فضيلة الشيخ / زيد بن مسفر البحري
تفسير القرآن بالقرآن
المقدمة ........... أما بعد :

مازلنا في مقدمة التفسير و كنا في الدرس السابق تحدثنا عن بعض النبذ التي تسبق تفسير كلام الله عز و جل ، و لو قيل كيف يفسر القرآن الكريم ؟ و هذا مبتغى كل مسلم فضلا عن كل طالب علم ، نقول نقول تفسير كلام الله عز و جل له طرق شتى ،و من أعلى و أفضل الطرق الطريقة الأولى التي لا يُنظر إلى غيرها ، و هي أن ( يُفسر القرآن بالقرآن ) و أن المسلم في ثنايا قراءته للقرآن يجد أن هناك سورا فسرت بسور أخرى، جمُُ غفير من الآيات مُفسرة بكلام الله عز و جل في سور أخرى ،و خذ منها على سبيل المثال لا على سبيل الحصر قوله تعالى [فَتَلَقَّى آَدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ] {البقرة:37} هذه آيات في سورة البقرة ، فما هذه الكلمات التي تلقاها آدم ؟ اقرأ ما جاء في سورة الأعراف [قَالَا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الخَاسِرِينَ] {الأعراف:23} و قول الله عز و جل[وَمَا أَدْرَاكَ مَا الحَاقَّةُ] {الحاقَّة:3} يقول بعض العلماء كما جاء في صحيح البخاري إذا قال الله للنبي صلى الله عليه و سلم (وَمَا أَدْرَاكَ) فأعلم أنه سيدريه ،لكن إذا قال:[وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى] فانه لا يدريه ، فاعلم أنه إذا مرت بك كلمة (و ما أدراك ) فاعلم أن لها تفسيرا بعدها ، أما إذا مرت بك كلمة ( و ما يدريك ) فأعلم أن الله تعالى لا يدريه[وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى] هذا علمه عند الله عز و جل [وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيبًا] {الأحزاب:63} فإن علم الساعة عند الله عز و جل ، قول الله عز و جل ( رب العالمين ) ما تفسير رب العالمين ؟ فالواحد منا يقرأ القرآن الكريم و يختمه و يقرأ من سورة الفاتحة إلى الناس و لكن ما تفسير قوله تعالى ( الحمد لله رب العالمين )؟ قال فرعون لموسى [وَمَا رَبُّ العَالَمِينَ] ؟ ماذا قال له موسى عليه السلام [رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا إن كنتم موقنين] {مريم:65} ، و قوله الله عز و جل [وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ لِيُقْضَى أَجَلٌ مُسَمًّى ثُمَّ إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ ثُمَّ يُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ] {الأنعام:60} الوفاة هنا أي وفاة ؟ هي وفاة النوم ما الذي أدراك ؟ اقرأ ما جاء بعدها (وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُمْ بِالنَّهَارِ ) قوله تعالى : [مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ] {المجادلة:7} ما معنى : و لا أدنى ؟ أي و لا أقل ، و قوله تعالى [أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا] {البقرة:282} ما الضلال الحاصل هنا للمرأة ؟ هو : النسيان ما الذي أدراك ؟ الذي جاء بعدها (فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الأُخْرَى) قول الله عز و جل [وَوَجَدَكَ عَائِلًا] {الضُّحى:8} ما معنى : عائلا ؟ فقيراً ما الذي أدراك ؟ الكلمة التي جاءت بعدها ( فَأَغْنَى ) ، سورة الفلق التي نقرأها كل يوم ما معنى : الفلق ؟ اقرأ قوله تعالى [فَالِقُ الإِصْبَاحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا وَالشَّمْسَ وَالقَمَرَ حُسْبَانًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ العَزِيزِ العَلِيمِ] {الأنعام:96} و هنا جم كثير من الآيات مُفسرة في كتاب الله تعالى ، و لكن تحتاج إلى حضور قلب من الإنسان حينما يقرأ كلام الله تعالى ، فهذه طريقة عظيمة إذا التصقنا بها لتفسير كلام الله عز و جل ، لكن هُجر كلام الله عز و جل،و لذا يقول عثمان بن عفان رضي الله عنه ( لو طهرت قلوبكم ما شبعتم من كلام ربكم ) لماذا الصحابة رضوان الله عليهم كانت قلوبهم مُعلقة بكلام الله عز و جل ؟ لأنهم يعرفون المعنى ، إذا عرفت المعنى زادك إيمانا و تقى ، و ذلك لأن الإيمان يُتعلم ، لذا قال عز و جل [وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الكِتَابُ وَلَا الإِيمَانُ ٍ] {الشُّورى:52} يقول بعض الصحابة رضي الله عنهم ( فتعلمنا القرآن و الإيمان) كيف يُتعلم الإيمان ؟ بالنظر العميق في كلام الله عز و جل ، ولذا في قصة تُذكر أن أحد الأعراب و( الأعراب فيما سبق كانوا على لغة فصحى لم يتأثروا من اللسان العربي الذي شابه ما شابه ) في يوم من الأيام كان هناك أعرابي يستمع لقراءة شخص يقرأ قوله عز و جل [وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللهِ وَاللهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ] {المائدة:38} فاخطأ فقال( و الله غفور رحيم ) و هذا الأعرابي يسمع و عنده فصاحة و حضور قلب أيضا فقال:( هذا ليس بكلام الله) قال: ويحك ! قال: ليس بكلام الله فقال له :(أعد الآية ) فلما أتى بها على الوجه الحقيقي(وَاللهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) قال الأعرابي هكذا .... عزّ فحكم فقطع و لو غفر و رحم لم يقطع،و لذلك من أسباب وضع النقاط في القرآن الكريم أنه كان هذا القرآن الكريم غير منقط و لا به فتحة و لا ضمة و لا كسرة و لا سكون لم ؟ لأنهم عرب فصحاء فهو يعرف أن هذا مرفوع و هذا منصوب و هذا مجرور بالسليقة ، فكانوا يتحدثون باللغة العربية الفصحى دون حاجة لقاعدة ، و هذه قصة و هي أن أعرابي كان يقرأ القرآن فقرأ قوله تعالى : [وَأَذَانٌ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الحَجِّ الأَكْبَرِ أَنَّ اللهَ بَرِيءٌ مِنَ المُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ فَإِنْ تُبْتُمْ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللهِ وَبَشِّرِ الَّذِينَ كَفَرُوا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ] {التوبة:3} و هنا قراءة و رسولَهُ ( بفتح اللام )فكلتا القراءتين صحيحة ، لكن هذا الرجل كَسَََرَ ( اللام ) في (رسوله ) فقال الرجل : ( أنا بريء ممن برأ اللهُ منه ،فأنا بريء من المؤمنين و الرسول) لما ؟ لأن هذا النطق الذي أتى به هذا الرجل يقتضي هذا المعنى فرفع الأمر إلى علي بن أبي طالب رضي الله عنه و قيل إلى عبد الملك بن مروان ، فرفع الأمر إلى الأمير في ذلك العصر فأمر أن تنقّط المصاحف و تُشكّل فنقّطت، و الحركات الموجود فيما سبق على عهد أبي الأسود الدؤلي ليست بهذه الصورة المأخوذة من الحروف و إنما هذه الأشكال وضعها الخليل بن أحمد ( الضمة و الكسرة و الفتحة ) و هو أحد علماء اللغة0 بعد القرون المفضلة ما الذي جرى ؟ حُزِّب القرآن الكريم ، لأن الصحابة رضي الله عنهم كانوا يحزِِّبونه على غير ما هو موجود الآن ، نحن نختم القرآن مرة واحدة في الشهر إذا قرأنا كل يوم جزئ ، لكنهم كانوا يختمون كل سبعة أيام لأن التحزيب عندهم يختلف عن هذا التحزيب ، لكن كما قال النووي رحمه الله استحب العلماء هذا التحزيب ، و كما قال شيخ الإسلام رحمه الله درجت الأمة على هذا التحزيب، و الشاهد أن التحزيب عند الصحابة أنهم كانوا يحزِّبون كما جاء في السنن من حديث أوس بن حذيفة ( أنهم كانو يحزِّبون ثلاث سور، خمس ،سبع، تسع ،ثلاث عشرة، و المفصل ) أي يأخذون البقرة و النساء و آل عمران يقرأونه في اليوم ثم يقرؤون خمس سور ثم سبع سور و هكذا حتى يأتوا إلى المُفصّل ،و المفصل ما هو ؟ المفصل من سورة ( ق إلى الناس ) و سُمّي بالمُفصّل لكثرة فواصله بالبسملة و المفصل له طوال و قصار و أوساط ، فطواله ( من ق إلى عمّ )،و أوساطه ( من عمّ إلى الضحى ) و قصار المُفصّل ( من الضحى إلى الناس ) و لذا جاء في بعض الأحاديث - بعض العلماء يحسنه - أن النبي صلى الله عليه و سلم قرأ بالسبع الطوال في ركعة واحدة ما هي السبع الطوال ؟ السبع الطوال (من البقرة إلى يونس ) هذه المُسمى بالطوال و هناك سور تُسمى بالمئين و مفردها مائة ،و المثاني هي أقل من مائة ، مع أن القرآن كله يُسمى ( مثاني ) لأن الأخبار و القصص كلها تثنّى فيه و قد يُطلق هذا الاسم على سورة واحدة و هي سورة ( الفاتحة ) لم ؟ لأنها تُثنّى أي تكرر في كل ركعة ، إذاً : هذه هي الخطوة الأولى و التي لا يُنظر إلى غيرها في تفسير كلام الله عز و جل ما هي الطريقة الأولى ؟ هي ( تفسير القرآن بالقرآن ) أعطيتك بعضا من الأمثلة و عليك إذا قرأت القرآن أن تتأمل و صلى اللهم على سيدنا محمد و على آله و صحبه و سلم .