متى يحل جماع المرأة الحائض :
دلَّ قوله - تعالى -: ﴿ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ ﴾ [البقرة: 222] على جواز جماع الحائض إذا طهُرَت ، ولكن اختلف العلماء في المقصود بالطهر على أقوال :
القول الأول : المراد به انقطاع الدم .
القول الثاني : المراد به التطهر بالماء ؛ قال به مالك والشافعي .
القول الثالث : المراد به انقطاع الدم ، ولكن تتوضأ قبل الجماع ؛ قال به عكرمة وطاوس ومجاهد . أجاب ابن حجر بضعف نسبة الكلام إليهم.
القول الرابع : المراد به انقطاع الدم ، ولكن تغسل فَرْجَها ؛ قاله ابن حزم .
وقد أوضح ابن رشد سبب الخلاف في هذه المسألة ؛ حيث قال : (وسبب اختلافِهم الاحتمالُ الذي في قوله - تعالى -: ﴿ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ ﴾ [البقرة: 222]، هل المراد به الطهر الذي هو انقطاع دم الحيض أم الطهر بالماء ؟ ثم إن كان الطهر بالماء ، فهل المراد به طهر جميع الجسد أم طهر الفرج ؟ فإن الطهر في كلام العرب وعرف الشرع اسمٌ مشترك يقال على هذه الثلاثة المعاني .
وقد رجَّح الجمهور مذهبَهم بأن صيغة التفعُّل إنما تنطلق على ما يكون من فعل المكلفين ، لا على ما يكون من فعل غيرهم ، فيكون قولُه - تعالى -: ﴿ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ ﴾ أظهرَ في معنى الغسل بالماء منه في الطهر الذي هو انقطاع الدم ، والأظهر يجب المصير إليه حتى يدلَّ الدليل على خلافه ، ورجَّح أبو حنيفة مذهبه بأن لفظ يَفعُلْن في قوله - تعالى -: ﴿ حَتَّى يَطْهُرْنَ ﴾ هو أظهرُ في الطهر الذي هو انقطاع دم الحيض منه في التطهر بالماء) . بداية المجتهد 1/188.
قلت (أبو البراء) : وعليه فالراجح قول الجمهور ؛ لظاهر الآية الدالة على أن المراد بالتطهر هو التطهر بالماء ، وهو الغسل ؛ لذلك ذكر في الآية طُهْرَينِ :
الأول : قوله - تعالى -: ﴿ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ ﴾ [البقرة: 222]، وهو انقطاع دم الحيض .
والثاني : قوله: ﴿ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ ﴾ [البقرة: 222]، فالظاهر أنه الغسل؛ لذا ختم الله الآياتِ بمدح المتطهِّرين في قوله: ﴿ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِي نَ ﴾ [البقرة: 222] . انظر: فتح الباري 1/393، وروائع البيان 1/302.