قال التلميذ : شيخي ، ما علة تناقص خشوعي وحضور قلبي بامتداد أيام رمضان ، فلا يكون أوله كأواسطه ؟!
فقال الشيخ :
يا بني ، فرق بين مَن يريد مِن القُرب حاجة ، ومن يريد من القرب أن يزداد قربا . ألا ترى طالب الحاجة ، إذا قرع الباب ، ونال حاجته ، مضى . وأما طالب التقرب ، فإنه لا يمضي أبدا ، فإذا فتحت الباب ، أراد الدخول ، ولا يزال يطلب القرب أبدا .
فمن الناس من يتقرب لحاجة دنيوية أو دينية ، فإما تحصل له ، وإما يتوهم أنه لن يخلص في دعائه بها أكثر مما أخلص وألح ، فتتناقص عزيمته بسبب تأمل حصول الطلب .
ومن الناس من كلما اقترب ، طلب مزيد تقرب :
- لأنه يعلم أن الاقتراب يحقق له كل مطلوب بغير طلب { أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ } .
- ولأن القرب هو نفسه أعظم مطلوب .
فقال التلميذ : شيخي ، أرجو أني وعيت عنك ما تقول . فأخبرني عن أول تصحيح الحمد ، والتسبيح ، والتكبير ؟
فقال الشيخ :
أما الحمد : فآفته من اقتصر حمده على طلب المزيد ، لفهمه الغالط لوعده تعالى بالمزيد لمن شكر .
وثاني آفاته : من قصر حمده على قصد حفظ النعم .
وأول درجات إصلاحه : أن يكون منطلق لسانه بالحمد هو شعوره بالامتنان للمنعم عز وجل .
أرأيت من شكرك لتعطيه ، ومن شكرك لتبقيه ، ومن شكرك حبا لك وفرحا بك لما تؤتيه = أيهم الذي شكرك على الحقيقة ؟
وأما التسبيح : فيجب أن يكون تنزيها لله تعالى في قلبك عما نقص من حقه فيك ! فأول درجات التسبيح هي استغفار عن معصية لم ترتكبها إلا بغفلتك عن عظمته ، استغفار عن تقديم شهوتك على أمره .
فالتسبيح يجب أن يكون أول منطلقه أن تتذكر ما نقص من عظمة ربك في قلبك ، فتنزهه عنها .
أما التكبير : فهو تعظيم لله تعالى في قلبك على كل من عظمته عليه : بتقديم خوفك منه على خوف الله تعالى ، برجاء نواله وتعلقك به أكثر من رجاء ربك عز وجل ، بما أغفلتك هيبة ملك أو ذي سلطان عن جلال ذي الجلال والملكوت سبحانه .
فقال التلميذ : ليتني سألتك منذ زمن بعيد ، فقد كنت على غير هذه الدرجة أخطو ، والله يعفو عني .
قال الشيخ : وعني ، آمين !

الشريف حاتم العوني.