من المعلوم الخلاف الواقع بين العلماء في جواز نسخ السنة للقرآن من عدمه، فالجمهور على جوازه؛ لكن هل صحَّ أمثلة على ذلك، بارك الله فيكم؟
من المعلوم الخلاف الواقع بين العلماء في جواز نسخ السنة للقرآن من عدمه، فالجمهور على جوازه؛ لكن هل صحَّ أمثلة على ذلك، بارك الله فيكم؟
أذكر أني سمعت للشيخ عثمان الخميس يقول في هذه المسألة ، وذكر خلاف العلماء فمنهم من قال بقول جواز نسخ السنة للقرآن ومنهم من نفى ذلك ، وفي معرض كلامه قال ، يوجد كلام للشيخ ابن عثيمين رحمه الله يقول فيه
أن نسخ السنة للقرآن جائز ، لكن لا يوجد عليه مثال .
بارك الله فيك، الشيخ العثيمين قال بالجواز وذكر مثالًا، قال في شرح (قواعد الأصول ومعاقد الفصول) شريط (8) وجه ب .: (لا أعلم شيئًا من القرآن نسخ بالسنة ، إلا مسألة اللوطي -نسأل الله العافية - فإن الله تعالى قال في القرآن: وَالَّذَانِ يَأْتِيَانِهَا مِنْكُمْ فَآذُوهُمَا فَإِنْ تَابَا وَأَصْلَحَا فَأَعْرِضُوا عَنْهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ تَوَّاباً رَحِيماً [النساء:16] فهذه الآية تدل على أن الفاعلين يُؤذيان حتى يتوبا ويصلحا، فجاءت السنة: (من وجدتموه يعمل عمل قوم لوط فاقتلوا الفاعل والمفعول به).
بارك الله ، أنا متأكد من سماعي للشيخ عثمان يقول هذا لكن لا أدري أين أو في أي من دروسه.
===============
لكن إليك هذا الفيديو
في الدقيقة ٢٧ ، ذكر ابن عثيمين رحمه الله هذا المثال لكن يقول هذا الحديث ضعيف .
قلت أنا : فإن كان كذلك فهذا المثل يسقط .
سبحان الله.
نفع الله بكم.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في مجموع الفتاوى 20 / 397 :
فصل :
وأما " نسخ القرآن بالسنة " فهذا لا يجوزه الشافعي ؛ ولا أحمد في المشهور عنه ؛ ويجوزه في الرواية الأخرى . وهو قول أصحاب أبي حنيفة وغيرهم وقد احتجوا على ذلك بأن الوصية للوالدين والأقربين نسخها قوله : { إن الله أعطى كل ذي حق حقه فلا وصية لوارث } وهذا غلط ، فإن ذلك إنما نسخه آية المواريث كما اتفق على ذلك السلف ؛ فإنه لما قال بعد ذكر الفرائض : { تلك حدود الله ومن يطع الله ورسوله يدخله جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها وذلك الفوز العظيم } { ومن يعص الله ورسوله ويتعد حدوده يدخله نارا خالدا فيها وله عذاب مهين } فلما ذكر أن الفرائض المقدرة حدوده ونهى عن تعديها ، كان في ذلك بيان أنه لا يجوز أن يزاد أحد على ما فرض الله له وهذا معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم :{ إن الله قد أعطى كل ذي حق حقه فلا وصية لوارث } وإلا فهذا الحديث وحده إنما رواه أبو داود ونحوه من أهل السنن ليس
في الصحيحين ولو كان من أخبار الآحاد لم يجز أن يجعل مجرد خبر غير معلوم الصحة ناسخا للقرآن . وبالجملة فلم يثبت أن شيئا من القرآن نسخ بسنة بلا قرآن وقد ذكروا من ذلك قوله تعالى : { فأمسكوهن في البيوت حتى يتوفاهن الموت أو يجعل الله لهن سبيلا } وقد ثبت في صحيح مسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : { خذوا عني ؛ خذوا عني قد جعل الله لهن سبيلا البكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام والثيب بالثيب جلد مائة والرجم } . وهذه الحجة ضعيفة لوجهين :
أحدهما : أن هذا ليس من النسخ المتنازع فيه ؛ فإن الله مد الحكم إلى غاية والنبي صلى الله عليه وسلم بين تلك الغاية لكن الغاية هنا مجهولة فصار هذا يقال : إنه نسخ بخلاف الغاية البينة في نفس الخطاب كقوله : { ثم أتموا الصيام إلى الليل } فإن هذا لا يسمى نسخا بلا ريب .
