تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 2 من 2

الموضوع: وقفات مع رسالة القيافة لتركي البنعلي

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Aug 2007
    المشاركات
    49

    افتراضي وقفات مع رسالة القيافة لتركي البنعلي

    الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه أما بعد..
    فقد اطلعت على رسالة صغيرة للشيخ تركي البنعلي والمسماة “القيافة في عدم اشتراط التمكين الكامل للخلافة “فلما قلبت فيها النظر وأطلت فيها التأمل وجدتها وكأنه لم يعمل فيها النظر ولم يتمم فيها البحث، فلم يذكر فيها معنى الإمامة ومقاصدها، وأركانها وشرائطها والتي جُعل التمكين أساسها وعمادها، ولا شك أن ذكر ذلك في صدر البحث يعين على تصور المسألة ،ويبرز عظيم قد هذا الشرط فيها ، إذ لا تقوم الخلافة إلا به، ولا تدور إلا عليه ..


    ثم إنه لم يقتصر على إيراد ما يستدل به على موضوع رسالته “عدم اشتراط التمكين الكامل” ، بل أخذ ينقل من الأخبار والسير كل ما له صلة بالموضوع وما ليس له صلة ، حتى نقل من الأخبار ما لا يشترط التمكين أصلاً ؛ ولما أوردها ضخّم ألفاظها ووضع تحته خطوطاً، تنبيها عليها وإبرازاً لها، فهل يقول الشيخ بشرط التمكين أم لا يقول ؟!
    ومع أنه قد سلّم أن شرط التمكين محل وفاق بين الأئمة فقال: (وَلَا خِلَافَ فِي وُجُوبِ ذَلِكَ بَيْنَ الْأُمَّةِ وَلَا بَيْنَ الْأَئِمَّةِ إِلَّا مَا رُوِيَ عَنِ الْأَصَمِّ…) ا.هـ.
    ونقل عن القرطبي والطبري وغيرهما ما يصحح ذلك فقال: (قال الإمام القرطبي رحمه الله في قوله تعالى: (إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً): “هَذِهِ الْآيَةُ أَصْلٌ فِي نَصْبِ إِمَامٍ وَخَلِيفَةٍ يُسْمَعُ لَهُ وَيُطَاعُ، لِتَجْتَمِعَ بِهِ الْكَلِمَةُ، وَتَنْفُذَ بِهِ أَحْكَامُ الْخَلِيفَةِ). اهـ.
    ولن أعلق على كون ذلك متوفراً في تنظيم الدولة أم لا. فهذا قد كتب في ذلك غيري ..وإلا فكاتب هذه السطور وجميع أهل العلم الذين يقر لهم البنعلي بالعلم والفضل والمحبون للجهاد والمجاهدين من “الصديق” ولا يرون ذلك متوفراً في تنظيم الدولة ولا في غيرها من الفصائل ..وتعليقي محله كلام الشيخ في شرط التمكين الذي أرى أن فيه اضطراباً وخللاً فأردت فقط التنبيه على ذلك !!
    فما قرره من اتفاق الأئمة على اشتراط التمكين للخلافة هو الصواب المعتمد، إذ أن مقاصد الإمامة التي هي إقامة الدين وسياسة الدنيا لا تكون إلا بالتمكين والمنعة، فوجوبه تبعًا لوجوب مقاصده، والتمكين والشوكة لا تكون إلا بالبيعة والمنعة، واجتماع الأمر واستقراره، كما ذكر أهل العلم …


    - قال البنعلي: (ولكني أحسب أن التمكين الكامل على سائر ديار المسلمين ليس شرطَ صحة للخلافة بقدر ما هو شرط كمال. فإن المراد تحقق التمكين وإن كان جزئيًّا على بعض ديار المسلمين دون بعضها الآخر).اهـ.
    وأقول: ليست العبرة بالتمكين الكامل أو الناقص،فإن هذا لا ينضبط ! إنما العبرة بالتمكين الذي يحقق مقاصد الولاية الشرعية،ويُحصِّ ل الغاية التي شرعت من أجلها، وليس لتعدد البيعات دخل في هذا الموضوع؛ لأن التمكين حاصل لهم فيمن هو تحت ولايتهم !
    وجميع هذه النقولات التي نقلتها لا اختلاف عليها، فالمسألة مفروضة في أن هؤلاء الولاة لديهم من التمكين ما يمكنهم من تحصيل مقاصد الولاية، وعجزوا فقط عن تحصيل ذلك فيما بعُد عليهم من الأمصار لاتساع رقعة الإسلام .


