نون كان المجزومة بين الذكر والحذف
تقوم اللغة على الاحتياج المعنوي والأهمية المعنوية ، والإنسان يتحدث بمستويات متعددة تحت رعاية الاحتياج المعنوي غالبا واللفظي نادرا مع علامات أمن اللبس ليكون بعيدا عن اللبس والتناقض وهو غاية كل لغة من لغات العالم ،كما هو الحال في قوله تعالى" ولا تحزن عليهم ولا تك في ضيق مما يمكرون" وقوله تعالى:ولا تحزن عليهم ولاتكن في ضيق مما يمكرون" فقد دعت الحاجة المعنوية إلى بقائها في الثانية وإلى حذفها من الأولى لهدف بلاغي ،جاء في البرهان ما معناه أن هذه النون تحذف تنبيها على صغر مبدأ الشيء وحقارته "(1) والأمر يعود إلى الأهمية المعنوية عند المتكلم ،فالمتكلم يذكرها ويحذفها بحسب الأهمية لذلك ، ففي قوله تعالى" ولا تحزن عليهم ولا تك في ضيق مما يمكرون" تحقير للضيق ،ونهي عن أقله أما الآية الثانية فهي لا تحتاج لذلك ، فبقاء النون يعني كمال الفعل أو الشيء المذكور أما الحذف فيعني نقصان الفعل أو الشيء المذكور وحقارته ،وأمر الذكر والحذف يعود إلى الأهمية المعنوية عند المتكلم وليس اعتباطيا ، ولا يعود إلى التخفيف كما يقول النحاة ،جاء في معاني النحو ما معناه "البليغ لا يحذف لمجرد التخفيف وإنما لغرض بلاغي ، فقال في الأولى "ولا تك في ضيق" لأن الرسول الكريم تضايق من رؤية المسلمين وقد مثَّل بهم المشركون فحلف أن يمثل بهم ،فنزلت هذه الآية الكريمة توصيه بالصبر ثم نهاه الله –تعالى- عن أن يكون في ضيق من مكرهم فقال"ولا تك في ضيق مما يمكرون"أي لا يكن في صدرك أي ضيق مهما قل، وهو تطمين من الله لرسوله وتطييب لخاطره لضخامة الأمر وبالغ الحزن،أو هو من باب تخفيف الأمر وتهوينه على المخاطب فخفف الفعل بالحذف إشارة إلى تخفيف الأمر وتهوينه على النفس ،أما الآية الأخرى فهي في المحاجة في المعاد وهو ما لا يحتاج إلى مثل هذا التصبير(2)
============================== =
(1) البرهان-ج1ص ص404-407
(2)د.فاضل السامرائي –معاني النحو-ج1 ص ص230-233.