الوجه الثاني : أن جلد الزاني ثابت بنص القرآن وكذلك الرجم كان قد أنزل فيه قرآن يتلى ثم نسخ لفظه وبقي حكمه وهو قوله : ( والشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما ألبتة نكالا من الله والله عزيز حكيم )
وقد ثبت الرجم بالسنة المتواترة وإجماع الصحابة . وبهذا يحصل الجواب عما يدعى من نسخ قوله : { واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم } الآية ؛ فإن هذا إن قدر أنه منسوخ فقد نسخه قرآن جاء بعده ؛ ثم نسخ لفظه وبقي حكمه منقولا بالتواتر ، وليس هذا من موارد النزاع ؛ فإن الشافعي وأحمد وسائر الأئمة يوجبون العمل بالسنة المتواترة المحكمة وإن تضمنت نسخا لبعض آي القرآن لكن يقولون : إنما نسخ القرآن بالقرآن لا بمجرد السنة ويحتجون بقوله تعالى : { ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها } ويرون من تمام حرمة القرآن أن الله لم ينسخه إلا بقرآن .
ويتفرع على مسألتك مسألة أخرى وهي : هل الزيادة من السنة على النص القرآني نسخ ؟ فيها خلاف بين العلماء مبسوط في كتب الأصول ، والراجح أنه ليس نسخا ، ولابن القيم كلام مفيد جدا في إعلام الموقعين.
قال رحمه الله في إعلام الموقعين :
مسألة : الزيادة على النص
وقد ذهب الشيخ أبو الحسن الكرخي وجماعة كثيرة من أصحاب أبي حنيفة إلى أنها نسخ ومن ههنا جعلوا إيجاب التغريب مع الجلد نسخا كما لو زاد عشرين صوتا على الثمانين في حد القذف
وذهب أبو بكر الرازي إلى أن الزيادة إن وردت بعد استقرار حكم النص منفرده عنه كانت ناسخة وإن وردت متصلة بالنص قبل إستقرار حكمه لم تكن ناسخة وإن وردت ولا يعلم تاريخها فإن وردت من جهة يثبت النص بمثلها فإن شهدت الأصول من عمل السلف أو النظر على ثبوتهما معا أثبتناهما وإن شهدت بالنص منفردا عنها أثبتناه دونها وإن لم يكن في الأصول دلالة على أحدهما فالواجب أن يحكم بورودهما معا ويكونان بمنزلة الخاص والعام إذا لم يعلم تاريخهما ولم يكن في الأصول دلالة على وجوب القضاء بأحدهما على الآخر فإنهما يستعملان معا وإن كان ورود النص من جهة توجب العلم كالكتاب والخبر المستفيض وورود الزيادة من جهة أخبار الآحاد لم يجز إلحاقها بالنص ولا العمل بها
وذهب بعض أصحابنا إلى أن الزيادة إن غيرت حكم المزيد عليه تغييرا شرعيا بحيث إنه لو فعل على حد ما كان يفعل قبلها لم يكن معتدا به بل يجب استئنافه كان نسخا نحو ضم ركعة إلى ركعتي الفجر وإن لم يغير حكم المزيد عليه بحيث لو فعل على حد ما كان يفعل قبلها كان معتدا به ولا يجب استئنافه لم يكن نسخا ولم يجعلوا إيجاب الغريب مع الجلد نسخا وإيجاب عشرين جلدة مع الثمانين نسخا وكذلك إيجاب شرط منفصل عن العبادة لا يكون نسخا كإيجاب الوضوء بعد فرض الصلاة ولم يختلفوا أن إيجاب زيادة عبادة على عبادة كإيجاب الزكاة بعد إيجاب الصلاة لا يكون نسخا ولم يختلفوا أيضا أن إيجاب صلاة سادسة على الصلوات الخمس لا يكون نسخا
فالكلام معكم في الزيادة المغيرة في ثلاثة مواضع:
في المعنى والاسم والحكم
أما المعنى فإنها تفيد النسخ لأنه الإزالة والزيادة تزيل حكم الاعتداد بالمزيد عليه وتوجب استئنافه بدونها وتخرجه عن كونه جميع الواجب وتجعله بعضه وتوجب التأثيم على المقتصر عليه بعد ان لم يكن إثما وهذا معنى النسخ وعليه يرتب الاسم فإنه ......إلخ كلامه رحمه الله ، وهو كلام طويل .
