بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وعلى ال محمد كما باركت على ابراهيم وعلى ال ابراهيم وبارك على محمد وعلى ال محمد كما باركت على ابراهيم وعلى ال ابراهيم في العالمين انك حميد .

اوقفني بعض الاخوة الكرام بارك الله فيهم ، على تحرير نفيس ودقيق متعلق بقضية سحر النبي صلى الله عليه واله وسلم للعلامة المحدث المسند محمد عبد اللطيف المصري المشهور بالحافظ التجاني ، وبالرغم من خلافنا مع الرجل بسبب عقيدته الاشعرية ، وتصوفه الطرقي ، الا انه لا يمنع من الاستفادة من علومه مادامت لا تحمل ترويجا لعقائده، خصوصا وان للرجل جهدا كبيرا في محاربة الفرق المارقة كالقاديانية واضرابهم ، وعلى العموم فهذا نص كلامه حول حديث سحر النبي صلى الله عليه واله وسلم :
" ( أخرج أصحاب الصِّحاح حديث السحر ، واستفظع قوم أن ينسب إليه صلى الله عليه وسلم أنه سُحر وأثَّر فيه السحر ، ورأى بعض هؤلاء أنّ إنكار صحة الحديث أهون من نسبة تأثير السحر في تفكيره صلى الله عليه وسلم ، وقد سلك هذا المسلك الشيخ محمد عبده وقلّده جماعة ، ويقابل هؤلاء قوم أثبتوا السحر على بعض الوجوه المعروفة وقالوا : إنّ المحظور تطرق أثر السحر إلى ما يوحى إليه صلى الله عليه وسلم حتى يكون المؤمنون على يقين من أنَّ خبر ربهم سبحانه وصل إليهم خالصاً عن شائبة الاحتمال وإن أجازوا أن يلقى في خياله الشريف أمور ليست هي الواقع ولكن على يقين فيها أنها لم تقع وهذا كالصور التي ترد الذهن ويتخيل الإنسان وجودها وفي ذات الوقت هو على يقين من عدمها وأثبتوا أنّ الله عزّ وجلّ يصحبه بالعصمة ويوحي إليه ما يكشف عن تلك الخواطر الخيالية .
وأهل التحقيق على أنّ الفريقين على حافّة الطريق وأنهم لم يسلكوا الجادة ، ولم ينتبه الفريق الأول إلى أنّ رأيهم سيترتب عليه التشكيك في السنة الصحيحة وأنّ هذا الشك سيتسلط على كل حديث صحيح ، ولقد سعى أعداء الإسلام جهدهم في حلقات التاريخ المتتابعة للتشكيك في السنة فردّهم الله تعالى خائبين .
وسنة الرسول صلى الله عليه وسلم هي السُّنة وهي السياج الحصين لكتاب ربِّ العالمين ذلك لأن الطعن في السنن الصحيحة لا يقوم على أساس صحيح من العلم والإنصاف وقواعد البحث التنَزيه .
وإنّ المحاكم لتسفك الدم المعصوم الذي تضافرت الشرائع السماوية والقوانين الوضعية على عصمته بشهادة عدلين من الناس فهل من المعقول أن لا تثبت نسبة قولٍ لقائله بشهادتهما ، وحيث أنّ السنة مفسِّرة للقرآن وقد أراد أعداء الإسلام أن يتلاعبوا بأصول القرآن وفروعه ، ولا يتأتى لهم هذا إلا إذا أبعدوا السُّنة عن القرآن لأنها المحددة لمراميه والمبينة لمعانيه ولذلك كان الخطر عظيماً في سلوك أولئك القوم هذه السبيل التي توطِّئ للملحدين أعداء الإسلام الخطوة الأولى في سبيلهم المظلمة .
وأما الفريق الآخر فقد سلك طريقاً غير مأمونة كذلك فليس من الهيِّن أن يتأثر تفكيره الشريف صلى الله عليه وسلم بقوة بشرية أو قوة روحية ، ومما هو طعن في الرجل العادي أن ينسب إليه اختلال التخيل أو اختلال التفكير فكيف بمعلم ؟ ، فكيف بإمام ،فكيف بالأفق الأعلى للأئمة والمرشدين .
وهذا التأثير الذي يتطرق إلى خياله الشريف ما مصدره ؟
إما سلطان روح البشر أو سلطان روحٍ وراء المادة ولا بد أن تكون روحاً شريرة ،
وهل يتصور أن تتسلط روح مهما كانت قوتها على روح خير العالمين ؟
ولقد ثبت في الصحيح أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم تفلّت عليه عفريت من الجن فربطه بساريةٍ من سواري المسجد ، فهذه القوة التي تربط الجن بسارية ولولا دعوة نبي الله سليمان عليه الصلاة والسلام لرآه الناس ولعب به الصِّبيان ، تنادي بأن لرسول الله صلى الله عليه وسلم ما لنبي الله سليمان وتركه صلى الله عليه وسلم موافقة لسيدنا سليمان عليه الصلاة والسلام .
فإذا سرنا في السبيل السَّوي وقد ثبت الحديث على القواعد والأصول العلمية وحملنا هذا السحر الذي صحَّ به الحديث على وجه لا يؤدي إلى طعن في مقامه الشريف صلى الله عليه وسلم ، فلا وجه إذ ذاك لرد الحديث حيث لا تعارض بين إثباته وبين أصول الإسلام وقواعده ولا بينه وبين كتاب الله عزّ وجلّ ، فإنّ المنفي في الكتاب السحر الذي يؤثر في العقل والتخيل والتفكير ، والذي ثبت في السنة سحر عادي لا يرجع إلى الأمور الروحية ، نتج عنه مرض عادي من الأمراض البشرية التي تجوز على الأنبياء عليهم الصلاة والسلام .
فإذا كان اليهودي وضع من العقاقير ما يخرج منه الأبخرة مما يؤثر على الأعضاء التناسلية في طريقه صلى الله عليه وسلم فليس ذلك التأثير من قوة روحانية أو تأثير في فكره أو خياله صلى الله عليه وسلم ، وإنما هو مرض عادي قد ينشأ عن برد أو إجهاد فكر أو صدمة ونحو ذلك من الأمور العادية ، فإذا كان بعيداً عن النساء يشعر بقوة فإذا وقعت المخالطة ظهرت هذه الحالة ، هذا معنى يخيَّل إليه أنه يأتي النساء ولا يأتيهن وهذا هو بعينه معنى قول أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها : يخيل إليه أنه يفعل الشيء ، وهو الأسلوب الفصيح البليغ في تعبير آل الرسول صلى الله عليه وسلم عندما تستحي المرأة أن تصرح به .
فليس معنى يخيَّل إليه أنه يفعل الشيء شائع في أمور كثيرة ، وإنما هو هذا الأمر الخاص بالنساء ، وإذاً فلمْ ينشأ عن هذا السحر إلا مرض عادي يجوز على النبي وغير النبي ، ولا يلزم منه ما ينافي مرتبتهم السامية ، وقد ينشأ عن أسبابٍ أخرى عادية غير السحر .
بقي نوع السحر الذي كان سبباً في هذا المرض وهو السحر الكيميائي الذي يكون من مواد معروفة لا علاقة له بالأمور الروحية ، وقد ذكر القاضي عياض ما يقرب من هذا الوجه ونقله عنه الحافظ ابن حجر في الفتح ، رحمهم الله تعالى"
كتاب : الدين القيم وقضايا العصر .

اخوكم في محبة الله احمد الحراق الحسني السلفي الاثري.