قال تعالى:" فتقبلها ربها بقبول حسن وأنبتها نباتا حسنا"
تقوم اللغة على الاحتياج المعنوي والأهمية المعنوية ،والإنسان يتحدث بمستويات متعددة تحت رعاية الاحتياج المعنوي غالبا واللفظي نادرا مع علامات أمن اللبس ليكون بعيدا عن اللبس والتناقض وهو غاية كل لغة من لغات العالم كما هو الحال في قوله تعالى:"إذ قالت امرأة عمران رب إني نذرت لك ما في بطني محررافتقبل مني إنك أنت السميع العليم*فلما وضعتها قالت رب إني وضعتها أنثى والله أعلم بما وضعت وليس الذكر كالأنثى وإني سميتها مريم وإني أعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم*فتقبلها ربها بقبول حسن وأنبتها نباتا حسنا وكفلها زكريا كلما دخل عليها زكريا المحراب وجد عندها رزقا قال يا مريم أنى لك هذا قالت هو من عند الله إن الله يرزق من يشاء بغير حساب*
وفي هذه الآية عدة أمور منها:
1-قوله تعالى"إني نذرت لك" تقدم شبه الجملة على محور التأليف للتخصيص ولهذا ارتبط شبه الجملة بالفعل أولا مما يدل على قوة العلاقة المعنوية بينهما.
2- قوله تعالى "والله أعلم بما وضعت" جملة معترضة ،جاءت من أجل التنزيه والتعظيم ،وتسمية هذه الجملة بالمعترضة يوحي بأن الكلام يقوم على الاحتياج المعنوي فهي تفصل بين طالب ومطلوب وبينهما علاقة معنوية قوية كقوله تعالى:وإنه لقسم لو تعلمون عظيم "فقد فصل بين الموصوف وصفته "بقوله لو تعلمون" ،وفصله بين الصفة والموصوف على شدة العلاقة بينهما يوحي بأهمية هذا الفاصل ،فالجملة المعترضة أهم عند المتكلم من الكلام الذي تفصل بين أجزائه ،فاللغة تقوم على الاحتياج المعنوي عند المتكلم.
3- في قوله تعالى"فتقبلها ربها بقبول حسن " وقوله" فأنبتها نباتا حسنا عدول على المحور الرأسي للآية الكريمة ، فلم يقل"تقبلا " وإنباتا" وجاء بمصدر لفعل آخر فيجمع بين المعنيين كمعنى التدرج ومعنى المطاوعة مثلا (ولم يقل "إنباتا " لأنه لو قال" إنباتا" لم يجعل لها فضلا ،لأنه لم يزد على معنى الإنبات ، وإنما قال نباتا حسنا على معنى أنها قبلت الإنبات فنبتت نباتا حسنا فجعل لها في معدنها الكريم قبولا لذلك الإنبات واستجابة له ،ولو قال إنباتا لجردها من هذا المعنى ،والله أعلم)(1)
============================== =
(1)د.فاضل السامرائي –معاني النحو –ج 2ص ص159-164