تقديم الموت على الحياة
تقوم اللغة على الاحتياج المعنوي والأهمية المعنوية ، والإنسان يتحدث بمستويات متعددة تحت رعاية الاحتياج المعنوي غالبا واللفظي نادرا مع علامات أمن اللبس ليكون بعيدا عن اللبس والتناقض وهو غاية كل لغة من لغات العالم كما هو الحال في قوله تعالى:"*
تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ*الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ*وفي هذه الآيات الكريمة عدة أمور:
الأول :الحياة متقدمة على الموت ، ولكن الآيات الكريمة جاءت بتقديم الموت على الحياة ، عدولا عن الأصل لأن الآية الكريمة مسبوقة بالحديث عن الملك والقوة والقدرة ، والموت إلى القهر والقوة أقرب ، ولهذا تقدم الموت ليتصل بحسب الأهمية المعنوية مع ما قبله ، قال قتادة : كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : " إن الله تعالى أذل بني آدم بالموت ، وجعل الدنيا دار حياة ثم دار موت ، وجعل الآخرة دار جزاء ثم دار بقاء " ، وعن أبي الدرداء أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " لولا ثلاث ما طأطأ ابن آدم رأسه : الفقر والمرض والموت ، وإنه مع ذلك لوثاب".
الثاني:تأخير الحياة لتتصل مع قوله تعالى :"*ليبلوكم أيكم أحسن عملا *والاختبار يكون في الحياة الدنيا .
الثالث:تقديم العزيز على الغفور لأن الآيات بدأت بالملك والقدرة والقوة وهذا بحاجة إلى العزة والعظمة ،واختتمت الآيات بالعمل والاختبار وهذا بحاجة إلى المغفرة ، وفواصل الآيات الكريمة تتناسب مع المضمون ،وبينهما احتياج معنوي .
وبهذا يتضح أن اللغة تقوم على الاحتياج المعنوي ،وأن الإنسان يتحدث بمستويات تحت رعاية الاحتياج المعنوي وعلامات أمن اللبس ،وأن الإنسان يتحدث بحسب الأهمية المعنوية في الأصل وفي العدول عن الأصل .