ابن رشيق القيروانيبقلم -د. فالح الحجيةهو أبو علي الحسن بن رشيق الازدي المحمدي القيروانيولد بالمسيلة المعروفة بمدينة (المحمدية) التي تقع شرق الجزائر بجهة قسنطينة وهي حاليا عاصمة ولاية المسيلة وقيل ب (المهدية ) سنة \ 390 ثلاثمائة وتسعين هجرية - 1000 ميلادية واخذ تعليمه الاولي بها وتأدب بها ثم ارتحل منها يافعا إلى القيروان في تونس سنة \406 ست وأربعمائة هجرية .
كان والده مملوكا روميا من موالي الأزد لذا تسمى بالازدي وكان أبوه يعمل في بلدة ( المحمدية ) في مهنة الصياغة، فتعلم صنعة ابيه الاانه فضل الادب على الذهب فراح ينشد تعليمه في الشعر والادب واللغة .
قرأ القرآن الكريم الأدب ب(المحمدية) وبها قال الشعر في سن مبكرة . فقد بدأ في نظم الشعر قبل أن يبلغ الحلم، الا انه وجد في نفسه الرغبة الملحة لتعلم الشعر ودراسته فتاقت نفسه إلى التزود منه ودراسته وملاقاة أهل الشعر و الأدب والتتلمذ عليهم . .
وكانت العلوم والفنون قد تطورت في المغرب تطورا كبيرا وتركزت معظم الأنشطة الاجتماعية والعلمية والأدبية في مدينة القيروان . حيث كثرت الدواوين والمساجد وحلقات العلم والأدب ، وأدى التنافس بين الأدباء والشعراء إلى حركة فكرية وأدبية لم تر أفريقيا مثلها في عصر من عصور الدولة الإسلامية . فرحل شاعرنا إلى القيروان سنة اربعمائة وست وكان عمره ستة عشر عاما واشتهر كشاعر بها ونسب إليها فقيل ( القيرواني ) وكانت القيروان في ذلك الوقت عاصمة لدولة (بني زيري ) الصنهاجي، تعج بالعلماء والأدباء فدرس ابن رشيق والشعر واللغة والنحو والعروض والأدب والنقد والبلاغة على ايدي عدد من نوابغ عصره، فأخذ العلم عن محمد بن جعفر القزاز القيرواني ومحمد بن عبد العزيز بن أبي سهل الضرير وأبي إسحاق الحصري القيرواني. واشتهر وكانت بينه وبين أبي عبد الله محمد بن أبي سعيد بن أحمد المعروف بابن شرف القيرواني وقائع ومجاريات كثيرة ..
مدح ابن رشيق حاكم القيروان (المعز بن باديس) بقصائد حازت إعجابه وكانت سببا في تقريبه له ، ثم اتصل برئيس ديوان الإنشاء بالقيروان ، أبي الحسن علي بن أبي الرجال الكاتب ومدحه. ألف له كتابه الشهير ( العمدة في محاسن الشعر ونقده ) . وقد ولاه علي بن أبي الرجال شؤون الكتابة المتصـلة بالجيش. .
وبقي ابن رشيـق في القـيروان إلى أن زحفت عليها بعض القبائل العربية القادمة من المشرق فاحتلت القيروان وخربتها وقيل في رواية اخرى واحرقتها وذلك في شهر رمضان فقال في ذلك ابن رشيق :
فَتكُوا بأمَّة أحْمَد أتُراهُمُ
أمنُوا عقابَ الله في رمضَان
نقضُوا العُهودَ المبْرمَات وأخفرُوا
ذِمَمَ الإله ولمْ يَفُوا بضمَان
فاستحسنوا غَدْرَ الجِوار وآثَرُوا
سَبْيَ الحَريم وَكَشْفَةَ النِّسْوَان
سامُوهُم سُوء العذَاب وأظهَروا
مُتعسِّفين َ كوَامنَ الإضغان
والمسلمُون مُقسَّمُون تَنالُهُمْ
أيدي العُصاةِِ بذلَّةٍ وهَوان
فغادرها إلى مدينة (المهدية ) حيث أقام فترة في كنف أميرها ( تميم بن المعز) ومدحه ومما قال فيه :أصح و أقوى ما سمعناه في الندى
من الخبر المأثورِ منذ ُ قديمِأحاديثً ترويها السيولُ عنِ الحيا
عن البحرِ عن كفِ الأمير تميمِانتقل إلى جزيرة صقلية، واقام بمدينة ( مازرة ) ، وقد كان ابن شرف القيرواني قد سبقه إليها لما سمع عن كرم أميرها وكانت بين الأديبين الكبيرين ابن رشيق وابن شرف في مدينة القيروان مناقضات ومهاجاة أذكى نارها التنافس الأدبي بينهما والتفات حاكم القيروان الأمير ( المعز ) إلى هذ ا تارة وإلى ذاك أخرى فلما اجتمعا بصقلية تسامحا وأقاما بها زمنا ، ثم استنهض ابن شرف رفيقه على على السفر الى الأندلس ، فأنشد ه ابن رشيق قائلا :
مِمَا يُزهَدني في أرْضِ أندَلس
أسمــاء مـُقتدِرٍ فيها ومُعتضِدِ
ألقابُ سَلطَنةٍ في غيرِ مَملكَةٍ
كالهِرِّ يَحْكِي انتِفاخا ًصَوْلةَ الأسَدِ
فأجابه ابن شرف بديهة:
إن ترمِـكَ الغُربةُ في مَعْشَرٍ
قدْ جُبِلَ الطّبْعُ عَلى بُغْضِهِمْ
فَدَارِهِمْ مَا دُمْتَ فِي دَارِهِمْ
وَأرْضِهِم مَا دُمْتَ فِي أرْضِهِمْ
ولزم السكن في صقلية ان توفي في جزيرة صقلية بمدينة
( مازرة ) سنة\ 463 هجرية – 1071 ميلادية . ودفن فيها .
ابن رشيق اديب فاضل شاعر وناقد وبا حث اما رايه في
الشعر فيقول في عمدته :
(الشعر يقوم بعد النية من أربعة أشياء، وهي: اللفظ، والوزن، والمعنى، والقافية، فهذا هو حد الشعر؛ لأن من الكلام موزوناً مقفى وليس بشعر؛ لعدم القصد والنية، كأشياء اتزنت من القرآن، ومن كلام النبي صلى الله عليه وسلم، وغير ذلك مما لم يطلق عليه أنه شعر، والمتزن:
ما عرض على الوزن فقبله، فكأن الفعل صار له ، ولهذه العلة سمي ما جرى هذا المجرى من الأفعال فعل مطاوعة، هذا هو الصحيح، وعند طائفة من أصحاب الجدل أن المنفعل والمفتعل لا فاعل لهما، نحو: شويت اللحم فهو منشوٍ ومشتوٍ، وبنيت الحائط فهو منبنٍ، ووزنت الدينار فهو متزن، وهذا محال لا يصح مثله في العقول، وهو يؤدي إلى ما لا حاجة لنا به، ومعاذ الله أن يكون مراد القوم في ذلك إلا المجاز والاتساع، وإلا فليس هذا مما يغلط فيه من رق ذهنه )ابن رشيق شاعر وناقد ولغوي بارع قال الشعر في كل فنونه واجاد فيها فجاء شعره في اعلى المراتب واسبكها فمن شعره في الغزل يقول :
وَمُهَفْهَفٍ يَحْميهِ عَنْ نَظَرِ کلْوَرَى
غيرانُ سكنَى المُلكِ تحتَ قِبابِهِ
أَوْما إِلَيَّ أَنِ کئْتِني فأَتَيْتُهُ
والفجرُ يرمُقُ منْ خِلالِ نِقابهِ
وَضَمَمْتُهُ لِلصَّدْرِ حَتَّى اسْتَوْهَبَتْ
مِنِّي ثِيابي بَعْضَ طِيْبِ ثِيابِهِ
فَلَثَمْتُ خَدًّا مِنْهُ ضَرَّمَ لَوْعَتي
وَجعَلتُ أُطفي حَرَّها بِرضابِهِ
فَكَأَنَّ قَلْبي مِنْ وَراءِ ضُلوعِهِ
طَرباً يُخَبِّرُ قَلبَهُ عَمَّا بِهِ
وفي الرثاء يقول :
سَقَى اللهُ أَرْضَ الْقَيْرَوانِ وَقَبْرَهُ
فَفيها ثَوى شَخْصٌ عَلَيَّ عَزيزُ
تَرى أَنَّني بالْقُرْبِ مَّمنْ أُحِبُّهُ
عَلى بُعْدِ ما بَيْنَ الدّ ِيارِ أَفُوزُ
وَإِنْ كانَ إِدْراكُ المُحِبيِّنَ بَغْتَةً
عَلأى مَذْهَبِ الأَيّامِ لَيْسَ يَجوزُ
وفي الحكمة يقول :
إذا كنت تهوى اكتساب الثناء
و لا تنفق المالَ خوفَ العدمْ
فأنت كعذراءَ رعبوبةٍ
تُحبُ النكاح و تخشى الألم
ويقول ايضا :خَليلَيَّ هَلْ لِلْمُزْنِ مُقْلَةُ عاشِقٍ
أ َمْ النَّارُ في أَحْشائِها وَهْيَ لا تَدْري
سَحابٌ حَكَتْ ثَكْلى أُصِيبَت بِواحِدٍ
فَعاجَتْ لَهُ نَحْوَ الرِّياضِ على قَبْرِ
تَرَقْرَقُ دَمْعاً في خُدودٍ تَوَشَّحَتْ
مَطارِفُها بالْبَرْقِ طِرزاً مِنَ التِّبْرِ
ويقول في الوصف:و كأن الأشجارَ في حُللِ الأنوار
و الغيثُ دمعُهُ غيرُ راقِ
غانياتٍ رششنً من ماءِ ورد
