قال تعالى:وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ"
تقوم اللغة على الاحتياج المعنوي والأهمية المعنوية ، والإنسان يتحدث بمستويات متعددة تحت رعاية الاحتياج المعنوي غالبا واللفظي نادرا مع علامات أمن اللبس ليكون بعيدا عن اللبس والتناقض وهو غاية كل لغة من لغات العالم كما هو الحال في قوله تعالى:"إِنَّا أَنزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًىوَنُورٌ ۚ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا وَالرَّبَّانِيّ ُونَ وَالْأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِن كِتَابِ اللَّهِ وَكَانُوا عَلَيْهِ شُهَدَاءَ ۚ فَلَا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ وَلَا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا ۚ وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ *وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالْأَنفَ بِالْأَنفِ وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ ۚ فَمَن تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَّهُ ۚ وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ *وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الْإِنجِيلِ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فِيهِ ۚ وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْفَاسِقُون *
وفي هذه الآيات الكريمة ما يلي:
1- قال تعالى في الآية الأولى:"وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ" وقال في الثانية :" وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ" وقال في الثالثة:" وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْفَاسِقُون *فهل يصلح قول من هذه الأقوال مكان الآخر أم اختص كل قول بالموضع الذي قيل فيه ؟ يختص كل قول من هذه الأقوال بالمكان الذي قيل فيه ،فقوله تعالى :" وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ" ۚ" جاء عقيب قوله : إنا أنزلنا التوراة فيها هدى ونور....." ففي ذلك إشارة إلى أنه لا يحكم بجميعها ، بل يخالف رأسا ، ولذلك جاء"فَلَا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ" و" ولا تشتروا بآياتي ثمنا قليلا" وهذا كفر ، فناسب ذكر الكافرين ،وهناك احتياج معنوي بين تبديل حكم الله بالرشوة وبين الكفر .
أما قوله تعالى: وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الظالمون " جاء عقيب أشياء مخصوصة من أمر القتل والجروح ، فناسب ذكر الظلم المنافي للقصاص وعدم التسوية ، وإشارة إلى ما كانوا قرروه من عدم التساوي بين بني النضيروبني قريظة،فهناك احتياج معنوي بين عدم التسوية والظلم. أما قوله تعالى:"ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون"ناسب هنا ذكر الفسق ، لأنه خرج عن أمر الله تعالى إذ تقدم قوله : وليحكم ، وهو أمر . كما قال تعالى : "اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس كان من الجن ففسق عن أمر ربهأي : خرج عن طاعة أمره تعالى، فهناك احتياج معنوي بين الأمر بالحكم والخروج عنه أو الفسوق. فقد اتضح مناسبة ختم الجملة الأولى بالكافرين ، والثانية بالظالمين ، والثالثة بالفاسقين . وقال ابن عطية: وتكرير هذه الصفات لمن لم يحكم بما أنزل الله هو على جهة التوكيد ، وأصوب ما يقال فيها : إنها تعم كل مؤمن وكافر ، فيجيء كل ذلك في الكافر على أتم وجوهه ، وفي المؤمن على معنى كفر المعصية وظلمها وفسقها .(1) 2- المقصود بالحكم في هذه الآيات الكريمة هو الفصل في المنازعات بدليل الحديث عن القصاص والرشوة ،فهناك احتياج معنوي بين الحكم في المنازعات وبين القصاص والرشوة .
والله أعلم
============================== =========
(1)تفسير البحر المحيط بتصرف يسير