما كان يسمعه من السلام عليه من الأحجار والأشجار فكان إذا خرج لحاجته أبعد حتى لا يرى ببناء ويفضي إلى الشعاب وبطون الأودية فلا يمرّ بحجر ولا شجر إلا سمع: الصلاة والسلام عليك يا رسول الله ، وكان يلتفت عن يمينه وشماله وخلفه فلا يرى أحدا.
وأيضاً:الروأية الصالحة كان عليه الصلاة والسلام يرى في منامه ويتحقق ما يرى.
بقايا أهل الكتاب ينتظرون النبي عليه الصلاة والسلام:
عن عياض رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله نظر إلى أهل الأرض فمقتهم، عربهم وعجمهم إلا بقايا من أهل الكتاب" , أخرجه مسلم.
وذلك لابتعادهم عن الحق وإمعانهم في الضلال، أما بعض أهل الكتاب فقد كانوا ينتظرون خاتم النبيين. ومنهم:
الراهب بحيرا:
الذي ذكرنا موضوعه أنفا عندما ذهب أبو طالب ومحمد عليه الصلاة والسلام وأشياخ من قريش
فطلب من أبو طالب أن يرجعه الى مكة خوفا عليه من اليهود.
وكذلك: ورقة بن نوفل:
كان امرأً تنصر في الجاهلية، وكان يكتب الكتاب العبراني، فيكتب الإنجيل بالعبرانية
ما شاء الله أن يكتب، وكان شيخًا كبيرًا قد عمي،
فقال له ورقة: هذا الناموس الذي نزل الله على موسى، يا ليتني فيها جَذَعًا ، ليتني أكون حيا إذ يخرجك قومك، فقال: «أَوَمُخْرِجِيّ هم؟» قال: نعم، لم يأت رجل قط بمثل ما جئت به إلا عودي، وإن يدركني يومك أنصرك نصرًا مؤزرًا ،
ومنهم أيضاً: ثعلبة بن هلال:
روي عن ثعلبة بن هلال، وكان من أحبار اليهود، حينما سأله عمر بن الخطاب رضي الله عنه: وقال له: أخبرني بصفات النبي صلى الله عليه وسلم في التوراة.
فقال: إن صفته في توراة بني هارون التي لم تغير ولم تبدل هي: أحمد من ولد إسماعيل بن إبراهيم، وهو آخر الأنبياء. وهو النبي العربي الذي يأتي بدين إبراهيم الحنيف، معه صلاة لو كانت في قوم نوح ما أهلكوا بالطوفان، ولو كانت في عاد ما أهلكوا بالريح، ولو كانت في ثمود ما أهلكوا بالصيحة.
يولد بمكة، وهو أمي لا يكتب ولا يقرأ المكتوب.
وهو الحماد يحمد الله في الشدة والرخاء. صاحبه من الملائكة: جبريل، يلقى من قومه أذًى شديدًا، ثم تكون له الدولة عليهم، فيحصدهم حصيدًا، تكون الواقعات بيثرب منها عليه ومنه عليها، ثم له العاقبة، معه قوم هم أسرع إلى الموت من الماء من رأس الجبل إلى أسفله، صدورهم أناجيلهم، وقربانهم دماؤهم. ليوث النهار، رهبان الليل. وهو يعرب العدو مسيرة شهر، يباشر القتال بنفسه، ثم يخرج ويحكم، لا حرس ولا حجاب، الله يحرسه.
وكذلك لما جاء في قصة أسلام سلمان الفارسي(رضي الله عنه)
لقد أخبر سلمان الفارسي في قصة إسلامه الطويلة أن راهب النصارى في عمورية عندما حضرته الوفاة طلب منه سلمان أن يوصيه، فقال الراهب: أي بني والله ما أعلمه بقي أحد على مثل ما كنا عليه آمرك أن تأتيه، ولكنه قد أظلك زمان نبي يبعث من الحرم، مهاجره بين حرتين إلى أرض سبخة ذات نخل، وإن فيه علامات لا تخفى، بين كتفيه خاتم النبوة، يأكل الهدية ولا يأكل الصدقة فإن استطعت أن تخلص إلى تلك البلاد فافعل فإنه قد أظلك زمانه".
ثم قصَّ سلمان خبر قدومه إلى المدينة واسترقاقه، ولقائه برسول الله حين الهجرة، وإهدائه له طعاماً على أنه صدقة فلم يأكل منه الرسول، ثم إهدائه له طعاماً على أنه هدية وأكل منه، ثم رؤيته خاتم النبوة بين كتفيه، وإسلامه على أثر ذلك.
وكذلك فإن يهود المدينة كانوا يعرفون أن زمان بعثة النبي قد أقترب، وكانوا يزعمون أنه منهم، ويتوعدون به العرب، وقد بيَّن الله تعالى أنهم يعرفونه بصفاته التي ذكرت في كتبهم كما يعرفون أبناءهم، وإنما أنكروا نبوته بعد ظهروه لما تبين لهم أنه من العرب فجحدوا نبوته.
قال تعالى:{وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ} سورة البقرة.
وقد قال رجال من الأنصار: "إن مما دعانا إلى الإسلام مع رحمة الله تعالى وهداه، لما كنا نسمع من رجال يهود، كنا أهل شرك أصحاب أوثان، وكانوا أهل كتاب عندهم علم ليس لنا، وكانت لا تزال بيننا وبينهم شرور، فإذا نلنا منهم بعض ما يكرهون قالوا لنا: إنه تقارب زمان نبي يبعث الآن، نقتلكم معه قتل عاد وإرم"
وقال هرقل ملك الروم عندما استلم رسالة النبي صلى الله عليه وسلم: "وقد كنت أعلم أنه خارج، لم أكن أظن أنه منكم"
________________________
من كتاب(زبدة السيرة النبوية)