تنقض المرأة شعرها لحيض ونفاس لحديث عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ، خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُوَافِينَ لِهِلاَلِ ذِي الحَجَّةِ، فَقَالَ لَنَا: «مَنْ أَحَبَّ مِنْكُمْ أَنْ يُهِلَّ بِالحَجِّ فَلْيُهِلَّ، وَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يُهِلَّ بِعُمْرَةٍ، فَلْيُهِلَّ بِعُمْرَةٍ، فَلَوْلَا أَنِّي أَهْدَيْتُ لَأَهْلَلْتُ بِعُمْرَةٍ»، قَالَتْ: فَمِنَّا مَنْ أَهَلَّ بِعُمْرَةٍ، وَمِنَّا مَنْ أَهَلَّ بِحَجٍّ، وَكُنْتُ مِمَّنْ أَهَلَّ بِعُمْرَةٍ، فَأَظَلَّنِي يَوْمُ عَرَفَةَ وَأَنَا حَائِضٌ، فَشَكَوْتُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: «ارْفُضِي عُمْرَتَكِ، وَانْقُضِي رَأْسَكِ، وَامْتَشِطِي، وَأَهِلِّي بِالحَجِّ»، فَلَمَّا كَانَ لَيْلَةُ الحَصْبَةِ أَرْسَلَ مَعِي عَبْدَ الرَّحْمَنِ إِلَى التَّنْعِيمِ، فَأَهْلَلْتُ بِعُمْرَةٍ مَكَانَ عُمْرَتِي([1]).
ولا تنقضه للجنابة لحديث أُمِّ سَلَمَةَ رضي الله عنها، قَالَتْ: قُلْتُ يَا رَسُولَ اللهِ إِنِّي امْرَأَةٌ أَشُدُّ ضَفْرَ رَأْسِي فَأَنْقُضُهُ لِغُسْلِ الْجَنَابَةِ؟ قَالَ: «لَا إِنَّمَا يَكْفِيكِ أَنْ تَحْثِي عَلَى رَأْسِكِ ثَلَاثَ حَثَيَاتٍ ثُمَّ تُفِيضِينَ عَلَيْكِ الْمَاءَ فَتَطْهُرِينَ([2])».
وَعَنْ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ، قَالَ: بَلَغَ عَائِشَةَ، أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ عَمْرٍو يَأْمُرُ النِّسَاءَ إِذَا اغْتَسَلْنَ أَنْ يَنْقُضْنَ رُءُوسَهُنَّ، فَقَالَتْ: يَا عَجَبًا لِابْنِ عَمْرٍو هَذَا؛ يَأْمُرُ النِّسَاءَ إِذَا اغْتَسَلْنَ أَنْ يَنْقُضْنَ رُءُوسَهُنَّ. أَفَلَا يَأْمُرُهُنَّ أَنْ يَحْلِقْنَ رُءُوسَهُنَّ، لَقَدْ كُنْتُ أَغْتَسِلُ أَنَا وَرَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ إِنَاءٍ وَاحِدٍ، وَلَا أَزِيدُ عَلَى أَنْ أُفْرِغَ عَلَى رَأْسِي ثَلَاثَ إِفْرَاغَاتٍ([3]).
قال ابن القيم رحمه الله: ((حديث أم سلمة هذا يدل على أنه ليس على المرأة أن تنقض شعرها لغسل الجنابة، وهذا اتفاق من أهل العلم؛ إلا ما يُحكى عن عبد الله بن عمرو
وإبراهيم النخعي أنهما قالا: تنقضه. ولا يُعلم لهما موافق([4])))اهـ.
وقال ابن قدامة رحمه الله: ((وَلَا يَخْتَلِفُ الْمَذْهَبُ فِي أَنَّهُ لَا يَجِبُ نَقْضُهُ مِنَ الْجَنَابَةِ، وَلَا أَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا بَيْنَ الْعُلَمَاءِ، إِلَّا مَا رُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْروٍ([5])))اهـ.
قال ابن القيم رحمه الله: ((والأصل نقض الشعر؛ ليتيقن وصول الماء إلى ما تحته، إلا أنه عُفِيَ عنه في غسل الجنابة؛ لتكرره، ووقوع المشقة الشديدة في نقضه، بخلاف غسل الحيض، فإنه في الشهر أو الأشهر مرة([6])))اهـ.
[1])) متفق عليه: أخرجه البخاري (1783)، ومسلم (1211).
[2])) صحيح: أخرجه مسلم (330)، وفي لفظ عند مسلم أيضًا: ((فأنقضه للحيضة والجنابة))، وهي لفظة شاذة. قال الشيخ الألباني رحمه الله ((الإرواء)) (1/ 168، 169): ((((وفى حديث عبد الرزاق: "فأنقضه للحيضة والجنابة" وأخرجه أبو عوانة من الطريقين عن الثورى دون قوله: "الحيضة".
وتابعه أيضًا روح بن القاسم: حدثنا أيوب بن موسى به, ولم يذكر "الحيضة". رواه مسلم.
ومن ذلك يتبين أن ذكر "الحيضة" فى الحديث شاذ لا يثبت؛ لتفرد عبد الرزاق بها عن الثورى خلافًا ليزيد بن هارون عنه، ولابن عيينة وروح بن القاسم عن أيوب بن موسى فإنهم لم يذكروها كما رأيت, ولذلك قال العلامة ابن القيم فى تهذيب السنن: "الصحيح فى حديث أم سلمة الاقتصار على ذكر الجنابة دون الحيض, وليست لفظة الحيض بمحفوظة" - ثم ساق الروايات المتقدمة ثم قال -: "فقد اتفق ابن عيينة وروح بن القاسم عن أيوب فاقتصر على الجنابة, واختُلف فيه على الثورى: فقال يزيد بن هارون عنه كما قال ابن عيينة وروح, وقال عبد الرزاق عنه: "أفأنقضه للحيضة والجنابة؟".
ورواية الجماعة أولى بالصواب, فلو أن الثورى لم يختلف عليه لترجحت رواية ابن عيينة وروح, فكيف وقد روى عنه يزيد بن هارون مثل رواية الجماعة؟
ومن أعطى النظر حقه علم أن هذه اللفظة ليست محفوظة فى الحديث"))اهـ..
[3])) صحيح: أخرجه مسلم (331).
[4])) ((تهذيب السنن)) (1/ 288).
[5])) ((المغني)) (1/ 166).
[6])) ((تهذيب السنن)) (1/ 90).