    قال البنعلي: (وهذا كله في صحة إمامة الإمام وإن لم يكن متمكنًا من جميع ديار المسلمين لغلبة أئمة آخرين عليها، فكيف لو خلا الزمان من إمام غيره؟! أفلا تصح خلافته من باب أولى؟!). اهـ.


    هذا الكلام تجاوز لشرط التمكين موضوع الرسالة ! فخلو الزمان عن إمام جاءت به الأحاديث، وليس بمسوغ في ذاته لإعلان الخلافة أو الإمارة دون توفُّر شروطها وتحقيق مقاصدها !هذا إن لم يترتب عليها من المفاسد العظيمة كما نراه من شق الصف والتقاتل بين المجاهدين ...


    ثم قال: (ومن خالفنا في ذلك، واشترط تمكين الإمام من جميع ديار المسلمين لتصح خلافته، فيلزمه إبطال خلافة من دل الدليل والإجماع على صحة خلافته!). اهـ.
    أقول : لم يشترط أحد ضرورة التمكن من جميع ديار المسلمين لإعلان الخلافة، فهذا تسطيح للمسألة بادعاء اشتراط البعض حدها الأعلى لتجاوز حدها المطلوب وهو القدر الذي تتحصل به مقاصد الولاية والذي هو محل النزاع لا غيره !!
    فالخلاف في شرط التمكين، من حيث الأصل، هل هو حاصل أم لا ؟!
    وهل هو حاصل بما يحقق مقاصد الإمامة من حفظ الدين والقيام على مصالح الرعية أم لا ؟!
    قال البنعلي : ( فهذا أبو بكر الصديق رضي الله عنه وهو خليفة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بإجماع أهل الإسلام، ومع ذلك فإن خلافته لم تنقض بخروج سائر ديار الإسلام على سلطانه، وارتداد السواد الأعظم منها! )ا.هـ
    أقول : هذا احتجاج ساقط وقياس لا يصح !فدولة أبي بكر رضي الله عنه هي دولة النبي صلى الله عليه وسلم،وهي حينئذ المدينة دار الهجرة ودار الإسلام ،ولم تكن ثمة ولايات غيرها، بل كانت بلاد أهلها مسلمون ومشركون، وكانت الهجرة إلى دار الإسلام واجبة على أسلم منهم، فلما مات عليه الصلاة والسلام ارتد هؤلاء وبقيت دولة الإسلام كما هي بقيادتها وجيوشها ووزرائها، حتى إن أبا بكر قد أعد أحد عشر جيشاً ليوجهها إليهم ، فهل يصح قياس من هذا حاله على وضع جماعة الدولة ؟!
    والشيخ مع إقراره بهذا الشرط ابتداء أراه يحاول أن يتملص منه غير مرة بنقله من “الأخبار” ما يفيد عدم اشتراط التمكين أصلًا ، فقال:
    ( ولك أن تتأمل – مثلًا- في بدء قيام الدولة العباسية التي تُسمى بـ: “الخلافة”؛ قال الإمام علي بن محمد العمراني رحمه الله: “أول من بويع له منهم بالخلافة وهو مستتر خوفًا على نفسه من بني أمية: محمد الإمام، وهو محمد بن عليّ بن عبد الله بن العباس” ا.هـ. الإنباء في تاريخ الخلفاء 1/57) ا.هـ
    وأقول : هل هذه الصورة تنطبق عليها شروط التمكين الجزئي أو الكلي؟!
    قال شيخ الإسلام : (وهو أن النبي – صلى الله عليه وسلم – أمر بطاعة الأئمة الموجودين المعلومين الذين لهم سلطان يقدرون به على سياسة الناس لا بطاعة معدوم ولا مجهول، ولا من ليس له سلطان، ولا قدرة على شيء أصلا..)ا.هـ منهاج السنة 1/115
    ثم لماذا لم ينقل لنا الشيخ مآل هذا الإمام المستتر؟!
    ألم يذكر العمراني -رحمه الله- أنه لما علم بذلك مروان بن الحكم طلبه وسجنه حتى مات؟!
    ثم أتبعه ولده لما بويع له أيضًا حتى مات؟!
    قال العمراني في تتمة ما ذكره البنعلي: (وحين بويع محمد بالخلافة وانتشر أمره بخراسان وكان واليها نصر بن سيّار من قِبَل مروان الحمار، كتب إلى مروان:
    من مبلغ عنى الإمام الّذي … قام بأمر بيّن ساطع
    إني نذير لك من دولة … قام بها ذو رحم قاطع
    والثوب إن أنهج فيه البلى … أعيا على ذي الحيلة الصانع
    كنا نداريها فقد مزقت … واتسع الخرق على الراقع
    فحين قرأ مروان الأبيات وقّع إلى عامل الكوفة بتطلب محمد بن علي فوجده فقبض عليه ونفذه إلى مروان، فبقي في حبسه إلى أن مات، وكان قد قال للداعي وهو أبو مسلم: إن تمّ عليّ أمر فالأمر بعدي إلى ابني إبراهيم. فلما مات دخل أبو مسلم على إبراهيم بن محمد وهو مستتر بالكوفة فبايعه وبث الدعاة بخراسان، ولم يذكر اسمه خيفة من أن يتم عليه ما تمّ على أبيه. وإنما كان الدعاة يدعون إلى الإمام الهادي من آل محمد.
    ثم إن أصحاب الأخبار بالكوفة رفعوا إلى مروان خبر إبراهيم فنفذ إلى والي الكوفة يأمره بطلبه فتطلبه فوجده في بيت مستترًا فأخذه ونفذه إلى دمشق ومات أيضًا في حبس مروان) ا.هـ.
    فهل نحن بحاجة لمثل هذه البيعات، وهل يكفي أن أحدًا من أهل العلم لم يبدعهم حتى نتخذهم أئمة نقتدي بهم في أخطائهم؟!
    - وأرى أن الشيخ البنعلي تدرج به الحال في شرط التمكين حتى وصل به الأمر إلى عدم اعتباره بالكلية !!
    - ففي البداية أقر بوجوبه ونقل ما يفيد أنه محل اتفاق بين الأئمة كما سبق، ثم تنزَّل درجة وهي ما عنون به رسالته من أن التمكين الكامل ليس شرطًا في الخلافة، ثم تنزَّل درجة أخرى فتوصل إلى عدم اشتراط التمكين أصلًا في الخلافة بنقله السابق عن خلافة محمد بن علي المستتر ،والذي سجن وابنه وماتا في السجن، ثم انتهى به الحال إلى أن البيعة والخلافة أولى مراحل التمكين، فقلب الأمر رأسًا على عقب!
    وهذا الأخير توصل إليه لما نقل عن العمراني قوله فيمن بويع له بالخلافة كمحمد بن الحنفية والضحاك بن قيس بن خالد وعمرو بن سعيد بن العاص ثم قال: (وعلى الرغم من ذهاب أمر هؤلاء الرهط، وعدم استتباب الخلافة لهم، إلا أني لم أقف على من بدع صنيعهم من أهل العلم! وهذا يدلك على أن هذا “الصنيع” – أي البيعة وإعلان الخلافة -هو أول طرائق التمكين، والسبل الموصلة إليه). اهـ.
    فقلب الأمر وعكسه! فبدلًا من أن يجعل التمكين شرطًا في الإمامة كما أقر بذلك وعنون رسالته جعل الخلافة سببًا في التمكين وأول طرائق التوصل إليه!!
    وهذا اضطراب ظاهر !!
    مع الإشارة أن الإمام العمراني قد ذكر أيضاً في تتمة ما نقل الشيخ مقولة كنت أحب أن يذكرها الشيخ فهي متممة للمعنى الذي ندندن حوله حيث قال: (ولم يتم لواحد من هؤلاء أمر…).اهـ.
    فهذا يدلك على أن هذه البيعات لا قيمة لها من غير شرط التمكين والمنعة !!


