نموذج المثقف الذكي ، الذي ينتقد الواقع الديني ، بسبب أخطاء فيه ، لكنه بسبب قلة معرفته الشرعية ، لا يفرق بين خطأ المنتسبين للعلم الشرعي وما ليس بخطأ عندهم ، فيتجاوز في نقده ، ويغلو في استخفافه = هو نموذج قديم متجدد ، وليس حدثا معاصرا ، بل هو واقع مجتمعي ما وُجد أخطاء لدى المنتسبين للشرع ( ولا بد من وجودها ) ، وما وُجد مثقفون أذكياء يلحظون الخطأ ، ولكن لا يميزونه عن الصواب .ومن أمثلة هؤلاء في القرون الأولى : من أطلق عليهم الإمام الشافعي وغيره في عصره بـ( المتكلمين ) ، وليسوا هم المتكلمين الذين عُرفوا بهذا اللقب في القرن الرابع فما بعده ، كما يظهر من مناقشات الإمام الشافعي ، وكما نبه على ذلك غير واحد من أهل العلم .
فالمتكلمون عند الشافعي هم قوم أصحاب جدل وكلام ، مع ضعف في التأصيل العلمي ، فما رضوا إلا أن يخوضوا في أصول الدين بما لا تأهيل علميا يؤهلهم له :
- حتى ظهر فيهم من لا يحتج إلا بالقرآن .
- ومن لا يحتج إلا بالقرآن والمعلوم من الدين بالضرورة ( من نقل العامة عن العامة ) .
- ومن لا يحتج إلا بالقرآن والمعلوم ضرورة وبالمتواتر .
وقد ناقشهم الإمام الشافعي في كتابه جماع العلم ، ورد عليهم ، وبين لهم عجزهم العلمي .
ومن الأمثلة الواضحة لهذا الصنف من المتكلمين الجهلة فيما يخوضون فيه : ضرار بن عمرو ، صاحب كتاب ( التحريش) الذي ذكرته سابقا . فهو كشكول من الجهل والذكاء والعفرتة ، مغتاظ من واقع : جزء منه يستحق التغيّظ عليه ، وجزء منه ضرار بن عمرو نفسه هو الأولى والأحق بالتغيظ عليه فيه !!
وفي المعاصرين لهم نماذج كثيرة ، زاد من انتشارها :
1- تفاقم أخطاء المنتسبين للعلم الشرعي .
2- شيوع الجهل الديني في الأمة .
3- نشر بذور التمرد والمراهقة الفكرية تحت شعارات التعقل والحرية الفكرية .
4- تيسر منابر إعلامية لكل من هب ودب .

د/حاتم العوني.