كتاب الطهارة
أبواب المياه
باب طهورية ماء البحر وغيره
1 - عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ { : سَأَلَ رَجُلٌ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّا نَرْكَبُ الْبَحْرَ ، وَنَحْمِلُ مَعَنَا الْقَلِيلَ مِنْ الْمَاءِ ، فَإِنْ تَوَضَّأْنَا بِهِ عَطِشْنَا ، أَفَنَتَوَضَّأُ ، بِمَاءِ الْبَحْرِ ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : هُوَ الطَّهُورُ مَاؤُهُ ، الْحِلُّ مَيْتَتُهُ } رَوَاهُ الْخَمْسَةُ وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ : هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
-----------------------------------------------------------
قلتُ: هذا حديثُ مرويٌ فيّما وقفتُ عليه: عن ابي هريرة ، وعبد الله بن عمرو بن العاص وجابر بن عبد الله، ورجلِ من بني مُدلِج، وابنِ الفراسي، وأبي بكر الصديق رضي الله عنهم، كلهم رُوي عنهم مرفوعاً، ورُوي كذلك عن ابي بكر وعقبة بن عامر موقوفاً وإليك بيانُ أحاديثهم جميعا:-
أولاً: حديث أبي هريرة رضي الله عنه وقد ورد بثلاثِ طرق عنه:-
*الطريق الأول عن المغيرة بن ابي بردة واختُلف عنه:-
>فرواه مالكٌ في موطئه (ص 55 حديث رقم 45)) من طريق سعيد بن سلمة عنه:-
عن صفوان بن سليم، عن سعيد بن سلمة من آل بني الأزرق، عن المغيرة بن أبي بردة، وهو من بني عبد الدار أنه سمع أبا هريرة يقول: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله إنا نركب البحر، ونحمل معنا القليل من الماء، فإن توضأنا به عطشنا، أفنتوضأ به، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «هو الطهور ماؤه الحل ميتته» وهذا حديثٌ صحيحٌ رجاله ثقات أثبات وسعيد بنُ سلمة هو المدني وهو ثقة ((ويوجد بصري في ذات الطبقة ضعّفه النسائي وروى عنه مسلمٌ ووثقه ابن حبان)) قال الذهبي في ترجمة سعيد المدني من ميزانه((3199)):-
((فاما سعيد بن سلمة المدني صاحب حديث: هو الطهور ماؤه فصدوق ، تفرد عن المغيرة بن أبي بردة بذلك، لكن وثقه النسائي))انتهى ، وقد اختَلف الرواة في اسمه فسماه البعض سلمة بن سعيد وآخرون سعيد بن سلمة واما من سمّاه عبد الله بن سعيد فقد ابعد النجعة فلا أعتبره إحتمالاً في تسميته بل هو وهمٌ بلاشك ، وابن ابي بردة ثقةٌ وهو كذلك مُختلَفٌ في إسمه كما نقله المِزيُّ وكما هو مُشاهدٌ في روايات الحديث فقيل هو المغيرة بن عبد الله بن أبي بردة وهذا لا حرجَ فيه ولا يُخالف نسبته الى جده كما هو المعروف من صنيع المحدثين والخلاف فقط هل هو عبد الله بن المغيرة ام المغيرة بن عبدالله والأكثر يُسميه المغيرة ، والرجلُ وثقّه النسائي رحمه الله ولا أعلم أحداً خدشه بجُرح سوى ما نَقَلَ ابن حجر في تهذيب التهذيب: عن علي بن المديني قال ((المغيرة بن أبي بردة رجل من بني عبد الدار سمع من أبي هريرة ولم يُسمع به إلا في هذا الحديث)) وكلام ابن المديني يحتملُ جَرح الرجل بالجهالة مع أن قوله سمع من ابي هريرة ينفيه! ومع هذا فأقول إن للمغيرة أحاديث غير هذا الحديث وليس هذا مقام بسطها، وقد روى هذا الحديث أبو داود(83) عن القعنبي عن مالك ورواه النسائي(59) والترمذي (69) كلاهما عن قتيبة عن مالك.. ورواه ابن ماجه(386) عن هشام بن عمار عن مالك ، ورواه أحمد(7233) عن عبد الرحمن بن مهدي عن مالك به.
>ورواه أحمد في مسنده (8912) عن أبي كثير عن المغيرة فقال :-
حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ لَيْثٍ، عَنْ الْجُلَاحِ أَبِي كَثِيرٍ، عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ نَاسًا أَتَوْا النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالُوا: إِنَّا نَبْعُدُ فِي الْبَحْرِ، وَلَا نَحْمِلُ مَعَنَا مِنَ الْمَاءِ إِلَّا الْإِدَاوَةَ وَالْإِدَاوَتَي ْنِ، لِأَنَّا لَا نَجِدُ الصَّيْدَ حَتَّى نَبْعُدَ، أَفَنَتَوَضَّأُ بِمَاءِ الْبَحْرِ؟ قَالَ: " نَعَمْ، فَإِنَّهُ الْحِلُّ مَيْتَتُهُ، الطَّهُورُ مَاؤُهُ " وهذا إسنادٌ رجاله ثقاتٌ أثبات وأبو كثير هو مولى عبد العزيز (والد الخليفة عمربن عبد العزيز) وهو ثقة روى عنه مسلمٌ في الصحيح وقال الدارقطني لابأس به ووثقه ابن حبان ولا أعلم أن أحداً تكلّم فيه.
فائدة مُحتملة للصحة قال شُعيبٌ ومن معه:-
((سقط من إسناد المصنف هنا بين الليث والجُلاحِ يزيدُ بن أبي حبيب، وبين الجُلاحِ والمغيرةِ سعيدُ بن سلمة المخزومي: فقد أخرجه البخاري في "التاريخ الكبير" 3/478 عن عبد الله بن صالح كاتب الليث، والحاكم 1/141، والبيهقي في "السنن" 1/3، وفي "المعرفة"من طريق يحيى بن بكير، كلاهما عن الليث بن سعد، عن يزيد بن أبي حبيب، عن الجلاح أبي كثير، عن سعيد بن سلمة المخزومي، عن المغيرة بن أبي بردة، بهذا الِإسناد. فزادوا في الِإسناد: يزيدَ وسعيداً))انتهى، ،أقول هذا السقط إن تحقق فلايضر الحديث شيئاً فالرجلين الساقطين من الثقات، ويُمكنُ الجمع بين حديث احمد وغيره بأن هذا الحديث أخذه الجُلاح عن المخزومي ثم لقي المغيرة فاخذه عنه فكان يُحدّث بالطريقي ، ومثله يُمكن أن يُقال عن الليث فإن رواية كلِ منهما عن صاحبه متصلة في احاديث أُخر.
*الطريق الثاني عن أبي سلمة بن عبدالرحمن:
رواه الدارقطني في سننه((81)):حَدَّثَنَا الْقَاضِي الْحُسَيْنُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ , نا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَنْصُورٍ الْفَقِيهُ أَبُو إِسْمَاعِيلَ الْبَطِّيخِيُّ , نا أَبُو أَيُّوبَ سُلَيْمَانُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ , نا مُحَمَّدُ بْنُ غَزْوَانَ , نا الْأَوْزَاعِيُّ , عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ , عَنْ أَبِي سَلَمَةَ , عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ , رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ , قَالَ: سُئِلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الْوُضُوءِ بِمَاءِ الْبَحْرِ , فَقَالَ: «هُوَ الطَّهُورُ مَاؤُهُ الْحِلُّ مَيْتَتُهُ» سليمان بن عبد الرحمن بن عيسى الدمشقي صدوق حديثه في صحيح البخاري ولكنّه كما قال الذهبي يُكثرُ الأخذ عن الضعفاء ، فابن غزوان متروك الحديث كما قال أبوزرعة وقال ابن حبان يقلبُ الأخبار لا يحل الاحتجاج به، وهذا قلبٌ فظيعٌ منه فليس يُعرفُ هذا الحديث عن أبي هريرة إلا من طريق المغيرة.
وقد روى عبد الرزّاق في مصنفه ((8657)) : عَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ قَالَ: سُئِلَ الْمُغِيرَةُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدٍ(1) أَنَّ نَاسًا مِنْ بَنِي مُدْلِجٍ سَأَلُوا النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّا نَرْكَبُ أَرْمَاثًا لَنَا، وَيَحْمِلُ أَحَدُنَا مُوَيَّةً لِسَقْيِهِ، فَإِنْ تَوَضَّأْنَا بِمَاءِ الْبَحْرِ، وَجَدْنَا فِي أَنْفُسِنَا وَإِنْ تَوَضَّأْنَا مِنْهُ عَطِشْنَا، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «هُوَ الطَّهُورُ مَاؤُهُ الْحِلُّ مَيْتَتُهُ» ورواه قبله عن معمر عن يحيى (( سُئِلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الْبَحْرِ...الخ)) مرسلاً والطريق الذي ذُكر آنفاً أعلاه يُبينُ أن يحيى إنما اخذه عن المُغيرة عن ناس من بني مدلِج وليس أبي هريرة.
*الطريق الثالث عن ابن الْمُسَيِّب:-
رواه الدارقطني في السنن((82)):حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْفَارِسِيِّ , نا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَهْمٍ , نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْقُدَّامِيُّ , نا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ , عَنِ الزُّهْرِيِّ , عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ , عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ , رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ مَاءِ الْبَحْرِ أَنَتَوَضَّأُ مِنْهُ , فَقَالَ: «هُوَ الطَّهُورُ مَاؤُهُ الْحِلُّ مَيْتَتُهُ» ، قلتُ : لم أعرف ابن سهم، والقُدّامي ضعيف كما قال الدارقطني.
------------------------
(1)قوله -بن عبد- هذا تصحيفٌ أوتحريف ظاهر فالرجل اسمه المغيرة ابن ابي بردة أو عبد الله بن المغيرة بن ابي بردة فلا أدري ما وجه ذكر هذا الإدراج، ويٌحتمل ان يكون هذا اسم جده وهو بعيد لإني لم أجد من نسبه هكذا.
تابع البقية........