تبادل التقديم بين كبر السن وعقر المرأةتقوم اللغة على الاحتياج المعنوي والأهمية المعنوية ، والإنسان يتحدث بمستويات متعددة تحت رعاية الاحتياج المعنوي غالبا واللفظي نادرا مع علامات أمن اللبس ليكون بعيدا عن اللبس والتناقض وهو غاية كل لغة من لغات العالم ،كما هو الحال في قوله تعالى على لسان سيدنا زكريا:"قال رب أنى يكون لي غلام وقد بلغني الكبر وامرأتي عاقر قال كذلك الله يفعل ما يشاء " فقدم في هذه الآية الكريمة سبب بلوغه الكبر على سبب عقر امرأته بالضابط المعنوي،وهذا هو الأصل ،فالإنسان يتحدث عن نفسه ثم يتحدث عن غيره ، تقول:هذا لي وهذا لغيري، وقال تعالى:": قال رب إني لا أملك إلا نفسي وأخي فافرق بيننا وبين القوم الفاسقين " فقدم نفسه على أخيه وقدم نفسه ونفس أخيه على الغرباء ،وقال تعالى"رب اغفر لي ولوالدي ولمن دخل بيتي مؤمنا وللمؤمنين والمؤمنات" ،فقد قدم طلب الغفران لنفسه قبل غيره،وهذا هو الأصل ،فالنفس مقدمة على غيرها ،وقال تعالى "قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم " وهذا الترتيب من الخاص إلى العام ،ومن الأهم إلى الأقل أهمية ولكن قال تعالى كذلك "قال رب أنى يكون لي غلام وكانت امرأتي عاقرا وقد بلغت من الكبر عتيا" وهذا الترتيب من العام إلى الخاص ،بالضابط اللفظي من أجل تساوي الفواصل ،ويقول تعالى كذلك في شأن عيسى عليه السلام :"فمن حاجّك فيه من بعد ما جاءك من العلم فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين"(آل عمران 61) وفي هذه الآية عدول عن الأصل من العام إلى الخاص ،ومن الأهم إلى الأقل أهمية كذلك ،لأن الموطن موطن معركة ومحاججة،حيث خص الأبناء والنساء وقدمهم على النفس لأنهم أعز الأهل وألصقهم بالقلوب،وربما فداهم الرجل بنفسه وحارب دونهم حتى يُقتل ، ومن عاداتهم أنهم كانوا يسوقون مع أنفسهم الأطفال والظعائن ليشجعوهم وليمنعوهم من الهرب من المعركة ،ويسمون الذادة عنهم بأرواحهم حماة الحقائق ،وقدمهم في الذكر على الأنفس لينبه على لطف مكانهم وقرب منزلتهم ،وليؤذن أنهم مقدمون على النفس مفدون بها ،وقد جاءت الآية القرآ نية على حسب عاداتهم وأقوالهم ،لأن فيها دعوة إلى التجمع من أجل الابتهال والدعاء وتشجيع الآباء والأزواج وبث الحمية فيهم ،فالكلام يترتب غالبا بحسب الأهميةالمعنوية عند المتكلم في الأصل وفي العدول عن الأصل ،وبحسب الضابط اللفظي نادرا.