الداعية بين القضاء والقدر
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم
وبعد ،
عن أبي بن كعب رضي الله عنه قال له النبي صلى الله عليه وسلم :
" .....ولو أنفقت مثل أحد ذهبا في سبيل الله ما قبله منك حتى تؤمن بالقدر – فتعلم أن ما أصابك لم يكن ليخطئك ، وما أخطأك لم يكن ليصيبك......" رواه أحمد وصححه الألباني
عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إن أول ما خلق الله تعالى القلم فقال له : اكتب قال : ما أكتب ؟ قال : اكتب القدر ما كان وماهو كائن إلى الأبد " رواه الترمذي وصححه الألباني .
من أساسيات وأولويات العقيدة عند المسلمين ، وركن ركين من أركان الإيمان هو ركن الإيمان بالقضاء والقدر خيره وشره حلوه ومره .
الإيمان بالقدر هو عمود التوحيد العملي الذي به تصدق باقي الأركان ، فلن يكمل توحيدك وإيمانك إلا به .
ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن ، والله علم ما كان ، وما هو كائن ، وما سيكون ، وما هو لم يكن لو كان كيف سيكون . إليه يرجع الأمر كله .
الخوض في الكلام في القدر بدعة، قال النبي صلى الله عليه وسلم :
" إذا ذكر أصحابي فأمسكوا ، وإذا ذكر النجوم فأمسكوا ، وإذا ذكر القدر فأمسكوا " رواه الطبراني
الإيمان بالقدر يريح الإنسان من حمل الهم والغم والحزن والكآبة .
وبالتالي فالمؤمن بالقدر تجده هنيء البال طيب النفس مستقر .
لخص أحد العلماء القدر فقال :
" من لم يؤمن بقضاء الله فقد كفر ، ومن حمل ذنبه على الله فقد فجر ، والله تعالى لا يطاع استكراها ، ولا يعصى بغلبة، لأنه مالك لما ملكهم ، وقدر على ما أقدرهم .
فإن عملوا بالطاعة لم يَحُل بينهم وبين ما عملوا ، وإن عملوا بالمعصية فليس هو الذي أجبرهم على ذلك ، ولو أجبر الخلق على الطاعة لأسقط الثواب ، ولو أجبرهم على المعصية لأسقط العقاب ، ولو أهملهم كان ذلك عجزا في القدرة ، فإن عملوا بالطاعة فله المنة عليهم ، وإن عملوا بالمعصية فله الحجة عليهم "
قال الطحاوي رحمه الله "وكل ميسر لما خلق له ، والسعيد من سعد بقضاء الله ،والشقي من شقي بقضاء الله "
قال صلى الله عليه وسلم "الدعاء يرد القضاء"،" ولا يرد القدر إلا الدعاء" ،"ولا يغني حذر من قدر ، والدعاء ينفع مما نزل ومما لم ينزل" .
أخي الداعية :
الكون تحت السيطرة ، فلا يحزنك قولهم ، ولا فعلهم ،"ولو شاء ربك ما فعلوه فذرهم وما يفترون"
الداعية مطمئن النفس ، يرسل من بين شفتيه رسائل التفاؤل والبشر والأمل ، فهو كهف المظلومين ،ومأوى لشكوى المتألمين ،
يرسم للجرحى طريق العلاج ، ويدل العطاشى موضع السقاء ، ويواسي المكلومين .
أخي الداعية: إن المأوى والكهف ورد القضاء ورفع الضيق بين كفيك ، كيف هذا ؟
" فلولا إذ جاءهم بأسنا تضرعوا " ارفع يديك للسماء واخفض رأسك واطلب بذل وانكسار ، فأنت تعلم الناس الأمل وطريق الأمل في الدعاء، فالداعية يعيش بالدعاء لا يتكلم جملة إلا بها دعاء إذا خلا في ذكر ودعاء ، مع الناس كلامه مملوء بالدعاء ، حياته كلها دعاء لأنه يخاف " ولكن قست قلوبهم " فالمحن لا ترد إلا بالدعاء .
فهذا طريق الدعاة مع القدر ، الدعاة يصنعون أقدارهم بألسنة كثيرة الإلحاح وبأيدي دائما ممدودة للفتاح ، وبقلوب منكسرة تأمل بالبشر والفلاح .
وهذه فرصة لا تأتي للغافلين أن يكون لسانك رطبا بذكر الله لرد القدر والقضاء .
فهذا المطمئن ليس باردا ولا يشعر بما حوله، لا ولكنه وقر الإيمان بالقدر في قلبه فلا يبكي على دنيا ولا يحزنه الألم ؛ لأنه يتربع على عرش قلبه الإيمان بالقدر ،
ولذلك باستطاعته رد القدر برفع يديه فدائما في خلواته ومع الناس " اللهم " لا تفارق لسانه ولا قلبه .
فاللهم فرج كرب المكروبين ونفث الهم عن المهمومين "
وصل اللهم على محمد وآله وسلم
وآخر دعوانا الحمد لله رب العالمين .
عادل الغرياني