    وليس بالضرورة أن يبدع هؤلاء على أفعالهم كي نجتنب ما قاموا به، بل يكفي كونها لم يترتب عليها مصلحة شرعية وأنها مخالفة في نفسها لأدلة وجوب السمع والطاعة للولاة الشرعيين في زمانهم ،فضلًا عما ترتب عليها من مفاسد إزهاق النفوس الزكية وسفك الدماء الطاهرة..
    ومع ذلك أيضاً لا يلزم أن يكونوا بغاة أو فسقة إذا كانوا مجتهدين متأولين !!
    وأختم بما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين وغيرهما من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إنما الإمام جنة يقاتل من ورائه ويتقى به ).
    قال النووي رحمه الله : ( الإمام جنة ) : أي كالستر لأنه يمنع العدو من أذى المسلمين ويمنع الناس بعضهم من بعض ويحمي بيضة الإسلام ، ويتقيه الناس ويخافون سطوته ) ا.هـ .
    وفي ظل هذا الحديث ،لا أظن أننا مهما تنزلنا مع الشيخ البنعلي في شرط التمكين ووصلنا به إلى أدنى درجاته، فلن يؤول الأمر بنا إلى قبول أن يكون الإمام “الممكن” عاجزاً عن حماية نفسه وأهله أو مستتراً متخفياً يسير أمر من حوله بالإشارات !!
    هذا، والله أعلم، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Oct 2007
    المشاركات
    17,333

    افتراضي

    اللهم انصر المجاهدين ومكن لهم

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •