من مشاهد يوم القيامة
بقلم -فالح الحجية
تفسير سورة الملك
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَٰنِ الرَّحمن
( تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (1) الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ (2) الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ (3) ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِئًا وَهُوَ حَسِيرٌ (4) وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَجَعَلْنَاهَا رُجُومًا لِلشَّيَاطِينِ وَأَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابَ السَّعِيرِ (5) وَلِلَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (6) إِذَا أُلْقُوا فِيهَا سَمِعُوا لَهَا شَهِيقًا وَهِيَ تَفُورُ (7) تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ (8) قَالُوا بَلَى قَدْ جَاءَنَا نَذِير ٌ فَكَذَّبْنَا وَقُلْنَا مَا نَزَّلَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلا فِي ضَلالٍ كَبِيرٍ (9) وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ (10) فَاعْتَرَفُوا بِذَنْبِهِمْ فَسُحْقًا لِأَصْحَابِ السَّعِيرِ (11) إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ (12) وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (13) أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ (14) هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الارْضَ ذَلُولا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ (15) أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الارْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ (16) أَمْ أَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِ (17) وَلَقَدْ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ (18) أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صَافَّاتٍ وَيَقْبِضْنَ مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلا الرَّحْمَنُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ بَصِيرٌ (19) أَمَّنْ هَذَا الَّذِي هُوَ جُنْدٌ لَكُمْ يَنْصُرُكُمْ مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ إِنِ الْكَافِرُونَ إِلا فِي غُرُورٍ (20) أَمَّنْ هَذَا الَّذِي يَرْزُقُكُمْ إِنْ أَمْسَكَ رِزْقَهُ بَلْ لَجُّوا فِي عُتُوٍّ وَنُفُورٍ (21) أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيًّا عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (22) قُلْ هُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالاَبْصَارَ وَالاَفْئِدَةَ قَلِيلا مَا تَشْكُرُونَ (23) قُلْ هُوَ الَّذِي ذَرَأَكُمْ فِي الاَرْضِ وَإِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (24) وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (25) قُلْ إِنَّمَا الْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ وَإِنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ (26) فَلَمَّا رَأَوْهُ زُلْفَةً سِيئَتْ وُجُوهُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَقِيلَ هَذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تَدَّعُونَ (27) قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَهْلَكَنِيَ اللَّهُ وَمَنْ مَعِيَ أَوْ رَحِمَنَا فَمَنْ يُجِيرُ الْكَافِرِينَ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ (28) قُلْ هُوَ الرَّحْمَنُ آمَنَّا بِهِ وَعَلَيْه ِ تَوَكَّلْنَا فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (29) قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْرًا فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِمَاءٍ مَعِينٍ 30))
سورة الملك كاملة
الحمد لله \
سورة تبارك او الملك تسمى ( المنجية ) لانها تنجي حافظها
و قارئها وتاليها من عذاب القبر فقد ورد عن أنس بن مالك انه قال: قال الرسول صلى الله عليه وسلم :
( إن رجلاً ممن كان قبلكم مات وليس معه شئ من كتاب الله إلا تبارك فلما وضع في حفرته أتاه الملك فثارت السورة في وجهه فقال لها إنك من كتاب الله وأنا أكره مساءتك وإني لا أملك لك ولا له ولا لنفسي ضراً ولا نفعاً فإن أردت هذا به فانطلقي إلى الرب تبارك وتعالى فاشفعي له فتنطلق إلى الرب فتقول يا رب إن فلاناً عمد إلىّ من بين كتابك فتعلمني وتلاني أفتحرقه أنت بالنار وتعذبه وأنا في جوفه ؟ فإن كنت فاعلاً ذاك به فامحني من كتابك فيقول ألا أراك غضبت ؟ فتقول وحق لي ان اُغضب فيقول :اذهبي فقد وهبته لك وشفّعتك فيه .قال .فتجئ فتزجر الملك فيخرج خاسف البال لم يحل منه بشئ .قال .فتجئ فتضع فاها على فيه فتقول مرحبا بهذا الفم فربما تلاني ومرحباً بهذا الصدر فربما وعاني ومرحباً بهاتين القدمين فربما قامتا بي وتؤنسه في قبره مخافة لوحشة عليه ).
وجاء عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال :
(( إن سورة في القرأن ثلاثين آية شفعت لصاحبها حتى غفر الله له ) تبارك الذي بيده الملك )).
وقال فيها ايضا الرسول محمد صلى الله عليه وسلم :
(لو وددت أنها في قلب كل إنسان من أمتي ) تبارك الذي بيد الملك .
وكذلك قال عنها الرسول محمد صلى الله عليه وسلم :
(( سورة في القرآن خاصمت عن صاحبها حتى أدخلته الجنة) تبارك الذي بيده الملك)) .
وكذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم في فضلها:
(هي المانعة هي المنجية تنجيه من عذاب القبر)
اي تنجي حافظها وقيل وتاليها ومن قرئت عليه والله تعالى اعلم.
وفي تفسيرها اقول وبالله التوفيق :
تبارك الله اي تعاظم وتعالى وعم إحسانه وفضله من عظمته أنه تعالى بيده ملك العوالم العلوية والعوالم السفلية خالقها ومتصرف فيها بارادته بما شاء ومن عظمته كمال قدرته التي يقدر بها على كل شيء وبها أوجد ما أوجد من المخلوقات العظيمة في السماوات والأرض.و قدّر لعباده أن يحييهم ثم يميتهم فالله تعالى خلق عباده وجعلهم في الحياة الدنيا وبين لهم انهم سيموتون ثم يبعثون مرة اخرى وأمرهم ونهاهم وابتلاهم بالشهوات في حياتهم الاولى فمن انقاد لأمر الله تعالى وأحسن العمل أحسن الله له الجزاء في الحياة الدنيا وفي الاخرة ومن مالت نفسه الى شهواتها ولم يسلم لأمر الله تعالى فله شر الجزاء فالله تعالى الذي له العزة كلها و التي قهر بها جميع الأشياء وانقادت له كل المخلوقات. وهو الْغَفُورُ عن المسيئين والمقصرين والمذنبين إذا تابوا وأنابوا اليه فإنه يغفر ذنوبهم ولو بلغت عنان السماء ويستر عيوبهم .
وهو سبحانه وتعالى الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا كل واحدة فوق الأخرى وليس متكونة من طبقة واحدة وخلقها في غاية الحسن والابداع ليس فيها نقص ولا خلل .مناسبة من كل وجه من وجوه الصناعة في لونها وهيئتها وارتفاعها وما فيها من الشمس والقمر والكواكب المنيرة والكواكب الثوابت منهن والسيارة ولما كان كمالها معلومًا وتاما . أمر الله تعالى البشر التامل في النظر فيها و تكرار النظر إليها والتأمل في أرجائها فسيظهر ويثبت هذا الناظر او المتأ مل انه عاجز أن يرى اي خلل أو انفطار .ثم صرح الله تعالى بذكر حسنها وجمالها بمصابيح وهي النجوم في النور والضياء الظاهر في سمائها. و جعل هذه النجوم زينة للسماء وجمالا ونورًا وهداية يهتدى بها البشر في ظلمات البر والبحر في تجوالهم وترحالهم ولا ينافي إخباره أنه زين السماء الدنيا بمصابيح أن يكون كثير من النجوم فوق السماوات لايعلمها الا هو وانه تعالى قد جعلها - هذه المصابيح -رُجُومًا لِلشَّيَاطِينِ الذين يريدون يسترقون السمع في خبر السماء فجعل هذه النجوم حراسة للسماء عن تلقف الشياطين أخبار الأرض فهذه الشهب التي تنفصل من النجوم أعدها الله تعالى في الحياة الدنيا رجوما للشياطين كما اعد لهم في الآخرة عَذَابِ السعير .
اما في يوم القيامة يوم الثواب والحساب فسيلقون في جهنم لأنهم تمردوا على امر الله تعالى وأضلوا فريقا من عباده ولهذا كان أتباعهم من الكفار مثلهم قد أعد الله تعالى لهم عذاب السعير و يهانون غاية الهوان والمذلة فاذا جاؤوها و القوا فيها . و سمعوا لها اصواتا عالية فظيعة تفور فورانا و تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ تكاد على اجتماعها أن يفارق بعضها بعضًا وكانها ولهبها امواج بحر عاتية وتتقطع من شدة غيظها على الكفار وقد صاروا في داخلها لتحرقهم .
اما خزنتها فتصرفهم مع الكافرين التانيب والتوبيخ فكلما القي فيها فوج او زمرة من الكافرين يسألونهم :
الم يأتكم نذير اي نبي او رسول يذكركم بعذاب جهنم فيعتر فون انهم جاءهم الرسل والانبياء من الله تعالى الا انهم استمروا في كفرهم وتكذيبهم لهم ولم يكتفوا بمجرد الضلال بل جعلوا ضلالهم ضلا لا كبيرًا . واقروا اعترافا بفعالهم لو كنا نسمع ارشادهم او نعقل ما جاؤوا في اجله من الايمان ما كنا في هذا الموقع السيئ – وهو جهنم - ولهذا اعتنرفوا بانهم مذنبون فهم يستحقون العذاب والسعير لذا فهم ملازمون للسعير حيث تستعر في أبدانهم وتطلع على أفئدتهم!