وجناتِ الوجوهِ في الأطواقِ
ويقول ايضا:حجت إلى وجهك أبصارنا
طائعة يا كعبةَ الحسنِ
تمسحُ خالاً منك في وجنةٍ
كالحجرِ الأسودِ في الركنِ
وكان يتجنب ركوب البحر فلما امره الامير بذلك اعتذر له فقال :أمرتني بركوب البحرِ في عجلٍ
غيري فديتك فاخصصه بذي الراءِ
ما انت نوحٌ فتنجيني سفينته
و لا المسيحُ أنا أمشي على الماءِ
ابن رشيق عالم واديب الف تصانيف كثيرة وقد كتب العديد
من الكتب المهمة اشتهر منها :
1- كتاب العمدة في معرفة صناعة الشعر ونقده وعيوبه في محاسن الشعر ونقده وآدابه الذي سبق ذكره. ويحتوي على خلاصة آراء النقاد الذين سبقوه في النقد الأدبي كما يحتوي على موضوعات أدبية مهمة. ويعتبر اهمها ومرجعا من مراجع العربية في النقد الادبي
2- كتاب الأنموذج والرسائل الفائقة والنظم الجيد
3- كتاب قُُرَاضَة الذهب في نقد أشعار العرب
4- الشذوذ في اللغة
5- أنموذج الزمان في شعراء القيروان
6- ديوان شعر
7 - ميزان العمل في تاريخ الدول
8- شرح موطأ مالك
9 - الروضة الموشية في شعراء المهدية)
10- تاريخ القيروان
11- المساوي في السرقات الشعرية.واختم بحثي بهذه الابيات الرائعة له :
وَأَرَى الثَّرى والمَاءَ حَوْلَكَ حُمَّلا
مَا لا يَقُومُ لَهُ الثَّرَى والمَاءُ
لَمْ يَبْقَ مِنْ طُرَفِ الْعِراقِ وَغَيْرِهِ
شَيْءٌ يَرُوقُ الْعَيْنَ مِنْهُ رُوَاءُ
حَتَّى كأَنَّ الشَّرْقَ أَعْمَلَ فكْرَهُ
في أَنْ حَوَتْهُ يَمِينُكَ الْبَيْضاءُ
وَأَتَتْكَ مِنْ كَسْبِ المُلوكِ زَرافَةٌ
شَتَّى الصِّفاتِ لِكَوْنِها أَنْباءُ
جَمَعَتْ مَحاسِنَ ما حَكَتْ فَتَنافَسَتْ
فِي خَلْقِها وتَنَافَتِ الأَعْضاءُ
تَحْتَثها بَيْنَ الْحَوَاني مِشْيَةٌ
بادٍ عَلَيْها الْكِبْرُ وَالْغُلَوَاءُوَتَمُدُّ جِيداً في الْهَواءِ يَزِينُها
فَكَأَنَّهُ تَحْتَ اللِّوَاءِ لِوَاءُ
حُطَّتْ مَآخِرُها وَأشْرَفَ صَدْرُها
حَتَّى كَأَنَّ وُقُوفَها إِقْعاءُ
وَكَأَنَّ فِهْرَ الطَّيبِ ما رَجَمَتْ بِهِ
وَجْهَ الثَّرَى لَوْ لُمَّتِ اْلأَجْزاءُ
وَتَخَيَّرَتْ دُونَ المَلابِسِ حُلَّةً
عُنِيَتْ بِصَنْعَةِ مِثْلِها صَنْعاءُ
لَوْناً كَلَونِ الدَّبْلِ إِلاَّ أَنَّهُ
حَلْيٌ وَجَزَّعَ بَعْضَهُ الَحْلاَّءُ
أَوْ كَالسَّحابِ الْمُكْفَهِرَّة ِ خُيَّطَتْ
فِيها الْبُرُوقُ وَشَقُّها إيَماءُ
أَوْ مِثْلَ ما صَدِئَتْ صَفائِحُ جَوْشَ
وَجَرَى على حافاتِهِنَّ جِلاءُ