هل يصح هذا المثال:
قوله تعالى: ( لا يحل لك النساء من بعد ولا أن تبدل بهنَّ من أزواج ولو أعجبك حسنهنَّ إلا ما ملكت يمينك وكان الله على كل شيء رقيبًا) الأحزاب: 52
روى الترمذي وأحمد، عن عائشة، رضي الله عنها، قالت: (ما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أحل الله له النساء).
سبحان الله
وهذا للفائدة :
هل أٌبيح للنبي صلى الله عليه وسلم التزوج على نسائه قبل وفاته ؟
السؤال: سمعتُ أنَّ الله قد حرَّم على النَّبي صلى الله عليه وسلم أن يتزوج على نسائه أخريات ، وحرَّم عليه أيضاً أن يطلقهن ، ثم بعد ذلك نسخ الحكم ، وأحل الله له أن يتزوج عليهن ، وأن يطلقهن ، فهل هذا صحيح ؟ .
الجواب:
الحمد لله
أولاً:
اختلف العلماء رحمهم الله في مسألة حكم تزوج النبي صلى الله عليه وسلم على نسائه التسع ، هل هو على الإباحة أن ينكح من يشاء ، أو هو ممنوع ؟ .
والذي يظهر – والعلم عند الله – أن الله تعالى منع نبيه صلى الله عليه وسلم من التزوج على نسائه رضي الله عنهن أولاً بقوله تعالى ( لا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ وَلا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ إِلَّا مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ رَقِيباً ) الأحزاب/ 52 ؛ إكراماً لنسائه ؛ لأنهن اخترن الله ورسله والدار الآخرة عندما خيَّرهن النبي صلى الله عليه وسلم ، ثم نُسخ هذا الحكم المانع بحكم آخر يبيح له صلى الله عليه التزوج بغيرهن ؛ وذلك إكراماً للنبي صلى الله عليه وسلم .
ثم أكرم النبي صلى الله عليه وسلم نساءَه بأن لم يتزوج عليهنَّ ، فكانت المنَّة له عليهن بذلك .
ثانياً:
اختلف العلماء فيما نسخ ذلك المنع ، على ثلاثة أقوال :
1. القول الأول : أن الناسخ هو قوله تعالى : ( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ اللَّاتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ وَمَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْكَ وَبَنَاتِ عَمِّكَ وَبَنَاتِ عَمَّاتِكَ وَبَنَاتِ خَالِكَ وَبَنَاتِ خَالاتِكَ اللَّاتِي هَاجَرْنَ مَعَكَ وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَهَا خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ فِي أَزْوَاجِهِمْ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ لِكَيْلا يَكُونَ عَلَيْكَ حَرَجٌ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً ) الأحزاب/ 50 .
ولا يشكل كون الآية الناسخة قبل المنسوخة في المصحف ؛إذ العبرة بالنزول وليس بالتدوين والكتابة ، وثمة موضع آخر – عند الجمهور – يشبه هذا ، ولم يستنكروا كون الآية الناسخة قبل المنسوخة في ترتيب المصحف ، والآيتان هما : قوله تعالى : ( وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً ) البقرة/ 234 , وهي ناسخة – عند الجمهور - لقوله تعالى : ( وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجاً وَصِيَّةً لأَزْوَاجِهِمْ مَتَاعاً إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ ) البقرة/ 240 .
قال القرطبي – رحمه الله - :
ويبيِّن لك أن اعتراض هذا المعترض لا يلزم : أن قوله عز وجل ( والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجاً وصية لأزواجهم متاعاً إلى الحول غير إخراج ) منسوخة على قول أهل التأويل - لا نعلم بينهم خلافاً - بالآية التي قبلها ( والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشراً ) .
" تفسير القرطبي " ( 14 / 218 ، 219 ) .
وقال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي – رحمه الله - :
قوله تعالى : ( وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً ) , هذه الآية يظهر تعارضها مع قوله تعالى : ( وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجاً وَصِيَّةً لأَزْوَاجِهِمْ مَتَاعاً إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ ) ، والجواب ظاهر ، وهو : أن الأولى ناسخة لهذه , وإن كانت قبلها في المصحف ؛ لأنها متأخرة عنها في النزول .
