لِمَنْ نكتُبُ؟!
بقلم: أسرة التحرير
. . . سؤالٌ يَرِدُ كثيراً على البال، ويسنحُ أكثرَ في الخيال:
لِمَنْ نكتُب؟!
ولِمَنْ نبذُلُ ونجمع؟!
هل نكتُبُ لمتعصِّبٍ جَلْدٍ؛ لا يصلُحُ معه الحقُّ؟!
أم نكتُبُ لمتربّصٍ مُتَرَصِّدٍ؛ يتصيَّد الهفوة، وينتظرُ الزَّلَّة؟!
أم نكتب لِمُتَكثِّرٍ؛ لا يبغي الجَدّ، وإنّما يبتغي محضَ العدّ؟!
أم نكتب لأعمى بصيرةٍ؛ لا يُرضي إلا هواه -ولو في مخالفةِ مولاها-؟!
أم نكتبُ لمُجرَّدِ الكتابةِ، مِن غير هَدَفٍ، وبلا خُطَّة؟!
أم نكتُبُ تفريغاً لشهوةٍ قد لا ينجو منها مُجاهدٌ هواه؟!
وبخاصّةٍ في هذا الزَّمَنِ -الآخِر- الذي ابتُلي بنا؛ وقد وقَعَ فيه ما أَخْبَرَ بهِ النبيُّ -صلى الله عليه وسلم-: «بين يَدَي الساعة . . . فُشُوُّ القَلَم . . »(1)، أي: الكتابة!
. . . الواجبُ الحَتْم –الذي لا ينبغي أن يُوجَد سواه- أن نكتب:
إِرْضاءاً لِله -سبحانه وتعالى- .. .
ونَشْراً لسنّةِ رسولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- . . .
وإِنْقاذاً لِمَنْ ضلَّ السَّبيل . . .
وتَثْبيتاً لِمَنْ سَلَكَ الجادَّة . . .
وتحفِيزاً على العلمِ، والتعلُّم، والتعليمِ . . .
وكَسْراً للبدعةِ ومبتدعِيها . . .
أمّا:
لِمَن نكتبُ؟!
فإنّنا نكتب -كما قال الإمامُ العلامة محمد بن إبراهيم الوزير اليماني-: «لمن صُنِّفتْ لهمُ التصانيف، وعُنِيت بِهدايتهم العلماءُ، وهم مَنْ جَمَعَ خمسةَ أوصاف؛ معظمها:
الإخلاصُ.
والفهمُ.
والإنصافُ.
ورابعها -وهو أقلُّها وجوداً في هذه الأعصار- الحرصُ على معرفةِ الحقِّ من أقوال المُخْتَلِفين، وشِدَّةُ الداعي إلى ذلك، الحامِلِ على الصَّبر والطلب كثيراً، وبَذْلِ الجهد في النظر على الإنصاف.
ومفارقةُ العوائدِ، وطلبُ الأوابدِ . . .».
أمّا (أولئك) -مِن متعصِّبٍ، أو متربِّصٍ، أو مُتَكَثِّرٍ، أو أعمى!- فإنّنا على هدايتهم لَحريصون، ولِسَداد أمرِهم راغِبون، ولاستقامتِهم عاملون . . .
فإن لم يُجْدِ هذا مَعَ أَمْثَلِهم -فضلاً عمّن دونه منهم-؛ فنقولُ كما قال -تعالى-: {فَلاَ تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ}[فاطر:8] ، وقوله:{فَلَعَلَّ كَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِن لَّمْ يُؤْمِنُواْ بِهَـذَا الْحَدِيثِ أَسَفاً } [الكهف:6].
وقال الأوَّلُون:
. . . . . . . . .
فَدَعْهُ ولا تُكْثِر عليه التَّأسُّفا!
وإنّا للهِ وإنّا إليه راجعون . . .
ـــــــــــ
(1) انظر «السلسلة الصحيحة» (2767)، و«صحيح الأدب المفرد» (1049) -كلاهما لشيخنا الإمام الألباني -رحمه الله-.
الغزي الأثري