اما اصحاب الجنة فهم السعداء الأبرار الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ و في جميع أحوالهم حتى في الحالة التي لا يطلع عليهم فيها إلا الله تعالى اي اعمالهم في السر فلا يقدمون على معصية ولا يقصرون فيما أمرهم الله تعالى به فلَهُمْ مَغْفِرَةٌ لذنوبهم فإذا غفر الله تعالى ذنوبهم ووقاهم عذاب الجحيم جعلهم من اصحاب الجنة فهؤلاء لهم أجر كبير وهو ما أعده لهم في الجنة من النعيم المقيم والملك الكبير والقصور والمنازل العالية والحور العين الحسان والخدم والولدان راضية نفوسهم برضا الرحمن واحسانه الذي انعم عليهم وجعلهم من أهل الجنان.
ثم يذكر تعالى سعة علمه وشمول لطفه فيقول ( وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ ) اي انها سواسية عند الله تعالى ويعلمها الله تعالى سواء عمل سرا اوجهرا او قال سرا او جهرا فإِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ بما فيها من النيات، والإرادات فكيف بالأقوال والأفعال التي تسمع وترى ثم يؤكد الله تعالى : الا يعلم الخالق من خلق – ومن تستخدم للعاقل - اي الا يعلم اي شيئ خلقه وهو خالق كل شيئ .
ثم قال الله تعالى مستدلا بدليل عقلي على علمه (أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وهو اللطيف الخبير ) اي من يصنع شيئا الا يعلم ما في دواخله ويتقنه ويحسن ما فيه فمن خلق الخلق وأتقنه وأحسنه ا لطف بعلمه وخبره حتى أدرك السرائر والضمائر يعلم أنه الذي يلطف بعبده ووليه فيسوق إليه البر والإحسان من حيث لا يشعر، ويعصمه من الشر، من حيث لا يحتسب ويرقيه إلى أعلى المراتب وافضل الامور و هو الذي سخر الأرض وذللها لعباده ليدركوا كل ما تعلقت به حاجتهم من غرس وبناء وحرث وسبل يتوصل بها إلى الأقطار النائية والبلدان الشاسعة فَا مْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا واسعوا في ارجائها لطلب الرزق وما يكسبونه و ينتقلوا فيها وقد جعلها الله تعالى امتحانًا وطريقا إلى الدار الآخرة حيث يبعثون بعد موتهم، ويحشرون إلى الله تعالى ليجازيهم بأعمالهم بالحسنة الجنة وبالسيئة النار .
ويخاطب الله تعالى عباده ( أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الارْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ * أَمْ أَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِ * وَلَقَدْ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ )
وفي هذه الايات تهديد ووعيد لمن يعصيه من احلال العقوبة عليه ان يخسف الله تعالى بهم الارض او يرسل عليهم عذابا من السماء يحصبهم ا ويكون امرهم عليهم غمة وقد اهلك الله تعالى اقواما كثيرة من قبل وعاجلهم العقوبة في الحياة الدنيا وحذرهم ان تصيبهم مثلما اصابت من قبلهم . وضرب الله تعالى لهم مثلا حالة الطير التي سخر الله تعالى لها الهواء والجو الواسع تطير فيه سابحة باجنحتها في هذا الفضاء الواسع ساعية في رزقها وحاجتها وجعل أجسادهن وخلقتهن في حالة مستعدة للطيران ومتكيفة اليه فمن نظر في حالة الطير واعتبر في قدرة الباري فيها وعنايته الربانية وأنه الواحد الأحد يبين له إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ بَصِيرٌ بما تقتضيه حكمته وقدرته .