وليس في القرآن آية هي الأولى في المصحف وهي ناسخة لآية بعدها إلاّ في موضعين ، أحدهما : هذا الموضع , الثاني : آية ( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ ) هي الأولى في المصحف , وهي ناسخة لقوله : ( لا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ ) الآية ؛ لأنها تقدمت في المصحف ، فهي متأخرة في النزول , وهذا على القول بالنسخ .
" دفع إيهام الاضطراب عن آيات الكتاب " ( ص 13 ) .
2. القول الثاني : أن الناسخ هو قوله تعالى : ( تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشَاءُ وَمَنِ ابْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكَ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ تَقَرَّ أَعْيُنُهُنَّ وَلا يَحْزَنَّ وَيَرْضَيْنَ بِمَا آتَيْتَهُنَّ كُلُّهُنَّ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيماً حَلِيماً ) الأحزاب/ 51 .
وهو قول " الضحَّاك " رحمه الله ، كما في " معاني القرآن " للنَّحاس ( 5 / 368 ) ، وهو الذي رجَّحه النووي رحمه الله ، كما في " شرح مسلم " ( 10 / 50 ) ، وقال : " قال أصحابنا : الأصح : أنه صلى الله عليه وسلم ما توفي حتى أبيح له النساء مع أزواجه " انتهى .
وهو – كذلك – ترجيح الشيخ أبي بكر الجزائري حفظه الله ، كما في كتابه : " أيسر التفاسير لكلام العلي الكبير " ( 4 / 284 ) .
3. القول الثالث : أن الذي نسخ المنع هو السنَّة النبوية :
عَنْ عَطَاءٍ قَالَ : قَالَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ الله عَنْها : " مَا مَاتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى أُحِلَّ لَهُ النِّسَاءُ " . رواه الترمذي (3216) وقال : حسن صحيح ، والنسائي (3204) .
وروي عن أم سلمة رضي الله عنها بلفظ : " لم يمت رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أحلّ الله له أن يتزوج من النساء ما شاء ، إلا ذات محرم ، وذلك قول الله عز وجل : ( تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشَاءُ ) " .
لكنَّ الأثر ضعيف لا يصح ، فقد أخرجه ابن أبى حاتم في " تفسيره " ( 10 / 3145 ) ، وفيه : عمر بن أبي بكر الموصلي ، وهو متروك ، فالإسناد ضعيف جدّاً .
ورواه ابن سعد ( 8 / 194 ) من طريق الواقدي ، وهو ضعيف جدّاً .
انظر " بيان مشكل الآثار " ( 1 / 453 ) .
وقد رجح " النحَّاس " هذا القول ، ورأى أن السنَّة هي التي نسخت المنع ، وذكر كونها منسوخة بالقرآن احتمالاً ، لا ترجيحاً ، فقال رحمه الله :
وهذا والله أعلم أولى ما قيل في الآية ، وهو وقول عائشة رضي الله عنها واحد في النسخ ، وقد يجوز أن تكون عائشة أرادت أحل له ذلك بالقرآن .
" الناسخ والمنسوخ " ( ص 629 ) .
وهو الذي رآه الشيخ محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله ، وذكر لفتة متينة ، فقال :
قوله تعالى : ( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَك ) الآية ، يظهر تعارضه مع قوله : ( لا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ ) الآية .
والجواب : أن قوله : ( لا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ ) منسوخ بقوله : ( إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَك ) ، وقد قدمنا في " سورة البقرة " أنه أحد الموضعين اللّذين في المصحف ناسخهما قبل منسوخهما لتقدمه في ترتيب المصحف مع تأخره في النزول - على القول بذلك - ، وقيل : إن الآية الناسخة لها هي قوله تعالى : ( تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ ) الآية .
والذي يظهر لنا : أن القول بالنسخ أرجح ، وليس المرجح لذلك عندنا أنه قول جماعة من الصحابة ومَن بعدهم ، منهم : علي ، وابن عباس ، وأنس ، وغيرهم ، ولكن المرجح له عندنا : أنه قول أعلم الناس بالمسألة ، أعني أزواجه صلى الله عليه وسلم ؛ لأن حِليَّة غيرهن من الضرات ، وعدمها : لا يوجد مَن هو أشد اهتماماً بهما منهن ، فهن صواحبات القصة ، وقد تقرر في علم الأصول أن صاحب القصة يقدَّم على غيره ، ولعل هناك تفريق بين ما إذا كان صاحب القصة راوياً ، وبين كونه مستنبطاً ، كقصة فاطمة بنت قيس في إسقاط النفقة والسكنى ، فالحجة معها ، والحديث يؤيدها ، ومع ذلك فعمَر يرد قولها ، ولذلك قدم العلماء رواية ميمونة ، وأبي رافع ( أنه صلى الله عليه وسلم تزوجها وهو حلال ) على رواية ابن عباس المتفق عليها ( أنه تزوجها مُحْرِماً ) ؛ لأن ميمونة صاحبة القصة وأبا رافع سفير فيها .
