ذهب مالك والشافعي والمشهور عن أحمد إلى أنه يُشترط للجمعة حضور أربعين رجلًا؛ واستدلوا على ذلك بحديث عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ - وَكَانَ قَائِدَ أَبِيهِ بَعْدَ مَا ذَهَبَ بَصَرُهُ - عَنْ أَبِيهِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه، أَنَّهُ كَانَ إِذَا سَمِعَ النِّدَاءَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ تَرَحَّمَ لِأَسْعَدَ بْنِ زُرَارَةَ، فَقُلْتُ لَهُ: إِذَا سَمِعْتَ النِّدَاءَ تَرَحَّمْتَ لِأَسْعَدَ بْنِ زُرَارَةَ؟ قَالَ: لِأَنَّهُ أَوَّلُ مَنْ جَمَّعَ بِنَا فِي هَزْمِ النَّبِيتِ مِنْ حَرَّةِ بَنِي بَيَاضَةَ فِي نَقِيعٍ، يُقَالُ لَهُ: نَقِيعُ الْخَضَمَاتِ، قُلْتُ: كَمْ أَنْتُمْ يَوْمَئِذٍ؟ قَالَ: أَرْبَعُونَ([1]).
واستدلوا – أيضًا – بما رُوِيَ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنهما, قَالَ: مَضَتِ السُّنَّةُ أَنَّ فِي كُلِّ ثَلَاثَةٍ إِمَامًا، وَفِي كُلِّ أَرْبَعِينَ فَمَا فَوْقَ ذَلِكَ جُمُعَةٌ، وَفِطْرٌ، وَأَضْحَى؛ وَذَلِكَ أَنَّهُمْ جَمَاعَةٌ([2]).
قلت: والصحيح – وهو رواية عن أحمد([3]) ورجحها شيخ الإسلام ابن تيمية([4]) والشيخ ابن عثيمين([5]) رحمهم الله – أن الجمعة تنعقد بثلاثة؛ اثنان يستمعان وواحد يخطب؛ لأن الجمعة يُشترط لها الجماعة، فلا بد من جماعة تستمع - وأقلها اثنان - والخطيب هو الثالث.
وأما الحديثان اللذان استُدل بهما على اشتراط العدد، فالصحيح أنه لا دلالة فيهما.
فأما حديث كعب بن مالك رضي الله عنه فهو واقعة عين، وقعت اتفاقًا لا قصدًا، وليس فيها ما يدل على أن مَنْ دون الأربعين لا تصح بهم الجمعة.
وقد ثبت في السُّنَّة الصحيحة أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى الجمعة بأقل من هذا العدد؛ فَعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ رضي الله عنهما، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كَانَ يَخْطُبُ قَائِمًا يَوْمَ الْجُمُعَةِ، فَجَاءَتْ عِيرٌ مِنَ الشَّامِ، فَانْفَتَلَ النَّاسُ إِلَيْهَا، حَتَّى لَمْ يَبْقَ إِلَّا اثْنَا عَشَرَ رَجُلًا، فَأُنْزِلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ الَّتِي فِي الْجُمُعَةِ: {وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا} [الجمعة: 11] ([6]).
وأما الحديث الثاني المروي عن جابر رضي الله عنه، فهو ضعيف لا يُحتج به.
[1])) أخرجه أبو داود (1069)، وابن ماجه (1082)، وحسنه الألباني في ((الإرواء)) (600).
[2])) أخرجه الدارقطني في ((سننه)) (1579)، والبيهقي في ((الكبير)) (5607)، وقال: ((تَفَرَّدَ بِهِ عَبْدُ الْعَزِيزِ الْقُرَشِيُّ، وَهُوَ ضَعِيفٌ))، وقال الذهبي في ((تنقيح التحقيق)) (1/ 277): ((فيه عبد الْعَزِيز بن عبد الرَّحْمَن، تركوهُ))، وقال الألباني في ((الإرواء)) (3/ 69): ((ضعيف جدًّا)).
[3])) ذكرها ابن قدامة في ((المغني)) (2/ 243).
[4])) ((مجموع الفتاوى)) (5/ 355).
[5])) ((الشرح الممتع)) (5/ 41).
[6])) متفق عليه: أخرجه البخاري (936)، ومسلم (863).