(] المقامةُ المَوْلِدِيَّة [)
8/3/1429
15/3/2008
[] المقامةُ المَوْلِدِيَّة [][ المقامةُ الأُولى من مقامة السيرةِ الكُبْرى ]
حدَّثنا أبو الطَّيِّبِ الوائليُّ قال :
استبشرَتِ النفسُ بإهلالِ الربيع ، و تاقتْ الأناسيُّ لحالِ الربيع ، و سَعى بالأُنْسِ الكلُّ سيرة حسَنة ، و رَجى منائحَ مُسْتَحْسَنة ، و كنتُ ممن رَغِبَ من ذاك بحظٍّ ، و لستُ ذا سَوْءَةٍ و لا فَظٍّ ، فارتحلتُ جائباً أرضَ الحجاز ، طارقاً معانيَ الحقيقة و المجاز ، ملتمساً رَوْح الفؤاد ، و مسامرة الحاضر و الباد ، فقطَعَ المسيرَ الحثيث ، نَجاءُ ذِي شَرفٍ أثيث ، فصيحِ العبارة ، صحيحِ الإشارة ، جميلِ البيان ، بليغ التبيان ،لِجَمعِ أهل الحُبِّ ، و لَمِّ آلِ اللبِّ ، فأقبلوا عليه يهرعون ، و جاؤوا إليه يَسمعون ، ليقفوا على سَماعِ سَوْقِ التاريخ ، و أطرافه الشماريخ ، فارتقى كُرْسِيَّ الوقار ، و عَلَتْهُ هيبةُ الكِبار ، و طأطأَ رأسَه ، و زَكَّى نَفْسَه ، ثُم ابتدرنا بكلامٍ عاطر ، و خبرٍ طاهر ، فقال مقولةَ الصدق ، و فاهَ بقولةِ الحقِّ ، و كان مُتَّخِذاً شادياً ، و مُستَصْحِباً حادياً :
في ربيع الجود و الكرم ، و شهرِ العطايا و النِعَم ، أشرَقتِ الأرضُ بِبُدُوِّ شمسِ الكمال ، و أنارت ببزوغ بدرِ الجمال ، سليل أكارمِ عدنان ، و نِجلِ مفاخر الخِلاَّن ، النبيِّ الخالد ، ذي المجد التالد ، محمد المُطَّلِبِي ، الأصيلِ العربي ، مَن به كانت إنقاذةُ الخلائق ، و وَصْلِهم بالربِّ الخالق ، و تكميلِ خِلالِهم بشرْعِه ، و تأسيس أصله و فرْعِه ، فما جاءَ ذو الكمال إلا بكمالٍ و لكمالٍ ، و لِيُصْلِيَ ذوي النقْصِ أسوأ حال .
وُلِدَ ضياءً و نوراً ، مختوناً مسروراً ، مُطّلِعاً برأسِه نحو السماء ، لاطِّلاعِ روحِهِ إلى كلِّ سناء ، ناجياً جِهةَ الصلاةِ ، حاظياً جلائل الصِلات ، ففَضَلَ على إخوانه ، بتخصيص عقله برُجحانه ، و أنه نال مقام الفضيلة ، و مُنِحَت له الوسيلة ، و الكلُّ له تبعٌ ، و مقامه به مرتفعٌ ، و مشهودٌ له بذيَّاك الفضل ، و لم يُغْرِب عنه إلا ذو الجهل ، وَ مُنَّ عليه ِحِلِّ الغَنِيْمة ، و استقبال الكعبةِ الكريمة ، و جَعل الأرضِ طهوراً و مسجداً ، و أن أمته خيرُ الأمم عند الله مَوفِداً ، فتلكَ منائحُ لذاتِه ، و كمائلُ في صفاته .
فاحْدُ يا حادياً بالمديح ، و اشْدُ بالقريضِ الفصيح :
هذا الضياءُ بَـدَامِن أحمدٍ و هَدىإنَّا بِـهِ سُعـدَاجِنَّـاً و إنْسانـاجلَّـتْ مفاخِـرُهُعمَّتْ بشائـرُهُشِيْدتْ منابِـرُهبالسَّعْدِ دِيوانـا
و لأهلِ البسيطة الواسعة ، مَكْرُماتٍ نافعة ، ما حَظِيَ بها قومٌ مِن قبلُ ، فكانوا لها أهلُ ، فارتَفَعَ في زمنِه الناس ، و شَرُفَ الفرعُ و الأساس ، فأتباعُه في الكمالِ لا يُدرَكُون ، و في العُلى لا يُزاحَمون ، فهم أهل الغُرَّة عند الموافاة ، و أولُ مَن يُقضى لهم لِعِظَمِ الجاه ، بعد كونهم أولَ من خرج ، و الجنةَ وَلَج .
فبالأشعارِ اُحْدُ ، و بالأبياتِ اُشْدُ :
و كان مخصوصاً بشريفِ الأنساب ، و مُخْلَصَاً مِن منيف الأحساب ، فليسَ أرقى منه انتسابا ، و لا أعلى منه احتسابا ، استُلَّ من ظُهورِ الطُهْرِ ، فصارَ في أرحامٍ صِيْنَتْ مِن العُهر ، فكانوا أنْفُساً نفيسة ، و عن الرَّدى حبيسة ، حتى بَدا نجمُه في سماء الوجودِ ، و بانَتْ ثُرَيَّاهُ بالشأن المحمود ، فشرْطُ الإنباءِ طُهرُ الأصول ، لطهارةِ المُنَبَّأ المحمول .
أتتنا في ولادك كل بشـرىغداة تساقط الأصنام قسراوزلزل هيبة إيوان كسرىوأضحى عرش دولته خرابا
و استنشَد الحادي ، فأنشد الشادي :
إذا اجتمعت يوما قريش لمفخـرفعبد منـاف سرهـا وصميمهـاوإن حصلت أشراف عبد منافهـاففي هاشـم أشرافهـا وقديمهـاوإن فخرت يومـا فـإن محمـداهو المصطفى من سرها وكريمها
و استقرَّ الأمرُ في التسمية ، على ما حوى معانيَ التحلية ، فكان " محمداً " لِحَمْدِهِ ، لعلوِّهِ و مجدِهِ ، و كُمِّلَ بالاقتران ، في الشهودِ و الأذان، رِفعةً لقدرِه و مقامه ، و إعلاءً لرسمه ووِسامه ، كما قال حسَّانُه مادحاً ، فاشْدُ يا شادي صادحا :
فغدا بين الناسَ محمودَ الحال ، و حُمِدَت بتخلُّقِه الخِلال ، و حُمِدَ ما جاءَ به إتماماً ، و ما أتى به للخلائقِ إنعاماً ، فكان حمداً لكمالِ مرسولِه ، و لجمالِ منقولِهِ ، و يُحمَدُ مَن لهُ مُحبٌّ ، و مشتاقٌ إليهِ صَبٌّ ، أدركنا بِحُبِّهِ كمالاتِ المحامد ، و بلغنا شرائفَ المقاصِد .
وَ شَقَّ لَهُ مِن اسْمِـهِ لِيُجِلَّـهُفَذُوْ العَرْشِ محمودٌ وَ هذا مُحَمَّدُ
فذا خبرُ مولدِ السراجِ ، و مورِدِ متين الحِجاج ، أُبِيْنَ بفصيحِ الحرفِ ، و نصيحِ الوصفِ ، ليُسْتَدْرَكَ بهِ مولدُ أرواحِ كمالِ الوداد ، فتنالَ الأشباحَ تِمَّ الإسعادِ ، فليسَ ذِكراً دونَ عِبْرَة ، و لا خبراً بِلا خِبْرة ، فإنه مهيعُ شرفٍ مرومٍ ، و مَسْلَكٌ مُعْرَبُ الحالِ برفعِ قَدْرٍ مجزومٍ ، و خَتْمُ الحديثِ الأصيل ، و الكلامِ النبيل ، صلاةٌ تتمُّ ، عَن رِضىً تَنِمُّ ، و حمداً للسلامِ ، و استمناحاً لِحُسْنِ الختام .
فقام من كُرْسِيِّه الرفيع ، مطأطئاً رأسه للشريفِ و الوضيعِ ، تعلوه ابتسامةُ الهُداة ، و هيبةُ الأُباة ، و قفَلْتُ آيباً لداري ، مُحمَّلاً بكنوزِ الدراري ، فأدمتُ الصلاةَ على الرسولِ شُكراً و حمداً ، فارتقيتُ علاءً و مجداً .
كتبَها
عبدُ الله بن سُليمان العُتَيِّق
الرياض
منقول ..