فإذا علمت ذلك : فاعلم : أن ممن قال بالنسخ : أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت : " ما مات صلى الله عليه وسلم حتى أحلَّ الله له النساء " ، وأم المؤمنين أم سلمة رضي الله عنها قالت : " لم يمت صلى الله عليه وسلم حتى أحل الله له أن يتزوج من النساء ما شاء إلا ذات محرم " .
أما عائشة : فقد روى عنها ذلك : الإمام أحمد ، والترمذي وصححه ، والنسائي في سننيهما ، والحاكم وصححه ، وأبو داود في " ناسخه " ، وابن المنذر ، وغيرهم .
وأما أم سلمة : فقد رواه عنها : ابن أبي حاتم - كما نقله عنه ابن كثير - ، وغيره .
ويشهد لذلك : ما رواه جماعة عن عبد الله بن شداد رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم تزوج أم حبيبة وجويرية رضي الله عنهما بعد نزول ( لا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاء ) ، قال الألوسي في " تفسيره " إن ذلك أخرجه عنه ابن أبي شيبة ، وعبد بن حميد ، وابن أبي حاتم ، والعلم عند الله تعالى .
" دفع إيهام الاضطراب عن آيات الكتاب " ( ص 68 ، 69 ) .
فالخلاصة :
أن الله تعالى أباح لنبيه صلى الله عليه وسلم أن يتزوج من يشاء من النساء غير من عنده من التسع ، وكان هذا بعد المنع منه ، ولكنه صلى الله عليه وسلم اقتصر عليهنَّ ؛ إكراماً لهنَّ .
قال الشيخ أبو بكر الجزائري حفظه الله - في تفسير قوله تعالى : ( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ اللَّاتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ ) - :
هذه الآية من المتقدم في التلاوة المتأخر في النزول ، ونظيرها آيتي الوفاة في " البقرة " على رأي الجمهور ، إذ مضمون هذه الآية التوسعة على الرسول صلى الله عيه وسلم ؛ إكراماً له لما تحمَّله من نكاح زينب ، ثم قصره في الآيات بعد على من تحته من النساء ؛ إكراماً لهن أيضاً ، وذلك في قوله ( لا يحل لك النساء من بعد ) ، ثم لم يُقبض حتى رَفع الله عنه الحظر ؛ إكراماً ؛ وإعلاءً من شأنه ، إذ قالت عائشة : " ما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أحل له النساء " .
" أيسر التفاسير لكلام العلي الكبير " ( 4 / 281 ) ، وينظر ما قرره الإمام الطحاوي حول ذلك المعنى في كتابه : " بيان مشكل الآثار " ( 1 / 457 ) .
والله أعلم
https://islamqa.info/ar/118492
.............................. .............................. ..
قال الامام المروزي رحمه الله في كتاب السنة بعد ذكره لقول الله تعالى
{وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ} الْآيَةَ وَالَّتِي بَعْدَهَا .
