.
كان من خبر هذه المقطّعات أني وصديقا لي من الأدباء قعدنا ذات مساء نتحدّث، فأخبرت صاحبي أني أنظم قصيدة أذكر فيها أمرا جرى بيني وبينه، وأن هذه القصيدة من بحر المنسرح على رويّ الفاء، ثم تذاكرنا بعض القصائد التي على هذا الرويّ، فذكرت له قصيدة أبي نواس التي يقول فيها يرثي شيخه خلفا الأحمر:
بتُّ أُعزّي الفؤادَ عن خَلَفٍ ... وبات دمعي إلّا يَفِضْ يَكِفِ
وكيف أنّ أبا نواس حوّل هذه القصيدة إلى بحر الرجز فقال:
أودَى جِماعُ العلمِ مُذْ أَودَى خَلَفْ ... قَلَيْذَمٌ من العيالِم الخُسُفْ
فلم يَمضِ يوم حتى رنّ هاتفي النقّال، ونظرتُ فإذا رسالة من صاحبي هذه صورتها:
مولود الكتبي:
1- كلّفتَني مِ "البحور" أصعبَها... أشفيتُ مِن هوله على التلَفِ
2- لا تَطمَعَنْ أن تَرى به سمَكا... يَسعَى ولا دُرّا ساكنَ الصَدَفِ
3- إن لم أقُم بالذي أشَرتَ به... فصِح "أيا عَيرُ قُم إلى العلفِ"!
4- لكنني خائضٌ غواربَه ... معتسِفا فيه كلّ معتسَفِ
5- أيَّ بحور القريض تسألني... نظما عليه فهاكه اغترِفِ
6- أنا الذي رُضتُ كل قافية... رياضةَ الزير ربّة الشنَفِ
7- ومَن درى ما نقول شبّهَنا... في العلم بالأصمعيّ أوخَلَفِ
واسم هذا الصديق مولود، وهو يشتغل ببيع الكتب بأحد شوارع الجزائر العاصمة، وله اطلاع واسع على الأدب العربي ويقول الشعر منذ زمن، وإن كان لم يتيسر له أن ينشر شيئا منه.
وكنت قد أخذتُ على صاحبي قوله في البيت الأول:
.......................... أشفيتُ من هوله على "التلف"
بتعريف "التلف"، ورأيتُ أن التنكير هاهنا أجود وأبلغ.
كما أخذتُ عليه قوله البيت الخامس:
......................... نظما عليه "فهاكه" اغترف
ورأيت أنه لو قال:
.............فهاك فاغترِف
لكان أخفّ وأرشق.
فكتبتُ إليه:
محمد مقران:
1- خذها وخيرُ الحديث أَصدَقُه... نقدَ أديب في غير ما جنَفِ
2- لو قلتَ لما أنشدتَ مفتتِحا:... أشفيتُ من هوله على "تلَفِ"
3- أو قلت لما بلغت خامسَها:... نظما عليه "فهاك فاغترِفِ"
4- لا تحسَبنّ القريض يُعجزنا... فلَهْو يأوي منّا إلى كَنَفِ
5- نُبصِر مدخولَه وبعضُهمُ... كالعَيرِ مهما تَعلِفْه يَعتَلِفِ
.