إخوتي اقرأوا هذه القصة وتدبروها ، كيف كان السلف-رحمهم الله- يحمون بيضة هذا الدين العظيم من غوائل المارقين وسفاهة المرتدين ، بهذا خلص لهم هذا الدين ،وأوصلوها إلينا بيضاء نقية لايزيغ عنها إلا هالك ، أما نحن هان علينا أمر ديننا فهنا على الله حتى آسفناه-سبحانه وتعالى،فهذه قصة أسوقها إليكم من كتاب الشفا بتعريف حقوق المصطفى ، للقاضي عياض، وذلك للاعتبار والذكرى (لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب) .
يقول رحمه الله ، (وقد أفتى ابن حبيب وأصبغ بن خليل من فقهاء قرطبة بقتل المعروف بـ (ابن أخي عَجَب)، وكان خرج يوماً، فأخذه المطر، فقال: بدأ الخرّاز يرش جلوده.
وكان بعض الفقهاء بها (أي بقرطبة) : (أبو زيد)، و (عبد الأعلى بن وهب)، و (ابن عيسى)، قد توقفوا عن سفك دمه، وأشاروا إلى أنه عبث من القول يكفي فيه الأدب، وأفتى بمثله القاضي حينئذ (موسى بن زياد)، فقال (ابن حبيب): دمه في عنقي، أيشتمُ رباً عبدناه، ولا ننصر له؟ إنا إذاً لعبيد سوء، وما نحن له بعابدين، وبكى، ورفع المجلس إلى الأمير بها (عبد الرحمن بن الحكم) الأموي (ت282هـ).
وكانت عجَب عمة هذا المطلوب من حظاياه (أي من أحب الزوجات لعبد الرحمن بن الحكم)، وأُعلم باختلاف الفقهاء، فخرج الإذن من عنده بالأخذ بقول (ابن حبيب وصاحبه)، وأمر بقتله، فقُتل وصُلب بحضرة الفقيهين : (ابن حبيب وأصبغ)، وعزل القاضي لتهمته بالمداهنة في هذه القصة، ووبّخ بقية الفقهاء وسبّهم) .
يقول الشيخ عبد العزيز بن محمد آل عبد اللطيف وعقبا علر هذه القصة : ولنا وقفة يسيرة مع هذه القصة فإن ابن أخي (عجب) تلفّظ بعبارة تقتضي استخفافاً بالربّ ـ جل جلاله ـ، وقد لا تكون صريحة في ذلك، والرجل لم يجاهر بهذه العبارة عبر إعلام مقروء أو منطوق أو نظم أو منثور، ومع ذلك فهذه العبارة في غاية النشاز والاشمئزاز في المجتمع الإسلامي آنذاك ، فلم يقبلها بالكلية، بل ونفر منها تماماً، حتى بلغت أهل العلم في قرطبة فاجتمعوا لها فحكموا على صاحبها.

وأخيراً: تتجلى روعة الموقف عندما يمضي (عبد الرحمن بن الحكم الأموي) حكم القتل على ابن أخي زوجته (عجب) وهي أحب زوجات ه إليه، ولا يكتفي بذلك بل ويعزل القاضي متهماً له بالمداهنة، ويعاتب بقية الفقهاء.

فانظر رعاك الله إلى أثر الولاية الشرعية في تحقيق حفظ الدين وإقامة حكم الله تعالى على من تطاول على دين الله ـ تعالى- .اه