قَالَ الشَّافِعِيُّ:فَكَانَ هَذَا أَوَّلَ عُقُوبَةِ الزَّانِيَيْنِ فِي الدُّنْيَا ثُمَّ نَسَخَ هَذَا عَنِ الزُّنَاةِ كُلِّهِنَّ الْحُرِّ وَالْعَبْدِ وَالْبِكْرِ وَالثَّيِّبِ فَحَدَّ اللَّهُ الْبِكْرَيْنِ الْحُرَّيْنِ الْمُسْلِمَيْنِ ، فَقَالَ:{الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ} ، وَذَكَرَ حَدِيثَ أَبِي هُرَيْرَةَ وَزَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الَّذِي قَالُوا:
كُنَّا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَامَ رَجُلٌ فَقَالَ: أَنْشُدُكَ اللَّهَ أَلَّا قَضَيْتَ بَيْنَنَا بِكِتَابِ اللَّهِ فَقَامَ خَصْمُهُ وَكَانَ أَفْقَهَ مِنْهُ فَقَالَ: صَدَقَ اقْضِ بَيْنَنَا بِكِتَابِ اللَّهِ وَائْذَنْ لِي فَقَالَ: قُلْ، فَقَالَ: إِنَّ ابْنِي كَانَ عَسِيفًا عَلَى هَذَا وَإِنَّهُ زَنَى بِامْرَأَتِهِ فَافْتَدَيْتُ مِنْهُ بِمِائَةِ شَاةٍ وَخَادِمٍ، ثُمَّ سَأَلْتُ رِجَالًا مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ، فَأَخْبَرُوني أَنَّ عَلَى ابْنِكَ جَلْدَ مِائَةٍ وَتَغْرِيبَ عَامٍ، وَعَلَى امْرَأَةِ هَذَا الرَّجْمَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:«وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَأَقْضِيَنَّ بَيْنَكُمَا بِكِتَابِ اللَّهِ، الْمِائَةُ شَاةٍ وَالْخَادِمُ رَدٌّ عَلَيْكَ، وَعَلَى ابْنِكَ جَلْدُ مِائَةٍ وَتَغْرِيبُ عَامٍ، وَاغْدُ يَا أُنَيْسُ عَلَى امْرَأَةِ هَذَا فَإِنِ اعْتَرَفَتْ فَارْجُمْهَا، فَغَدَا عَلَيْهَا فَاعْتَرَفَتْ فَرَجَمَهَا»
وَذَكَرَ الشَّافِعِيُّ حَدِيثَ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَوْلَهُ: «خُذُوا عَنِّي خُذُوا عَنِّي»
قَالَ الشَّافِعِيُّ: فَكَانَ هَذَا أَوَّلَ مَا نُسِخَ مِنْ حَبْسِ الزَّانِيَيْنِ وَإِيذَائِهِمَا وَأَوَّلَ حَدَّينِ نَزَلَ فِيهِمَا ثُمَّ نُسِخَ الْجَلْدُ عَنِ الثَّيِّبَيْنِ وَأَقَرَّ أَحَدُهُمَا الرَّجْمَ، فَرَجَمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ امْرَأَةَ الرَّجُلِ وَلَمْ يَجْلِدْهَا، وَرَجَمَ مَاعِزَ بْنَ مَالِكٍ وَلَمْ يَجْلِدْهُ، وَرَجَمَ يَهُودِيَّيْنِ وَلَمْ يَجْلِدْهُمَا
حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، أَنْبَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَزَيْدِ بْنِ خَالِدٍ، وَشِبْلٍ، أَنَّهُمْ قَالُوا:رَجَمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ يَجْلِدْ
قَالَ الشَّافِعِيُّ: فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: مَا دَلَّ عَلَى أَنَّ امْرَأَةَ الرَّجُلِ وَمَاعِزًا بَعْدَ قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: عَلَى الثَّيِّبِ جَلْدُ مِائَةٍ وَالرَّجْمُ؟ قِيلَ: إِذَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: خُذُوا عَنِّي فَقَدْ جَعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا، الثَّيِّبُ بِالثَّيِّبِ جَلْدُ مِائَةٍ وَالرَّجْمُ، فَفِي هَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ هَذَا كَانَ أَوَّلَ حَدِّ الزَّانِيَيْنِ وَإِذَا كَانَ أَوَّلًا فَكُلُّ حَدٍّ جَاءَ بَالِغُهُ، فَالْعِلْمُ يُحيطُ أَنَّهُ بَعْدَهُ وَالَّذِي بَعْدَهُ يَنْسَخُ مَا قَبْلَهُ إِذَا كَانَ يُخَالِفُهُ .
قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ ( المروزي): وَهَذَا قَوْلُ عَامَّةِ أَهْلِ الْفُتْيَا مِنْ أَهْلِ الْحِجَازِ وَالْعِرَاقِ وَالشَّامِ وَمِصْرَ وَغَيْرِهِمْ مِنْ أَهْلِ الْأَثَرِ أَنَّ عَلَى الزَّانِي الْبِكْرِ الَّذِي لَمْ يُحْصَنْ جَلْدَ مِائَةٍ وَنَفْيَ سَنَةٍ، وَعَلَى الثَّيِّبِ الَّذِي قَدْ أُحْصِنَ الرَّجْمَ وَلَا جَلْدَ عَلَيْهِ، فَمَنُ عَرَفَ مِنْهُمْ حَدِيثَ عُبَادَةَ وَثَبَتَهُ زَعَمَ أَنَّهُ جَلَدَ الزَّانِيَيْنِ الْبِكْرَيْنِ بِكِتَابِ اللَّهِ وَنَفَاهُمَا بِسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَاحْتَجَّ فِي نَفْيِهِ إِيَّاهُمَا بِحَدِيثِ عُبَادَةَ وَغَيْرِهِ مِنَ الْأَخْبَارِ الَّتِي رُوِيَتْ فِي النَّفْيِ، وَأَنَّهُ أَسْقَطَ الْجَلْدَ عَنِ الثَّيِّبَيْنِ وَأَثْبَتَ عَلَيْهِمَا الرَّجْمَ بِالْأَخْبَارِ الَّتِي احْتَجَّ بِهَا الشَّافِعِيُّ، وَجَعَلَ الْجَلْدَ مَنْسُوخًا عَنِ الثَّيِّبَيْنِ بِالسُّنَّةِ
قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ:فَقَدْ أَثْبَتَ الشَّافِعيُّ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ نَسْخَ الْكِتَابِ بِالسُّنَّةِ؛ لِأَنَّهُ أَثْبَتَ الْجَلْدَ مَعَ النَّفْيِ عَلَى الْبِكْرَيْنِ عِنْدَ نُزُولِ الْآيَةِ فِي جَلْدِ الزَّانِيَيْنِ الْجَلْدُ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالنَّفْيُ بِالسُّنَّةِ، وَكَذَلِكَ أَثْبَتَ الْجَلْدَ مَعَ الرَّجْمِ عَلَى الثَّيِّبَيْنِ عِنْدَ نُزُولِ الْآيَةِ بِحَدِيثِ عُبَادَةَ . الْجَلْدُ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالرَّجْمُ بِالسُّنَّةِ، وَزَعَمَ أَنَّ ذَلِكَ أَوَّلُ حَدِّ الزَّانِيَيْنِ الثَّيِّبَيْنِ، ثُمَّ زَعَمَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ ذَلِكَ رَفَعَ الْجَلْدَ عَنِ الثَّيِّبَيْنِ وَأَثْبَتَ عَلَيْهَا الرَّجْمَ، فَأَقَرَّ بِأَنَّ الْجَلْدَ الَّذِي كَانَ وَاجِبًا عَلَى الثَّيِّبَيْنِ بِكِتَابِ اللَّهِ عِنْدَ نُزُولِ الْآيَةِ قَدْ رَفَعَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْهُمَا بَعْدَ ذَلِكَ، فَصَارَ الْجَلْدُ عَنْهُمَا مَنْسُوخًا بِسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، هَذَا بِحَمْدِ اللَّهِ وَاضِحٌ غَيْرُ مُشْكِلٍ.
بارك الله فيك
النسخ بمعنى الترك وإزالة الحكم لايوجد في القران الان ، ولايجوز الاجتهاد أوالاستنباط فيه ، فقد تم بيان هذا النوع من النسخ وقت الوحي ووجود الرسول صل الله عليه وسلم ، وحدث اللبس عند المتأخرين في مراد السلف عند إطلاقهم لمفردة (النسخ) .
قال القرطبي ( ت: 671 هـ ): " والمتقدمون يطلقون على التخصيص نسخاً توسعاً وتجوزاً "(الجامع لاحكام القران ).
قال ابن القيم: " قلت: ومراد عامة السلف بالناسخ والمنسوخ: رفع الحكم بجملته تارة ـ وهو اصطلاح المتأخرين ـ ورفع دلالة العام والمطلق والظاهر وغيرها تارة، إما بتخصيص أو تقييد، أو حمل مطلق على مقيد، وتفسيره وتبيينه، حتى إنهم يسمون الاستثناء والشرط والصفة نسخاً لتضمن ذلك رفع دلالة الظاهر وبيان المراد.
فالنسخ عندهم وفي لسانهم هو: بيان المراد بغير ذلك اللفظ بل بأمر خارجٍ عنه ومن تأمل كلامهم رأى من ذلك فيه ما لا يُحصى، وزال عنه به إشكالات أوجبها حمل كلامهم على الاصطلاح الحادث المتأخر "(إعلام الموقعين).