نِعْمَ التَّجافِيفُ الَّتي ادَّرَعَتْ بِهِ
مِنْ جِلْدِهَا لَوْ كانَ فِيهِ وِقاءُ
وَسَوَابِقٌ مِثْلُ االبُرُوقِ لَواحِقٌ
بَلْ عِنْدَها أَنَّ الْبُرُوقَ بِطاءُ
جُرْدٌ يَقَعْنَ عَلى الصَّفا فَيُثِرْنَهُ
وَكأَنَّهُنَّ عَلى الثَّرَى أَنْداءُ
مَكْسُوَّةُ الصَّهَوَاتِ كُلَّ مْكَلَّلٍ
لا يَنْتَهيهِ بِقيمَةٍ إِحْصاء
يَلْمَعْنَ مِنْ أَكْتافِهِنَّ كَأَنْجُمٍ زُهْرٍ
تَوَلَّتْ صَقْلَها الأْنْواء
والمُذْهَباتُ مِنَ الَخْوافِقِ بَعْضُها
لَيْثٌ أَزَلُّ وَلَقْوَةٌ فَتْخَاء
عَذَبٌ كأَلْسِنَةِ الْبُرُوقِ تَلَمَّظَتْ
لَيْلاً بِهِنَّ الدِّيمَة ُ الْوَطْفاء
كادَتْ يُنالُ بِها السَّماء تَطاوُلاً
قَصَبُ النُّضارِ وَلَنْ يُنالَ سَماء
وَالبُخْتُ مُوقَرَةُ الظَّهْورِ لِبَعْضِها
تَحْتَ القِبابِ تَخَمُّطٌ وَرُغَاء
مِنْ كُلِّ واحِدَةٍ تَرِفُّ بِهَوْدَجٍ
كادَتْ تُقَبِّل ُ رَأْسَها الَجْوْزَاءُ
كُسِيَتْ جَلالِيبَ النَّسيجِ كَأَنَّما
نُشِرَتْ عَلَيْها رَوْضَةٌ زَهْراء
فِيهِنَّ أَمْثالُ الظِّباءِ أَوَانِسٌ
وَمِنَ الأَنِيسِ جَآذِرٌ وَظِباء
بِيضٌ يُباشِرْنَ الَحْرِيرَ بِمِثْلِهِ
وَلَهُ عَلى أَبْشارِهِنَّ جُسَاء
فِيها القِيانُ الْمُلْهِياتُ كَأَنَّما
أَلحْانُهُنَّ عَلى الْمُعِزِّ ثَنَاء
يُصْحِيكَ مِنْ سُكْرِ الْمُدَامِ سَماعُها
وَبِهِ تُصَرِّعُ لُبَّها الندَماء
لَوْ غَنَّتِ الصَّمَّانَ وَهْوَ كَلَفْظْهِ
جَبَلٌ أَصَمُّ يبَدَا لَه ُ إِصْغاء
ورَوَاقصٌ هِيْفُ الُخْصُورِ كأنَّما
حَرَكاتُهُنَّ على الْغِناء غِناء
لَوْ أَنّ َ مَوْطِئَهُنَّ مُقْلَةُ أَرْمَدٍ
لَمْ يَشْكُ أَنَّ نِعالَهُنَّ حفاء
وَمُدَبَّبات لَوْ لُبِسْنَ لَدَى الْوَغَى
ما كانَ فِيهَا للْحَدِيدِ مَضاء
يَتَلَهَّبُ الإِبْرِيزُ فيها حَيْثُ لا
يُخْشَى لِماءِ فِرِنْدِهَا إطْفاء
وَمِنَ الْقَواضِبِ كُلُّ أَبْيَضَ صَارِمٍ
لا يُسْتَهَالُ بِمِثْلِهِ الأَعْداء
سَبَقَ الدِّماءَ إلى النفُوسِ فَفاتَها
وَمَضَى وَلَيْسَ بِشَفِر َتَيْهِ دِماء
مِمَّا تَخَيَّرَهُ لِلُبْسِك َ تُبَّعٌ
وَأَحَقُّ مَنْ وَرِثَ الأَبَ الأْبناء
مُتَقَلِّداً منْهُنَّ كُلَّ مُجَوْهَرٍ
نَصْلاً وَغِمْداً حِلْيَتَاهُ سَواَء
وَكَأَنَّما ضَحِكَتْ ثُغورٌ أَوْ بَكَتْ
فيها عُيُونٌ دَمْعُهُنَّ رِواء
امير البيــــــان العربي
د.فالح نصيف الحجية الكيلاني
العراق- ديالى - بلدروز***********************