ثم يوجه الله تعالى خطابه الى الطغاة النافرين عن أمره و المعرضين عن الحق( أَمَّنْ هَذَا الَّذِي هُوَ جُنْدٌ لَكُمْ يَنْصُرُكُمْ مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ ) اي من الذي ينصركم إذا أراد بكم الله تعالى سوءًا فيدفعه عنكم؟ و من الذي ينصركم على أعدائكم غير الله تعالى وهو الرحمن الرحيم بكم فالله تعالى هو الناصر المعز المذل فاستمرار الكافرين على كفرهم بعد أن علموا أنهم لا ينصرهم أحد من دون الرحمن وانه غرور وسفه. ولا احد يستطيع ان يرزقهم ان امسك الله تعالى رزقه والرزق كله من عند الله تعالى فإن الخلق لا يقدرون على رزق أنفسهم . ويضرب الله تعالى مثلا أي منهما أهدى؟ من كان تائها في الضلال غارقًا في الكفر قد انتكس قلبه فصار الحق عنده باطلا والباطل حقًا ؟ ومن كان عالمًا بالحق مؤثرًا له عاملا به يمشي على الصراط المستقيم في أقواله وأفعاله وجميع أحواله؟ فبمجرد النظر إلى حال هذين المخلوقين يعلم الفرق بينهما والمهتدي من الضال منهما والاحوال خير شاهد من الأقوال.
ثم يبين الله تعالى لعباده أنه المعبود الواحد الاحد ولا يوجد معبود سواه وداعيًا عباده إلى شكره وخصه بالعبادة وحده فهو الذي أوجدهم من العدم من غير معاون له ولا مظاهر ولما أنشأهم كمل لهم الوجود بالسمع والأبصار والأفئدة، التي هي أنفع الأعضاء في البدن وأكمل القوى الجسمانية لكنهم مع هذا الإنعام قليل منهم الشاكرين رغم انه بثهم في أقطارها وأسكنهم في أرجائها، وأمرهم بالعبادة والتقوى ونهاهم عن السيئات وأسدى عليهم من النعم ما به ينتفعون و بعد ذلك سيحشرهم ليوم القيامة. هذا اليوم الذي انكره الكافرون وكذبوا به و جعلوا علامة صدقهم اخبارهم بوقته وموعده وهذا فيه ظلم وعناد فإنما علمه عند الله تعالى وحده وقد أقام الله تعالى لهم من الأدلة والبراهين على صحته ما لم يبق معه أدنى شك لمن ألقى السمع وهو شهيد او شاهد على ذلك . وليس هو محل تكذيب فالكفار وغرورهم به حين كانوا في الدنيا فإذا وقعت الواقعة او حل يوم القيامة ورأوا العذاب منهم قريبًا ساءهم ذلك وأفظعهم واقلق نفوسهم فتغيرت لذلك سحنات وجوههم وتوبخوا على تكذيبهم، وقيل لهم هذا الذي كانوا به يكذبون رأ وه عيانًا واتضح الأمر لهم .
امر الله تعالى النبي محمد صلى الله عليه وسلم ان يقول للمكذبين الذين يردون دعوته ويتربصون به ريب المنون أن يقول لهم:
( أنتم وإن حصلت لكم أمانيكم وأهلكني الله ومن معي فليس ذلك بنافع لكم شيئًا لأنكم كفرتم بآيات الله تعالى واستحققتم العذاب فمن يجيركم من عذاب الله تعالى انه عذاب أليم قد تحتم وقوعه بكم وفيه تعبكم) . ومن اقوالهم يضا إنهم على هدى والرسول محمد صلى الله عليه وسلم على ضلال أعادوا في ذلك جاهروا به وجاد لوا عليه وقاتلوا . فأمر الله نبيه محمد صلى الله عليه وسلم أن يخبر عن حاله وحال أتباعه ما به يبين هداهم وتقواهم وهو أن يقولوا ( آمَنَّا بِهِ وَعَلَيْهِ تَوَكَّلْنَا ) وهذا الإيمان يشمل التصديق الباطن بالحق والأعمال الباطنة والظاهرة ولما كانت الأعمال وجودها وكمالها متوقفة على التوكل على الله خص الله تعالى التوكل من بين سائر الأعمال مثل الداخل في الإيمان وتوجب التوكيل عليه ولا على احد غيره فلا إيمان لهم ولا توكل الا عليه سبحانه وتعالى وقد علم بذلك من هو على هدى ومن هو في ضلال مبين . ثم يخبر الله تعالى تفرده بالانعام ونعم الحياة الدنيا ونعم الحياة الاخرة وخص من بينها الماء الذي جعل الله منه كل شيء حي فقال ( قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْرًا ) غائرًا في باطن الارض ( فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِمَاءٍ مَعِينٍ ) صافيا زلالا يشربون منه في حياتهم ويستخدمونه في امورهم و في سقي حيواناتهم وزروعهم. وفي هذا استفهام استنكاري يفيد النفي ومعناه لا احد يقدر على تزويدهم بهذه النعم الا الله تعالى وحده . سبحانه وتعالى عما يشركون .
والله تعالى اعلم
امير البيان العربي
د. فالح نصيف الحجية الكيلاني
العراق- ديالى - بلدروز
**********************