بسم الله الرحمن الرحيمللشيخ العلامة صديِّق بن حسن بن علي القنوجي-رحمه الله تعالى- رسالة موسومة بـ"رحلة الصدِّيق إلى البيت العتيق" أودع فيها من أحسنِ الحديثِ والحديث الحسنِ ما يأخذ بتلابيب الروحِ ويسترقُّ العينَ حتى يفكَّ أسرها بانقضاء آخر ورقةٍ في تلك الرسالة.
وقد دوَّن رحمه الله تعالى في أوائل هذا العِلْقِ طائفةً من أحكام المناسك، وقد عقد في آخره فصلاً ذكر فيه ابتداء رحلته إلى البيت العتيق وذلك سنة 1285هـ حتى مآبه سالماً غانماً من أجر ومثوبةٍ-كما نرجو له- في ثمانية أشهر مباركات.
وممَّا لفت نظري في هذه الرسالة الماتعة للشيخ أمران:
أولهما:حرصه على جناب التوحيد من أيِّ خادش لأصله أو كماله، ونفيه لدخائلِ المُحْدَثِين في الدين ما لم يأذن به الله.
فقد كان رحمه الله ذا عنايةٍ شديدةٍ بالركن الركين للحبل المنقذ من عذاب الله وأليم سخطه، يتجلى ما ذكرته عند نكيره لصنيع الملَّاحين في السفينة الشراعية التي ركبها قاصداً البيت الحرام:
"ومن العجائب التي لا ينبغي إخفاءها أن الملاحين إذا ترددوا في أمر المركب من جمود الريح أو هبوبها مخالفة أو شيئا من الخوف على السفينة وأهلها كانوا يهتفون باسم الشيخ عيدروس وغيره من المخلوقين مستغيثين ومستعينين به-ولم يكونوا يذكرون الله عز وجل أبدا- أو يدعوه بأسمائه الحسنى، وكنتُ إذا سمعتهم ينادون غير الله ويستعينون بالأولياء خفت على أهل المركب خوفاً عظيماً من الهلاك.وقلت في نفسي:
يالله العجب-كيف يصل هذا المركب بأهله إلى ساحل السلامة ؟
فإن مشركي العرب قد كانوا لا يذكرون آلهتهم الباطلة في مثل هذا المقام بل يدعون الله تعالى وحده غير مشركين به، كما حكى عنهم سبحانه في محكم كتابه المبين"فإذا ركبوا في الفلك دعوا الله مخلصين له الدين"
وهؤلاء القوم الذين يسمون أنفسهم المسلمين-يدعون غير الله ويهتفون بأسماء المخلوقين،ولقد صدق الله تعالى فيما قال:"وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون". انتهى، ص 185-186
والأمرُ الآخر: علو همَّة الشيخ في طلب العلم خلال هذه الرحلة حتى أنه يقول-وذلك اثناء رحلته من ممبي إلى الحُدَيدَة وهي المحطة الأولى قبل بلوغ الأرب وحصول المقصود من أرض العرب-:(وكتبتُ بيدي في المركب "الصارم المنكي على نحر السبكي" للحافظ ابن قدامة المقدسي في مجلد وسط ، ولم أضيع زمن ركوبي البحر عبثا"ص 182
هكذا هم العلماء الربَّانيون... والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل