تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 3 من 3

الموضوع: مدخل لدراسة فقه الطب وتدوين القانون الطبي الإسلامي

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Apr 2009
    الدولة
    فاس - المغرب
    المشاركات
    768

    Lightbulb مدخل لدراسة فقه الطب وتدوين القانون الطبي الإسلامي

    بسم الله الرحمن الرحيم
    مدخل لدراسة فقه الطب وتدوين القانون الطبي الإسلامي

    - أمثلة للنوازل الطبية -
    الأستاذالدكتور أمل بن إدريس بن الحسن العلمي
    أستاذ سابقا بكليات الطب بالمغرب - أخصائي في الجراحة العصبية والمجهرية
    تقديم : أصل هذا المبحث محاضرة للكاتب ألقيت بوجدة بدعوة من المجلس العلمي للمنطقة الشرقية يوم السبت 17 دجنبر 1988مبقاعة البلدية والدعوة كانت للعموم.بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. أيها الإخوة الكرام والعلماء الأفاضل إنه لشرف لي وأي شرف أن أتحدث في مجلسكم هذا الموقر فاسمحوا لي قبل كل شئ أن أشكر أعضاء هذا المجلس العلمي الإقليمي بمدينة وجدة لدعوتهم الكريمة إياي لإلقاءهذه المحاضرة وأطلب من السادة العلماء أن يتجاوزا أخطائي وهفواتي وأستسمحهم لتطفلي على الميدان الفقهي وعذريأني أردت أن أملأ فراغا باهتمامي بالدراسات بين الطب والإسلام فتفطنت لثغرة في الفقه تمس الطب والتطبيب وأخالني أول من كتب حول فقه الطب في مطلع السنة 1979م لذا آثرت الحديث حول هذا الموضوع كمدخل لدراسة عميقة لفقه الطب ومحفز لتدوين القانون الطبي الإسلامي مساهمة مني في تأصيل العلوم الحديثة ولا سيما الطب فتنطبع عليه سمة الشريعة الإسلامية ويستجيب للكتاب والسنة سواء أكان في الممارسة المهنية أو البحث العلمي.

    1. فقه الطب :الكل يعلم أن الفقه يعنى بدراسة القوانين المستنبطة من أحكام القرآن والسنة. وقد دون هذه القوانين ثلة من الأئمة الكبار في القرنين الأولين بعد رسول الله فجاءت على أربعة مذاهب فقهية وهي التي يتبعها اليوم معظم مسلمي الأرض وعلى رأسها المذهب المالكي الذي رتبه إمامنا مالك بن أنس رضي الله عنه. والجدير بالذكر أن هذه المذاهب لا تختلف إلا في أمور جزئية متفرعة من أسس ثابتة متفق عليها من طرف الجميع. ويمكن تقسيم الفقه إلى قسمين : فقه العبادات وفقه المعاملات مع ارتباط وثيق بينهما، فالفقه الخاص بالعبادات أكثر ثباتا واستقرارا لأنه يتعلق بشعائر دينية لا تتأثر بتوالي العصور والأجيال وأما الفقه الخاص بالمعاملات فهو أكثر تطورا لأنه أشد تأثرا بالحاجات البشرية المتجددة التي لا تستقر على وضع معين، بحكم تشابك العلاقات، وتغير الأحوال وبروز أوضاع وعلاقات اجتماعية جديدة لم تكن من قبل في الحساب. والذي يهمنا في مجال الطب خصوصا هو فقه المعاملات وحده لأنه هو الذي يتولى تنظيم المجتمع وتصريف الحياة العامة، وتحديد العلاقات والروابط في كل جانب من جوانبها الكثيرة. هذا الفقه هو الاستجابة المتكررة لدواعي الحياة المتجددة في صور تطبيق جزئي للشريعة الإسلامية الثابتة على حالات غير ثابتة في حياة الأمة الإسلامية ...ولقد أصبحت الحاجة ماسة في يومنا هذا لما يمكن أن يطلق عليه تسمية فقه الطب وهو فقه يعنى بتحديد وتلبية الحاجات لأحكام شرعية في مختلف نوازل الطب الدراسية والمهنية والمتعلقة منها بالبحث العلمي. فما هي يا ترى الخطوط العريضة لهذا الفقه كما نتصورها ؟ لمزيد من الإيضاح أقول : إن ما أريد أن أدل عليه بفقه الطب هو هذا الجزء من الفقه الذي يعنى بجمع ودراسة القوانين المستنبطة من أحكام القرآن والسنة المتعلقة بالطب والطبيب أو المرض والمريض على السواء فتصنف وتبوب مادته بالرجوع إلى المذاهب الأربعة أو إلى أهل الحديث. ثم يستدرك على هذه المادة الأساسية المنصوص عليها بما استحدث من قضايا ونوازل طبية وفتاويها الفقهية.هذا الفقه ليس بجديد في واقع الأمر إذ نجد طي كتب الفقه أو السنة عدة أحكام تتعلق بالمرض والمريض أو الطبيب والعلاج لكنها قد تكون مدرجة ضمن أبواب لا يخطر على الباحث غير المختص الرجوع إليها والانتفاع بها. فيجب قبل كل شيء جمعها وتبويبها تبويبا منهجيا يسهل الرجوع إليها خصوصا بالنسبة للمرضى والأطباء ورجال الفقه. ويمكن لهذا الفقه أن يقسم كذالك كالفقه العام إلى قسمين إلى فقه طبي يتعلق بالعبادات وفقه طبي يتعلق بالمعاملات.وهكذا نستخلص من كل ذلك مادة أساسية لفقه الطب ولكنها غير كافية في حد ذاتها لحل المشاكل التي تطرح حول مستحدثات، سواء بالنسبة للمريض أو للطبيب... لذا نضيف إليها (أي المادة الأساسية ) الأمور المستجدة في عالم الطب لتحديد موقف الشريعة منها.ولإعطاء فكرة حول مادة فقه الطب يمكن مرحليا أن نصنفها على قسمين :- قضايا وأحكام موجودة في كتب الفقه وهي مثل أحكام الحيض والحمل والنفاس والرضاع والإجهاض الخ...- قضايا مستجدة أو نوازل وأحكامها من خلال دراسات فقهية وفتاوى معاصرة : وهي مثل تحديد النسل والاستنجاب الغير الشرعي وأبناك المني وأبناك الحليب وزرع الأجنة داخل رحم مستضيف والتدليس بإعادة البكارة بعملية جراحية وعمليات نقل وزرع الأعضاء، وتشريح الجثة، وإلى غير ذلك من الأمور ...ومجال فقه الطب كذلك كما أسلفنا ذكره يتعلق بأمور يطرحها المرضى لها صلة بالطب أو العبادة منها على سبيل المثال :- حكم المريض الذي خالف إرشاد الطبيب كمن صام وأتلف صحته أو هلك.- حكم من يتعاطى التدخين أو المخدرات أو كل ما يضر بالصحة، وحكم المدمن والإدمان على تلك الموبقات.- الأحكام والترخيصات للمرضى أو العجائز في أمور العبادة (الوضوء والتيمم والمسح على الجبيرة والخف، الصلاة وصفة صلاة المريض، الصيام ورخصه وصيام المريض، الحج والعمرة ورخص المريض والعاجز، وإلى غير دلك وما شابه من القضايا والأحكام ...).ومثل كل هذا وذاك يحدد مجال فقه الطب.وللتصور الإسلامي خصائصه ومقوماته يمكن معها عند التطبيق على الأمور الطبية أن تبرز في شكل تبويب فقهي خاص. ولفهم هذا نضرب مثلا : المحرمات في باب التغذية. إذا نحن استحضرنا شؤون التغذية كلها والملذات المتعلقة بها فتكون الحِرمة بالنسبة لها كما يبدو على وجهين إما مطلقة تخص جميع المسلمين أو مقيدة تخص فئة من الناس دون الأخرى. لنوضح أكثر بالأمثلة:- الحِرمة المطلقة : وهي حِرمة مطلقة بالنسبة لعامة الناس إما بالنص كتحريم الخمر والميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل به لغير الله ( الذبيحة الحرام ) وإما استنبط حكم تحريمها بالاجتهاد كالتبغ والمخدرات وكذا بالنسبة لكل شيء يثبت ضرره.- الحِرمة المقيدة : باعتبار ظروف الشخص الصحية، هي التي يجري حكمها على بعضالناس وتتعلق بفئة منهم وبظروف خاصة مثل المرض. ومن ذلك مثلا تناول بعض الأطعمة التي يطلب طبيا من المريض تجنبها. فإذا أرشد طبيبمسلم ثقة أو غيره (ذمي بشروط)، مريضه لتجنب تناول طعام به ملح (مثلا في حالة ارتفاع الضغط الدموي) صار واجبا شرعا اتباع رأي الطبيب في حق هذا المريض. ويكون تناول الطعام المضر حتما بالنسبة إليه حراما يعرضه لاقتراف ذنب إن هو خالف في هذه الحال إرشاد الطبيب لأن هناك قاعدة فقهية عامة لا ضرر ولا ضرار يجب الأخذ بها... فالإنسان في نظر الإسلام مسؤول عن صحة جسمه ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة ، وإن لنفسك عليك حقا ،والمسلم القوي خير من المسلم الضعيف لما يمكن أن يقوم به من عبادة وعمل (وهو كذلك عبادة). ونفس الحكم يمكن أن يطلق في حق من ابتلي بمرض السكري وما يحظر في حقه من مأكولات أو مشروبات. وقس على ذلك من الأمور والحالات...ونرى في هذا الباب تداخلا بين أمور الطب والحياة مع العبادة، فلا انفصام بين العبادة والحياة كما هو عموما الشأن في الاسلام.وبعد أن بينا مدلول فقه الطب وحددنا مجاله وعرضنا الأسس التي يجب أن يبنى عليها كيف يمكن أن نستوحي من الإسلام بكيفية تطبيقية على القضايا الطبية المدروسة في مجال فقه الطب ؟ وهل هنالك مجال للاجتهاد وإذا كان كذلك فما هي قواعده وشروطه ؟ولنبدأ بالقضايا الطبية التي قد تطرح نفسها على الشريعة لمعرفة حكم الله فيها. فإنها لا تعدو أن تكون أحد أمرين :
    1- الأول : ما ورد فيه نص أو مبدأ عام وفي هذه الحالة ترتسم ثلاثة احتمالات : أ- أن تكون الشريعة قد نصت على حكم معين نصا صريحا فهو إذن واجب التطبيق دون تحوير أو تبديل فثبوت الأحكام لا يعني الجمود لأنه يتعلق بأهداف ثابتة.ومن الأمثلة لهذه الحالة : تحريم الخمر والزنى الخ... بنص صريح. ب- أن تكون الشريعة قد جاءت فيه بنص أو نصوص قابلة للتأويل فيكون حينئذ قابلا للاجتهاد ترجيحا أو توفيقا بين النصوص المختلفة إن كانت، أو بين النص الواحد والحالة المراد تطبيقه عليها وذالك مع الاسترشاد بالتطبيقات العملية في صدر الإسلام إن وجدت، والاستعانة بأقوال الفقهاء في المسألة، ولكن دون التزام كامل بتلك التطبيقات أو بهذه الأقوال التي لم تكن إلا تلبية مباشرة لحاجات العصر الموقوتة. ج) أن تكون الشريعة قد جائت بمبدأ عام، تدخل هذه المسألة الخاصة فيه ضمنا، ولكنه لا ينص عليها تصريحا، وعندئذ يكون الأمر موضع اجتهاد في تطبيق المبدأ العام على الجزئية المعروضة مع الاسترشاد بالسوابق التاريخية والأحكام الفقهية مجرد استرشاد... ومن الأمثلة لهذه الحالة تحريم التبغ والمخدرات وكل ما يضر الجسم قياسا وحسب مبدأ عام فقهي حيثما الضرر فثمة الحرمة “.
    .
    2- الثاني : أن تكون الشريعة سكتت عن هذا الأمر فهو متروك إذن للاجتهاد على ألا يصدم الحكم الذي يصل إليه مبدأ من مبادئ الإسلام الأساسية، ولا أصلا من أصوله التشريعية ولنا أن نسترشد فيه بتصرف فقهاء الإسلام في مثل هذه الأحوال. بهذا نحتفظ للفكر الإسلامي بمرونته، وللنظام الإسلامي بتجدده...وجل النوازل والقضايا المستحدثة في عالم الطب يمكن إدراجها في هذه الحالة إذ لم تكن سابقا وسكتت الشريعة عنها وتركتها للاجتهاد ولإصدار حكم فيها من الفقهاء. وفي إطار تلك الحالات الأربع يمكن لكل القضايا الطبية قديمها ومستحدثها أن تلبى من طرف الشريعة الإسلامية فتستنير بهديها. وعلى أساس ذالك تجمع مادة فقه طبي، يخص الطبيب والمريض وأساليب العلاج، مبوب تبويبا يلائم عقلية العصر فيسهل الرجوع إليه والانتفاع به. ولنا أن نُدَرِّسَ في كليات الطب هذا الفقه التطبيقي المتخصص كفرع من الفقه العام كما لو أنه يُدَرس بمعاهد وكليات الشريعة. ومن المعلوم أن باب الاجتهاد لم يغلق ولن يغلق ما دام هناك نظام إسلامي وبنية علمية إسلامية في المستوى اللائق التي تضمن لنا تكوين العلماء الكبار في مختلف التخصصات والعلوم الإسلامية بالإضافة إلى التخصصات التي يقتضيها العصر. وقد أصبح الاتجاه واضحا نحو تكوين مجالس علمية وفقهية عليا تسهر جماعيا على الاستجابة لمقتضيات العصر وما يستجد فيه من نوازل تهم المسلمين. والمأمول أن تتطور هذه المجامع والمجالس الفقهية إلى المستوى المطلوب على أن تكون ذات استقلالية عن أي تأثير خارجي عن مهمتها كما أرادها الشرع الشريف. نقول ذلك لأن الشروط المطلوبة في المجتهد لا تقتضي إغلاق باب الاجتهاد. فقد اشترط المختصون من علماء المسلمين فيمن يكون أهلا للاجتهاد عدة شروط : - أن يكون كامل العقل، صادق الإيمان بالله ورسوله، حريصا على العمل بالكتاب والسنة، مؤمنا بأن الله تعالى أعلم بمصالح خلقه، وأنه لا يشرع لهم إلا ما فيه الخير لهم...- أن يكون عالما باللغة العربية، وطرق دلالتها على معانيها بمزاولته لعلومها المختلفة، واطلاعه على الكثير من آثار فصاحتها إلى الحد الذي يميز به بين الخاص والعام : من الألفاظ والحقيقة والمجاز والمحكم والمتشابه من النصوص وغير ذلك...- العلم بالقرآن والسنة، وما جاء فيهما من أحكام وما نسخ منهما وما لم ينسخ مع القدرة على ربط المجمل ببيانه، والمطلق بمقيده والعام بمخصصه...- أن يكون قادرا على معرفة علل الأحكام الشرعية، عالما بمقاصد الشارع من تشريعه، قياس الأشياء على أشباهها، أو توجيه الأمثال إلى تحقيق مصالح العباد المشروعة...وإضافة لشروط الاجتهاد والفتوى المتفق عليهما نرى أنه يجب اشتراط طرح القضايا المستحدثة في الطب مثلا من طرف ثلة من الأطباء المسلمين الثقات ذوي الاختصاص وصياغة الأسئلة بدقة مع اطلاع السادة العلماء الأجلاء على كل جوانب الموضوع الذي يدور حوله السؤال ويحسن تشجيع الدراسات والبحوث الجامعية سواء في كليات الطب أو كليات الشريعة حول القضايا المطروحة ( ولقد شرعنا منذ سنوات خلت في هذا العمل بالإشراف على عدد كبير من الرسائل الجامعية بكليات الطب بالدار البيضاء والرباط حول عدة مواضيع تهم الطب الإسلامي، هدفنا من خلالها طرح المشاكل من منظور طبي على العلماء علما منا أن طبيعة السؤال تؤثر إلى حد كبير في طبيعة الجواب. فتكون صياغة الأحكام على أساس افتراضات واقعية لا تتعارض مع الحقائق العلمية ولا مع روح الشريعة الإسلامية، وعلى أي فإن للمجتهد أجرا إن أخطأ وأجرين إن أصاب كما ورد في حديث رسول الله .وأخيرا إن الشريعة الإسلامية، تحتم علينا أن نتخذ من الأحكام المستنبطة من الكتاب والسنة أساس كل قانون أو حكم، لذا يكون فقه الطب نبراسا على هدي الكتاب والسنة ويجب أن نستعين به في وضع دستور إسلامي للطب عوضا عن القانون الطبي الوضعي.ولأهمية هذه المسألة فضلنا الحديث عنها ولو باقتضاب ضمن فقه الطب من حيث امتداد هذا الأخير وصلته بالقانون الطبي.

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Apr 2009
    الدولة
    فاس - المغرب
    المشاركات
    768

    Lightbulb رد: مدخل لدراسة فقه الطب وتدوين القانون الطبي الإسلامي

    1. 2) تدوين الدستور الطبي الإسلامي :
    سبق لنا الحديث (في محاضرة هذا الصباح) عن القانون أو الدستور الطبي الإسلامي المستمد من الشريعة الإسلامية وفق نهج رباني محكم وذلك بصدد الحديث عن مجال اهتمام الطب الإسلامي، والآن يجمل بنا أن نعود إلى هذا الموضوع بشيئ من التفصيل. نرى الدستور الطبي جزءا من الدستور الإسلامي العام متفرع منه في تطبيق خاص للقانون على القضايا المطروحة في فلك الطب ومجالاته المهنية والدراسية والمتعلقة بالبحث العلمي والتجربة. يجب أن ندون هذا الدستور مستمدين مادته الأساسية من مختلف المصادر معتمدين في البداية على المادة المطروحة ضمن القانون الغربي الوضعي آخذين بما هو موافق منه للشريعة الإسلامية وأحكامها، معيدين النظر بتريث وحكمة موضوعية في الأشياء الملتبسة، وذلك بالاستعانة بذوي الاختصاص من رجال القانون الإسلامي وأهل الذكر من علماء المسلمين في المجال الفقهي، ضاربين عرض الحائط بالأحكام المتنافية مع شرع الله مع دراسة وتقديم البديل عنها حسب المفهوم الإسلامي. ومادة «فقه الطب»السالفة الذكر يمكنها أن تقنن وتصاغ في القالب القانوني لهذا الدستور الإسلامي المنهج. إذ في صياغة أحكام هذا الأخير نعتمد أساسا على الكتاب والسنة والأحكام والقوانين المستنبطة منهما التي سبق أن قلنا إنها تكون فقه الطب، ذلك الفقه الذي يلبي حاجات ومقتضيات تطور الطب ومستحدثاته الفقهية. ثم علينا أن نَدرس ونُدَرِّس مادة هذا القانون عوضا عن الطب القانوني الوضعي. ولا نقول الطب الشرعي بل الطب القانوني الإسلامي إذ أن الطب كله بتفريعاته واختصاصاته يجب أن يكون شرعيا أي متمشيا مع شريعة الله.وأملنا أن يترجم كل هذا على ساحة الواقع فتمد جسور وصل بين المجالس العلمية والهيآت والنقابات الطبية لترشيد الأخلاق الطبية ومد هذه الهيآت بما يعوزها من فتاوى فقهية في المجال الطبي فيطبق القانون الطبي الإسلامي.وإن القرآن الكريم يحثنا على الحكم بما أنزل الله في أكثر من آية وينعت من لم يحكم بما أنزل الله بالكافرين والظالمين والفاسقين ويضفي صفة الجاهلية على الحكم بغير ما أنزل الله. ولسنا في حاجة إلى توضيح أكثر حتى نقول حول القانون الطبي الوضعي المغاير لشرع الله أنه قانون جاهلي في مفهوم الإسلام.)) وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ ۖ فَاحْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ ۖ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ ۚ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا ۚ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَٰكِن لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ ۖ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ ۚ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (48) وَأَنِ احْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَن يَفْتِنُوكَ عَن بَعْضِ مَا أَنزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ ۖ فَإِن تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَن يُصِيبَهُم بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ ۗ وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ (49) أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ ۚ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ (50).((. والخطاب الإلهي موجه إلى الرسول (ص) في صيغة الأمر وفي نفس الوقت فهو موجه إلى عامة المسلمين وخصوصا أولي الأمر منهم ونكتفي هنا بهذه الإشارات العريضة حول الدستور الطبي الإسلامي لئلا نخرج عن المسطرة المتبعة منذ البداية في هذا البحث. ولمن له شك في صلاحية الفقه الإسلامي لاستجابة متطلبات العصر وصياغة الأحكام المناسبة للمشكلات الحديثة الرجوع إلى تقرير في هذا الموضوع كان صدر عن أسبوع الفقه الإسلامي في ندوة عقدتها شعبة الحقوق الشرقية للبحث في الفقه الإسلامي في كلية الحقوق من جامعة باريس يقول عن هذا الأستاذ مصطفى أحمد الزرقا أستاذ الحقوق المدنية والشريعة الإسلامية في كلية الحقوق بدمشق، في مقدمة كتابه المدخل الفقهي العام إلى الحقوق المدنية وهو يتحدث حول انطباعات رجال القانون الغربيين نحو التشريع الإسلامي : « عقدت شعبة الحقوق الشرقية من المجمع الدولي للحقوق المقارنة مؤتمرا للبحث في الفقه الإسلامي برئاسة المسيو ميليوت (Milliot) أستاذ التشريع الإسلامي في كلية الحقوق بجامعة باريس، ودعت إليه عددا كبيرا من أساتذة كليات الحقوق العربية وغير العربية وكليات الأزهر، ومن المحامين الفرنسيين والعرب وغيرهم، ومن المستشرقين...» إلى أن يقول : «وفي الختام وضع المؤتمرون بالإجماع هذا التقرير الذي نترجمه فيما يلي : بناء على الفائدة المتحققة من المباحثات التي عرضت أثناء أسبوع الفقه الإسلامي وما جرى حولها من المناقشات التي تخلص منها بوضوح : -أن مبادئ الفقه الإسلامي لها قيمة (حقوقية تشريعية) لا يمارى فيها. -وأن اختلاف المذاهب الفقهية في هذه المجموعة الحقوقية العظمى ينطوي على ثورة من المفاهيم والمعلومات ومن الأصول الحقوقية هي مناط الإعجاب، وبها يتمكن الفقه الإسلامي أن يستجيب لجميع مطالب الحياة الحديثة والتوفيق بين حاجاتها. يعلنون رغبتهم في أن يظل أسبوع الفقه الإسلامي يتابع أعماله سنة فسنة، ويكلفون مكتب المؤتمر وضع قائمة للموضوعات التي أظهرت المناقشات ضرورة جعلها أساسا للبحث في الدورة القادمة. ويأمل المؤتمرون أن تؤلف لجنة لوضع معجم الفقه الإسلامي يسهل الرجوع إلى مؤلفات هذا الفقه، فيكون موسوعة فقهية تعرض فيه المعلومات الحقوقية الإسلامية وفقا للأساليب الحديثة.». اهـ

  3. #3
    تاريخ التسجيل
    Apr 2009
    الدولة
    فاس - المغرب
    المشاركات
    768

    Lightbulb رد: مدخل لدراسة فقه الطب وتدوين القانون الطبي الإسلامي

    3. أمثلة لأمور مستوردة وقضايا ونوازل مستحدثة :
    «هنالك معنيان للحضارة : فأما الأول فهو أن يكون لنا نصيبنا المتميز البارز في بناء هذه الحضارة، وزينا الذاتي المستمد من أصوله مما عندنا، المنتفع من تفريعاته وتطبيقاته بكل ما أفادته الإنسانية من التجارب. وأما الثاني فهو أن نأخذ القوالب الجاهزة. والسمات الظاهرة وأن ننقل نقلا كل ما نراه بلا روية ولا تفكير ولا تعقيب. المعنى الأول يفهمه الآدميون، والمعنى الثاني تفهمه القرود، وأخشى ما أخشاه أن لا نكون قد فهمنا إلا هذا المعنى الأخير.». وتعقيبا على هذا الكلام أقول أنه في هذه الحالة نكون قد ارتكبنا جناية وأي جناية بالصد عن رصيدنا الفكري والثقافي الإسلامي ونحن أمة نملك أن نعطي. نملك أن نقدم للبشرية جمعاء نماذج وصورا تطبيقية لرسالة الإسلام في المجال الصحي. فتحل مشاكل الإنسانية من بؤس وشقاء ومرض وسوء تغذية والتي تعاني منها شعوب العالم الثالث. نملك هذا بكل يقين وفخر لأنه عندما يحكم الإسلام تتلاشى وتتضاءل كل عوامل التخلف والشقاء والحرمان بتطبيق العدالة الاجتماعية وبالتالي يرفع مستوى صحة الفرد والجماعة ويحد من انتشار الأمراض الفتاكة والبحث عن لقمة العيش. أين نحن من ذلك التكافل الاجتماعي الذي تطبع به الرعيل الأول من صحابة رسول الله وارتسم سمة للعهود الإسلامية المشرقة وشرطا من شروط النصر. وحسبنا أن نعلم أن المسلمين في جيش العسرة (غزوة تبوك)، بعد أن نفذ زادهم في طريق العودة، اشترك العشرة منهم في امتصاص التمرة الواحدة، فكان ما كان من النصر والتمكين. ولسنا هنا بصدد عرض العدالة الإجتماعية في الإسلام بل قصدنا أن نلفت النظر إلى الأمور المستوردة والقضايا المستحدثة في عالم الطب مقتصرين على سرد بعض الأمثلة منها ومناقشتها على قدر ما يسمح به المجال. ونؤجل الحديث عما يمكن أن يقدمه الإسلام للطب وللخدمات الصحية إلى مناسبة أخرى إنشاء الله. ولنبدأ بالحديث عن المستوردات الغريبة عن عقيدتنا وتصورنا... فإن هناك أشياء أخذناها عن الغرب في الطب (كما هو الشأن بالنسبة لمجالات أخرى لا تهمنا في سياق هذا الحديث) ولم نتنبه لجاهليتها مثل قسم أبقراط الذي يؤديه كل طبيب للحصول على شهادة الدكتوراه في الطب العام. والأحرى أن تؤدى الشهادة لله بقسم إسلامي كالذي صدر عن المؤتمر الأول للطب الإسلامي الذي انعقد بالكويت. ثم الرمز الذي يدل على مهنة الطب أو الصيدلة من عصا وحولها ثعبان أو ثعبانان أخذناه كذلك كشيء مسلم ولم نلتفت إلى مصدره الوثني ضمن الأساطير العقائدية لقدماء الإغريق. جاء في مادة كادوسيه بالمعجم الموسوعي كييه الفرنسي أن هذه العصا تنسب إلى هرميس الذي كان حسب زعم هؤلاء الواسطة بين الآلهة والبشر. وتحكي الأسطورة أن هرميس رأى في أركاديا ثعبانين يتصارعان ففرق بينهما بعصاه التي التف حولها الثعبانان المهدآن. فاتخذ القدامى من هذا صفة ورمز السلام والوئام الخاص بهرميس الإله المجنح، ولما كان هرميس في اعتقادهم كذلك إله المعاملات التجارية أصبح الشعار رمزا للتجارة. ونسب هذا الشعار إلى آلهة أخرى مثل باخوس الذي صالح بين جوبيتير وجونان، سيريس، فينوس وآلهة الغبطة والسعادة والسلم والألفة، الخ... وجاء في موسوعة كولمبيا وكذلك بالموسوعة البريطانية ، أن أسطورة أخرى تحكي أن المعنى الرمزي للعصا والحية يرجع إلى طقوس العبادة لأسكيبيوس إله الطب عند الإغريق. أما هذه الأسطورة فتزعم أن هذا الابن لأبولو (إله الشعر والموسيقى والجمال الرجولي) وتلميذ القنطور ( كائن خرافي نصفه رجل ونصفه الآخر فرس) كان يملك قدرات خارقة لشفاء المرضى وحتى لإحياء الموتى أحيانا. ولما أفرط في استخدام قدراته غضب عليه جوبيتر (كبيرالآلهة) ففكر بلوتو (إله الموتى والجحيم) أن يقتله. ثم تم قبوله إلى عالم الآلهة على طلب من بلوتو وكانت الحيات مقدسة عنده. وهكذا أصبحت مهابط الوحي لأسكيبيوس مراكز شعبية لما يسمى اليوم المعالجة بواسطة المغناطيسية الحيوانية . ويجري التمثيل لهذا الإله عاديا في المنقوشات والعملات المعدنية بواسطة قضيب كالهراوة وحية ملفوفة حوله. وفي كل هذه الحالات كان هذا الشعار يمثل رمز السلم. فاتخذ منه الإغريق شعارا مميزا للمبشرين والسفراء، وكان يضمن الحصانة لكل من يعهد إليهم بمهمات سلمية. ومهما تكن قصة هذا الشعار الخرافي فإنه يستمد أصله من اعتقاد وثني باطل. فإذا كان الغرب يرضى أن يضع لمهنة الطب شعارا خرافي الأصل فإن الإسلام لن يرضيه هذا وذلك بديهي لما جاء به من تعاليم حطمت الأوثان والأصنام وحاربت الجهل والخرافة والشعوذة. فعلينا إذن أن نتخلص من قسم أبقراط ومن هذا الرمز الوثني ... وبعد... هل يقتصر تفكيرنا وتصورنا على ما ابتدعته المدنية الغربية من الأمور حسنها وسيئها على السواء؟... فالجدير بنا من جهة أخرى أن نقف موقف الرفض من الحلول المستوردة لقضايا طبية إذا ثبت أنها مخالفة لعقيدتنا ولديننا دين الفطرة وأن نطرح البديل الإسلامي لها. وليس للفقهاء أن يتبنوا أمورا مستحدثة في الطب بفتوى تقتصر على سؤال سطحي يوضع حول مسألة قد لا يبين كل جوانبها. من ذلك مسألة أبناك الحليب ومسألة الاستنجاب بطريقة التلقيح الاصطناعي فقد أفتى بعض علمائنا بجواز أبناك الحليب وطالعتنا المجلات والصحف بذلك. وفتوى مجردة هكذا لها سلبياتها ولا يعلم إلا الله عواقبها. وحري بنا قبل تقديم فتوى في مثل هذه المسائل التريث حتى تدرس كل جوانب الموضوع بدقة من طرف أطباء مسلمين وعلماء الفقه والشريعة، لئلا يكون نص الفتوى فيه التباس أو يتضمن افتراضات نعلم طبيا أنها مخطئة تماما (مثل تلك الفتوى بين الكراهية والحرمة للسجائر حسب كونها تضر أو لا تضر بصحة من يتعاطاها على أننا نعلم علم اليقين طبيا أنها مضرة بصحة أي شخص). وحول قضية أبناك الحليب والفتوى حولها، عدة أسئلة كان على عالم الفقه أن يطرحها قبل الإدلاء بفتواه، من بينها :- ما هي الحالات التي يرى الطب أنها تستدعي الاستعانة بأبناك الحليب؟- هل للحليب المخزون في تلك الأبناك نفس المزايا التي توجد في حليب المرضع ولا يعرض الطفل لأدنى خطر؟- ما هي مساوئ أبناك الحليب وأخطارها : سواء الاقتصادية والتجهيزية ومخلفاتها الصحية والنفسية على الطفل؟- هل لا يوجد هناك حل آخر بالرجوع مثلا إلى تعاليم الإسلام مع إعطاء مكانة لائقة لوظيفة المرضع من جديد في مجتمعنا؟ الطريقة تبقى فطرية، طبيعية، بسيطة ذات مزايا اقتصادية وصحية على الطفل، فإلى جانب مزايا لبن المرضع الطري، هناك خلق فرصة لكسب القوت الحلال لإمرأة في حاجة مادية فهي أفضل لها من اللجوء إلى بيع عرضها والتسكع في الشوارع وفي نفس الوقت تقوم هذه المرضع بدور الحاضنة بالنسبة للطفل ويكون هذا حلا بالنسبة كذلك لأسرة الطفل إن كانت ظروف الأم لا تساعد على القيام بواجبها الفطري نحو طفلها الرضيع. يقول الله سبحانه وتعالى في سورة الطلاق : (وإن تعاسرتم فسترضع له أخرى) (الآية 65 ) ولم يتعرض لأبناك الحليب. حقا إن الله عز وجل لم ينف كذلك هذه الوسيلة بنص قطعي. ولكن قياسا بالإرشاد الإلهي هنا إلى الإرضاع بواسطة المرضع هل يمكن القول بأن المسـألة لم تعد تقبل نقاشا (وهذا مجرد رأي وليس تصديا للفتوى) سيما وأن الطب يقنن الحالات التي تستوجب الرجوع إلى هذه الأبناك فلا تكاد تتعدى حالات الأطفال المولودين قبل الموعد المرتقب (خدجاء) مع نقص في الوزن ( أقل من كيلوغرامين ونصف) أو حالات خاصة لأطفال رضع مرضى. ويتبين كذلك أن الأفضل بالنسبة إليهم حليب الأم أو المرضع الطري مباشرة من الثدي (إذا أمكن) بالطريقة الطبيعية الفطرية. والإسلام دين الفطرة يأخذ بأحسن أساليب العلاج في هذه الحال. زد على ذلك ما يمكن أن يترتب على أبناك اللبن من عدم معرفة مصدر الحليب بالنسبة لحرمة الزواج الناتجة عن ذلك. وهذا كله دون التعرض للثمن الفاحش للحليب المخزون...وحتى يتبين موقف علماء الإسلام بوضوح من هذه المسألة نتركها إلى المثال الثاني مع مسألة الاستنجاب الشرعي بمني الزوج كحل لمشكل العقم الذي يعانيه بعض الأزواج، قد يبدو ولأول وهلة أن هذا الحل سليم ولا يتعارض مع مبادئ الإسلام. وإذا نحن نظرنا عن كثب وبدقة لتبين لنا هول هذه المسألة. إنها فتح باب مريب وذريعة لما هو أسوأ. ألا وهو خلط الأنساب والقضاء على الكيان الأسروي إذ يمكن للمرأة الحصول على نطفة ما من بنك المني تلقح بها كما يحدث مع فصائل بعض الحيوانات. وتحمل بهذه الوسيلة بكيفية غير شرعية فيكون لها طفل سواء كانت متزوجة أو غير متزوجة وبهذا علاوة على خلط الأنساب - تبدأ خطوة جديدة للقضاء على بنيان المجتمعات بالقضاء على الوحدة الأسروية السليمة والشرعية المتعارف عليها في إطار الزواج. وهذا ما هدفت له كذلك الحركة الإباحية الجنسية التي تبناها رأس الفساد والكفر وليام ريش بإنشاء جمعية (Sexpol) بألمانيا سنة 1931م وعرفت آنذاك اتباعا يعدون بالآلاف (إذ سجلت بسرعة 20.000 عضو).فإن نحن رخصنا التلقيح بالطريقة الاصطناعية واتخذ كحل لمشكل العقم مثلا عند الزوجين وكوسيلة علاجية مدعين أن الإسلام يأمرنا بالعلاج لطلب منا ما هو أكثر وهو أن يفتي علماؤنا بجواز أبناك المني... نعم إن الإسلام يطلب منا أن نأخذ بوسائل العلاج المشروعة، وليس كل ما يقدمه لنا الغرب من حلول دخيلة على تصورنا وعقيدتنا يتحتم علينا الأخذ بها. فمشكل العقم يجب قبل كل شيء أن ننهج طرقا وقائية منه.- بالحد من الزنى والأمراض الجنسية (إذ تسبب عددا كبيرا من حالات العقم) ؛- بعلاج حالات مرضية ولا سيما سل الجهاز التناسلي والوقاية منه بإشاعة التلقيح (أو التطعيم) المجاني ب.س.ج. (B.C.G.)كما هو الشأن عندنا بتنظيم حملات وطنية للتلقيح عوضا عن ترويج وسائل منع الحمل المستوردة من أمريكا إلى البلاد الإسلامية بالمجان. ويمثل هذا المرض (أي سل الجهاز التناسلي) السبب الرئيسي للعقم ...- اقتراح وسائل علاجية حديثة باستعمال الجراحة المجهرية لمسد قناة الرحم في الحالات التي يتعلق فيه العقم بانسداد هاته القناة ؛- البحث عن وسائل علاجية أخرى غير مستسلمين لما يسميه الطب بالعقم الذي لا يعرف سببه (stérilité essentielle). إذن يكون موقفنا من رفض طرق الاستنجاب بالتلقيح الاصطناعي إيجابيا في حد ذاته على صعيد البحث والتجربة ودفع عجلة العلم إلى الأمام لمعرفة أسباب العقم التي لم تكشف بعد والوقاية منه وليس بإنشاء أبناك المني والدعاية لطرق الاستنجاب بالتلقيح الاصطناعي في شكل حركة عالمية تخطط وتدبر للمسلمين للقضاء عليهم بالدس في أنسابهم والغريب أن نفس هؤلاء هم الذين يتبنون كذلك حركة تحديد النسل التي تستهدف البلاد الإسلامية والبلاد الضعيفة للقضاء والسيطرة عليها وتغليب ميزان القوة لصالح اليهود والصليبيين. وهم الذين يخططون ويضعون سياسة دول العالم. فبينما الدول النامية تتلف الفائض من محصولها الزراعي خشية التكدس تجد دول العالم الثالث بما في ذلك دول إفريقيا وآسيا وشعوبها تعاني صعوبات من القحط ومن الجوع والأمراض الوبائية.والآية الكريمة مصداق لذلك واليهود هم اليهود من أول الدنيا يهلكون الحرث والنسل. إن الحضارة الغربية بمجتمعها المريض خلقت مشاكل جديدة عامة في كل المرافق ويعاني بسببها الطب كذلك ما يعاني وبقي الإسلام قابعا مرصودا أحيانا داخل بلاده وأحيانا أخرى خارجها ولا يستطيع أن ينبس بكلمة الفصل في الأمور والمستحدثات ومع ذلك تجد من الفقهاء - ولا شك عن حسن نية - من يجهد نفسه للإدلاء بالفتوى حول أشياء وأشياء.فما لنا ولحل مشكلات خلقتها حضارة الغرب في غياب عن الإسلام وأحكامه بعد تعطيله في مرافق الحياة. هل من المنطق والإنصاف أن تستشير الإسلام في آخر المطاف عن رأيه حول اللقطاء وقضية التبني والحمل السفاح وكذا وكذا ؟ والإسلام يقف مكتوف الأيدي موقف المتفرج عنوة عنه. لا يقوم بدوره الفريد في تنظيم المجتمع. ولا يكفي هذا بل نتحامل عليه وعلى دعاته أحيانا لكي يقصى من مجال الحياة ويقتصر على العبادات فقط (كما هو الشأن مثلا في المسيحية).فما جدوى الفتاوى التي لا تحل المشاكل من أساسها والإسلام وضع حواجز وعقبات دون العلاقات الجنسية البهيمية فمن اتلاف البكارة، وأمراض جنسية، وسرطان عنق الرحم ، وحمل السفاح، والإجهاض، وطفل لقيط ...إلى غير ذلك.احجبوا نساءكم وبناتكم... طبقوا الحجاب وعدم الاختلاط في مجتمع نظيف ولن تصل يد رجل حتى لمصافحة امرأة بله افتراض وجود علاقة جنسية أثيمة وغير شرعية... أو وجود اللقيط.هذا، ولقد استعرضنا فيما سبق الخطوط العريضة لفقه الطب وقلنا أنه يخص الطبيب والتطبيب والمريض والتمريض والعلاج والدواء... وقبل ختام هذا المبحث دونك المحور الثالث محور العلاج والتداوي والدواء لما قد يثيره الدواء والتداوي بما هو حرام من إشكال مع الفتوى التالية التي أنقلها بأمانة:
    ضرو
    رة الدواء : تحت هذا العنوان، جاء في كتاب «الحلال والحرام في الإسلام»، ما نصه : «وأما ضرورة الدواء -بأن يتوقف برؤه على تناول شيء من هذه المحرمات- فقد اختلف في اعتبارها الفقهاء.. فمنهم من لم يعتبر التداوي ضرورة قاهرة كالغذاء، واستند كذلك إلى حديث "إن الله لم يجعل شفائكم فيما حرم عليكم".ومنهم من اعتبر هذه الضرورة وجعل الدواء كالغذاء، فكلاهما لازم للحياة في أصلها أو دوامها، وقد استدل هذا الفريق -على إباحة هذه المحرمات للتداوي- بأن النبي صلى الله عليه وسلم رخص في لبس الحرير لعبد الرحمن بن عوف والزبير بن العوام رضي الله عنهما لحكة -جرب- كانت بهما. مع نهيه عن لبس الحرير، ووعيده عليه.وربما كان هذا القول أقرب إلى روح الإسلام الذي يحافظ على الحياة الإنسانية في كل تشريعاته ووصاياه.ولكن الرخصة في تناول الدواء المشتمل على محرم مشروطة بشروط:
    - أن يكون هناك خطر حقيقي على صحة الإنسان إذا لم يتناول هذا الدواء.- ألا يوجد دواء غيره من الحلال يقوم مقامه أو يغني عنه.- أن يصف ذلك طبيب مسلم ثقة في خبرته وفي دينه معا.على أنا نقول مما نعرفه من الواقع التطبيقي، ومن تقرير ثقات الأطباء: أن لا ضرورة طبية تحتم تناول شيء من هذه المحرمات -كدواء- ولكننا نقرر المبدأ احتياطا لمسلم قد يكون في مكان لا يوجد فيه إلا هذه المحرمات. ». اهـ
    خلاصة :
    يقترح الكاتب في هذا المبحث تجميع مادة لفقه الطب والطبيب والمريض والدواء ضمن فقه يتناول النوازل الطبية الحديثة على الخصوص لترشيد الطب والمهنة الطبية وفق الشريعة الإسلامية والدستور الإسلامي، مُقننٍ في القانون الطبي المهني الإسلامي. ويضرب الكاتب أمثلة للنوازل الطبية على العموم المعروف منها والجديد الذي أفرزته الحضارة الغربية في عصرنا هذا. ويأمل الكاتب أن تُدَرَّسَ مادته في كليات الطب والصيدلة والشريعة والقانون على السواء.

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •