هذا القسم يشمل أنواعًا كثيرة، أجمعها فيما يلي:
أ- التوسُّل إلى الله تعالى بأسمائه وصفاته؛ كما قال تعالى: ﴿ وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا ﴾ [الأعراف: 180].
وذلك بأن يدعو الله تعالى بأسمائه كلها؛ كأن يقول: اللهم إني أسألك بأسمائك الحسنى، أن تغفِر لي، أو أن يدعو الله تعالى باسم معيَّن من أسمائه تعالى، يُناسب ما يدعو له؛ كأن يقول: اللهم يا رحمن، ارْحَمني، أو أن يقول: اللهم إني أسألك بأنَّك أنت الرحمن الرحيم، أن ترحمني، أو أن يدعو الله تعالى بجميع صفاته؛ كأن يقول: اللهم إني أسألك بصفاتك العُليا أن تَرزقني رزقًا حلالاً، أو أن يدعوه بصفة واحدة من صفاته تعالى، تُناسب ما يدعو به؛ كأن يقول: اللهم إنَّك عفوٌّ تحب العفو، فاعفُ عني، أو يقول مثلاً: اللهمَّ انصُرنا على القوم الكافرين؛ إنك قوي عزيز.
ب- الثناء على الله تعالى والصلاة على نبيِّه محمد - صلى الله عليه وسلم - في بداية الدعاء؛ لِما ثبت عن فضالة بن عبيد عن النبي أنه سمِع رجلاً يدعو في صلاته، لم يَحمَد الله، ولم يصلِّ على النبي، فقال: ((عَجِل هذا))، ثم دعاه، فقال له: ((إذا صلَّى أحدكم، فليَبدأ بتمجيد الله والثناء عليه، ثم ليُصلِّ على النبي، ثم ليَدْعُ ما يشاء))، قال: وسمِع رسول الله رجلاً يصلي، فمجَّد الله وحمِده، وصلَّى على نبيِّه - صلى الله عليه وسلم - فقال - عليه الصلاة والسلام -: ((ادعُ، تُجَبْ، وسَلْ تُعْطَ))؛ صحَّحه العدوي، وأخرَجه أبو داود (1481)، الترمذي (3477) واللفظ له، وغيرهم.
ومن ذلك أن يُثني على الله تعالى بكلمة التوحيد: "لا إله إلا الله"، التي هي أعظم الثناء على الله تعالى؛ كما توسَّل بها يونس - عليه السلام - في بطن الحوت، ثم يصلي على النبي، فيقول في توسُّله مثلاً: "لا إله إلا الله، اللهمَّ صلِّ على محمد، اللهم اغفِر لي".ومن ذلك سورة الفاتحة، فشَطرها الأول ثناءٌ على الله تعالى، وآخرها دعاءٌ.
ج- التوسُّل إلى الله تعالى بذِكره وحده - جلَّ وعلا - كما في قوله تعالى: ﴿ رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدْتَنَا عَلَى رُسُلِكَ ﴾ [آل عمران: 194]، ومنه أن يقول الداعي: اللهم إنك وعَدت مَن دعاك بالإجابة، فاستجِب دعائي.
د- التوسُّل إلى الله تعالى بأفعاله - جلَّ وعلا - كأن يقول: اللهم يا مَن نصَرت محمدًا يوم بدرٍ، انصُرنا على القوم الكافرين.
هـ- أن يتوسَّل العبد إلى الله تعالى بعباداته القلبية أو الفعلية، أو القولية أو غيرها؛ كما قال تعالى: ﴿ إِنَّهُ كَانَ فَرِيقٌ مِنْ عِبَادِي يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا ﴾ [المؤمنون: 109].
وكما في قصة أصحاب الغار، فأحدهم توسَّل إلى الله تعالى ببرِّه لوالديه، والثاني توسَّل إلى الله تعالى بإعطاء الأجير أجرَه كاملاً بعد تَنميته له، والثالث توسَّل إلى الله تعالى بتَرْكه الفاحشة، وقال كل واحدٍ منهم في آخر دعائه: "اللهمَّ إن كنتُ فعلتُ ذلك ابتغاءَ وجهك، ففَرِّج عنَّا ما نحن فيه"؛ البخاري (4650)، مسلم (2743)، ومن ذلك أن يقول الداعي: "اللهمَّ إني أسألك بمحبَّتي لك، ولنبيِّك محمدٍ، ولجميع رُسلك وأَوليائك - أن تُنجِّني من النار"، أو يقول: "اللهمَّ إني صُمت رمضان ابتغاءَ وجهك، فارزُقني السعادة في الدنيا والآخرة".
و- أن يتوسَّل إلى الله تعالى بذِكر حاله، وأنه يحتاج إلى رحمة الله وعونه؛ كما دَعا موسى - عليه السلام -: ﴿ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ ﴾ [القصص: 24].
فهو - عليه السلام - توسَّل إلى ربه - جلَّ وعلا - باحتياجه للخير، أن يُنزل عليه خيرًا، ومن ذلك قول الداعي: "اللهمَّ إني ضعيف لا أتحمَّل عذاب القبر ولا عذابَ جهنم، فأنْجِني منهما، اللهم إني قد آلَمني المرض، فاشْفِني منه".
ويدخل في ذلك: الاعتراف بالذنب وإظهار الحاجة إلى رحمة الله ومغفرته؛ كما قال تعالى: ﴿ رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ ﴾ [الأعراف: 23].
ز- التوسُّل بدعاء الصالحين؛ رجاء أن يَستجيب الله دعاءهم، وذلك بأن يطلب من مسلم حاضرٍ أن يدعو له؛ كما في قول أبناء يعقوب - عليه السلام - له: ﴿ قَالُوا يَا أَبَانَا اسْتَغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا إِنَّا كُنَّا خَاطِئِينَ ﴾ [يوسف: 97].
وكما في قصة الأعرابي الذي طلَب من النبي - عليه الصلاة السلام - أن يدعو له بنزول المطر، فدعا النبي؛ أخرجه البخاري (1933)، وكما في قصة المرأة التي طلَبت منه - عليه الصلاة والسلام - أن يدعو الله لها بألاَّ تتكشَّف؛ البخاري (5652)، مسلم (1576)، وكما طلب عمر ومعه الصحابة في عهد عمر من العباس أن يَستسقي لهم؛ أي: أن يدعو لهم بنزول المطر؛ البخاري (1010)، (3710).
فهذه التوسُّلات كلها صحيحة؛ لأنه قد ثبت في النصوص ما يدلُّ على مشروعيَّتها، وأجمَع أهل العلم على ذلك؛ نقلاً عن كتاب "تسهيل العقيدة الإسلامية"؛ للشيخ الجبرين؛ تحقيق الشيخ العدوي، ص (175)، (176).
رابط الموضوع: http://www.alukah.net/sharia/0/46303/#ixzz3BxK9djQd