تبادل التقديم بين الغفور والرحيم
تبادل الأهمية المعنوية بين الغفور والرحيم
تقوم اللغة على الاحتياج المعنوي والأهمية المعنوية ، والإنسان يتحدث بمستويات متعددة وبلغات متعددة ،تحت رعاية الاحتياج المعنوي غالبا واللفظي نادرا مع علامات أمن اللبس ليكون بعيدا عن اللبس والتناقض وهو غاية كل لغة من لغات العالم كما هو الحال في تقديم "الغفور" على "الرحيم" في القرآن الكريم كله ،إلا في موضع واحد ، وهذا أولى بالطبع لأن المغفرة سلامة والرحمة غنيمة والسلامة تُطلب قبل الغنيمة ، وفي الحديث الشريف أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لعمرو بن العاص :أبعثك وجها يُسلمك الله فيه ويُغنمك وأرغب لك رغبة من المال" وهذا من الترتيب البديع فقد بدأ بالسلامة قبل الغنيمة وبالغنيمة قبل الكسب" ،ونحن نستخدم هذا في حياتنا اليومية ،فنقول للمسافر:ردَّك الله سالما غانما ، فنقدم الأهم على الأقل أهمية ، وأما تقديم "الغفور" على "الرحيم " في موضع واحد وهو أول سبأ ،حيث يقول تعالى:"يعلم ما يلج في الأرض وما يخرج منها وما ينزل من السماء وما يعرج فيها وهو الرحيم الغفور"فقد قدم "الرحيم" على "الغفور" في هذا الموضع لتقدم صفة العلم فحسن ذكر الرحيم بعده ليقترن به فيطابق قوله:"ربنا وسعت كل شيء رحمة وعلما" ثم ختم الآية بذكر صفة المغفرة لتضمنها دفع الشر وتضمن ما قبلها جلب الخير ، ولما كان دفع الشر مقدما على جلب الخير قدم اسم "الغفور" على "الرحيم" حيث وقع ،ولما كان في هذا الموضع تعارض يقتضي تقديم اسمه "الرحيم" لأجل ما قبله قدم على "الغفور"،والمتقد م في المنزلة والمكانة متقدم في الموقع والمتأخر في المنزلة والمكانة متأخر في الموقع كذلك .وبهذا يتضح أن اللغة تقوم على الأهمية المعنوية في الأصل وفي العدول عن الأصل ، وأن الإنسان يتحدث بمستويات تحت رعاية الاحتياج المعنوي وعلامات أمن اللبس(1)
==========================
(1)ابن القيم - بدائع الفوائد-ج1 ص79-80 بتصرف