السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
من المسائل الخلافية الشهيرة عند اهل العلم الى يومنا هذا ،
هي مسألة معاقبة مانع الزكاة بأخذ الزكاة ومعها نصف امواله من باب التعزيز
عملاً بالحديث الذي صححه بعض اهل العلم ( ومن منعها فإنا آخذوها و شطر ماله )
فذهب الائمة : ابو حنيفة ، ومالك ، والشافعي (في الجديد) ، واحمد (في المعتمد) ، وجماهير العلماء من كافة المذاهب ، الى أخذ مقدار الزكاة فقط بدون زيادة ..
وذهب الائمة : الشافعي (في القديم) ، وإسحاق ابن راهويه ، وأحمد (في رواية) ، والأوزاعي ، وبعض الحنابلة المتأخرين ، الى وجوب أخذ شطر المال عقوبة للمانع مع مقدار الزكاة ..

توجيه الجمهور لحديث ( فانا آخذوها وشطر ماله )
اختلف الجمهور في رد هذا الحديث على عدة اقوال ، فهم وان اتحدت كلمتهم على عدم العمل به ، فقد اصطدموا فيما بينهم في عرض دليل عدم العمل ، وكل من من اورد مسلكاً من مسالك توجيه الحديث ، فقد تعقب غيره ..
المسلك الاول : تضعيف الحديث
فقد روى الامامان البيهقي والنووي عن الشافعي رحمه الله - أنه قال : هذا الحديث لا يثبته أهل العلم بالحديث ، ولو ثبت لقلنا به
وروي التضعيف كذلك عن ابن حبان ، و ابن حزم وجمع من الظاهرية .. وهذا مستند أكثر الشافعية ، انهم يرون ضعفه فقط وليس نسخه
وهذا يمكن تعقبه بأن الحديث صححه جمع غفير من الائمة مثل الامام احمد وابي داود وابن المديني وابن معين والحاكم وغيرهم .
المسلك الثاني : تصحيح الحديث ، مع القول ( بنسخه )

قال عدد كبير من اهل العلم بنسخه ، واختلفوا في الدليل الناسخ ؟
- فقال جماعة من اهل العلم : انه منسوخ بحديث (ليس في المال حق سوى الزكاة ) ، وان التعزيز بأخذ المال كان موجوداً في اول الاسلام وقد استقر الامر على تركه ..
وقد تعقب ذلك الامام النووي وغيره فقالوا : ان دعوى النسخ غير مقبولة مع الجهل بالتاريخ
وهذا [ صحيح ] فإننا لا نقدر على تحديد تاريخ أي من الحديثين ..
- وقال البعض : انه منسوخ بإجماع الصحابة ، ومن بعدهم
وهذا يمكن تعقبه بأنه لا يصح اجماع ناسخ لدليل ، الا بدليل صحيح ناسخ من القرآن او السنة ، كما قال ابن القيم ، ولان الاجماع ان ثبت فليس بناسخ للأدلة الصحيحة من القرآن والسنة على قول الاصوليين
المسلك الثالث : تصحيح الحديث ، مع توهيم الراو في لفظه
قال ابراهيم الحربي رحمه الله : في سياق هذا المتن لفظة وهم فيها الراوي وإنما هو (فإنا آخذوها من شطر ماله) أي نجعل ماله شطرين فيتخير عليه المصدق ويأخذ الصدقة من خير الشطرين عقوبة لمنعه الزكاة فأما مالا يلزمه فلا [ نقله ابن الجوزي في جامع المسانيد ، والحافظ ابن حجر في تلخيص الحبير ، وارتضوه ]

الترجيح : القول الذي ثبت بيقين ، و يجمع كل الاقوال هو المسلك الاخير لأنه أوسط الامور وأعدلها ، ويرضي الجمهور سواء ممن يرى العمل بالحديث او يضعفه ..

لأن الحديث لا يصح تضعيفه ، فتضعيفه متعقب ، اضافة الى تصحيح اسناده عند اكثر اهل العلم ، ولأنه لا ينزل عن رتبة (الحسن) في أقل الدرجات ... !
وكذلك لان القول بالنسخ لا يصح وتعقبه الكثيرون ( حتى ممن لم يعمل بالحديث )
فالصحيح ان الحديث مقبول السند ، لكن متنه به وهم فقط ! وبهذا ننتصر لرأي الجمهور ، والله عزوجل اعلى واعلم
وبهذا يزول الخلاف بإذن الله تعالى

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته