(حوار هادئ بين تلميذ وأستاذه حول اﻻ*حتفال بالمولد النبوي)
كان أستاذي يعلم أني مثله من المعارضين لﻼ*حتفال بالمولد النبوي الشريف، ثم بعد سنوات وصله خبر بأنَّ نظرتي عن اﻻ*حتفال بالمولد تغيرت وأصبحتُ من المؤيدين لها ولحضورها..
فذهبتُ مرة لزيارته، وبعد أنْ استقبلني في منزله بالتِّرحاب والمَحبَّة.
فُتح باب النقاش بيني وبينه (حول اﻻ*حتفال بالمولد النبوي) حيث سألني: ماذا تفعل وقت فراغك؟
فأجبته: أقضيه في حضور دروس، وفي القراءة، مع حضور بعض "الموالد".
فتبسَّم وأطرق رأسه ، ثمَّ نظر إلَيَّ نظرة المُهتم الجاد في إرادة الخير لي..وبدأ النقاش بقوله :
يا أَخي نفسي أعرف أين دليلكم على فعل المولد ؟
فأجبته: دليلنا هو ما رواه اﻹ*مام أحمد في مسنده واﻹ*مام مسلم في صحيحه وغيرهما ؛ أنَّ رسول صلى الله عليه وسلَّم سُئِل عن صوم يوم اﻻ*ثنين، فقال عليه الصﻼ*ة والسﻼ*م: ((ذاك يوم ولدتُ فيه ، وأُنْزل عليَّ فيه))، إذاً النبي صلَّى الله عليه وسلم احتفل بيوم مولده. هل هذا صحيح أم ﻻ* يا أستاذي؟
فقال لي : صحيح، ولكن ..!
(هنا قاطعته)...!
وقلت له مباشرة: أعلمُ يا أستاذي أنَّك ستقول: صحيح أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم احتفل بيوم مولده ، ولكن بالصيام وليس بما تفعلونه في الموالد!!
فأقول لكَ يا أستاذي الفاضل: المهم عندنا اﻵ*ن هو (اﻷ*صل)، وقد اتفقنا عليه بيننا وهو (أنَّه قد احتفل).
وقد قال الشيخ اﻷ*لباني في أحد أشرطته: ((هناك احتفال بالمولد النبوي مشروع، موجود في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويتكرر في كل أسبوع مرّة، وأنا ﻻ* أقول كﻼ*ما هكذا ما أنزل الله به من سلطان، وإنما أنقل لكم حديثاً من صحيح مسلم رحمه الله تعالى عن أبي قتادة اﻷ*نصاري...)) وساق اﻷ*لباني الرواية التي ذكرتها لك سابقا، ثم قال اﻷ*لباني معلقاً على الرواية: ((كأنَّه يقول -صلى الله عليه وسلم-: كيف تسألني فيه والله قد أخرجني إلى الحياة فيه، وأنزل علي الوحي فيه؟! أي ينبغي أن تصوموا يوم اﻻ*ثنين شكراً لله تعالى على خلقه لي فيه وإنزاله الوحي علي فيه)). هذا كﻼ*م اﻷ*لباني مختصراً
وهو شيخكم يا أستاذي، وهاهو يُثبت أصل اﻻ*حتفال بيوم المولد وأنَّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد احتفل به.
وأمَّا يا أستاذي عن الكيفيَّة والصورة والطريقة وأنَّها لم تعد بالصيام فقط -وهو ما انتقده شيخكم اﻷ*لباني ، فأجيب عنه بما قاله اﻹ*مام الشافعيُّ رحمه الله تعالى، فقد قال: ((البدعة بدعتان ؛ بدعة محمودة وبدعة مذمومة ، فما وافق السنة فهو محمود ، وما خالف السنة فهو مذموم )).
وقد قسم البدعة إلى مذمومة وحسنة جمع كبير من أئمة اﻹسﻼ*م.
إذن هناك (بدعة محمودة ؛ وهي التي توافق السنة) كما قال الشافعي.
فاﻵ*ن أسألك يا أستاذي: ما رأيك في قراءة القرآن وقد قال صلى الله عليه وسلم (خيركم مَن تعلم القرآن وعلَّمه) إلى غير ذلك من النصوص ، فهل له أصل في السنة ؟
فأجاب اﻷ*ستاذ: بﻼ* شك أجرها عظيم .
فقلتُ: وما رأيك في الوعظ واﻻ*رشاد وتذكير الناس باﻵ*خرة والدﻻ*لة على الخير وربط قلوبهم بالله تعالى وقد قال الله تعالى : ((ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ)) فهل لها أصل في الدين؟
فأجاب اﻷ*ستاذ: أجره عظيم.
فقلت له: وما رأيك في اﻹ*نشاد بمدح النبي صلى الله عليه وسلم مِن غير غلو هل له أصل في السنة؟
فأجاب اﻷ*ستاذ: ليس به بأس فالصحابة امتدحوا النبي صلى الله عليه وسلم باﻷ*شعار أمامه ولم ينكر عليهم.
فقلتُ له: وما رأيك في إطعام الحاضرين طعام الغداء أو العشاء وقد قال صلى الله عليه وسلم : ((مَن كان يُؤْمِن بالله واليوم اﻵ*خر فليُكرم ضيفه)) ما رأيك في هذا ، هل له أصل في السنة أم ﻻ* ؟
فأجاب اﻷ*ستاذ: فضيلة عظيمة .
فقلت له : وهذا كل ما يحصل في اﻻ*حتفال بالمولد ، أمور لها أصل في الكتاب والسنة، واجتمعت كلها في مجلس واحد ، فكل ما يُفعل فيها له أصل، واﻻ*حتفال بيوم وﻻ*دته صلى الله عليه وسلم له أصل كما تقدَّم.
وأما يا أستاذي بالنسبة للهيئة أي الصورة بكاملها -التي ذكرتها- في مجلسٍ واحد نعم هذه الكيفيَّة مبتدعة؛ ﻷ*نَّه لم يُنقل إلينا أنَّ هذه اﻷ*صول حصلت في مجلس واحد في الصدر اﻷ*وَّل مِن اﻹ*سﻼ*م، وهذا معنى قول الشافعي المتقدِّم:((البد ة المحمودة ؛ هي التي توافق السنة))، أي: ما كان بدعة في كيفيتها وأما جزئيات ما فيها لها أصول مِن الكتاب والسنَّة.
فقال لي اﻷ*ستاذ: يا أخي فقط هذا الذي يحصل! ، متأكِّد أنت؟؟!!
فقلت له: نعم هذا ما يحصل فقط ، وتعال معي وانظر بعينيْك.
فقال لي: ولكن أنتم تعتقدون بأنَّها عبادة، أليس كذلك؟
فقلت له: هذا غير صحيح! لمْ يَقُل أحد إنَّ فعل المولد (بهذه الكيفيَّة) عبادة شرعها الله؟
فردَّ عليَّ اﻷ*ستاذ قائﻼ*ً: أسألك سؤاﻻ*ً: هل أنتَ عندما تحضر المولد ، ترجوا مِن حضورك اﻷ*جر والثواب أم ﻻ*؟
فقلت له: بالتأكيد نعم!
فقال لي: إذن هي عبادة عندكم! طالما أنَّك ترجو منها الثواب فهي عبادة ، والعبادة توقيفيَّة ، فﻼ* يجوز أن تعتقد في شيء أنَّه عبادة ما لم ينص الكتاب والسنَّة على أنَّه عبادة!
فقلت له: سأجيبك اﻵ*ن يا أستاذ، ولكن سأسألك أسئلة أريدك أن تجيبني عليها مباشرة وبإختصار، وبإذن الله ستجيب على سؤالك بلسانك!!
فقال لي :ﻻ* بأس تفضل.
فقلت له: اﻵ*ن أنتَ أو غيرك من الشيوخ في اﻻ*جازات الصيفية للمدارس أين تذهبون؟ ، أليس إلى المراكز الصيفيَّة؟
فقال لي :صحيح.
فقلت له : هل تعتقد أنَّ الكيان أو المَبْنى الذي يقام فيه المركز الصيفي هو عبادة شرعها الله تعالى؟
فقال: ﻻ*.
فقلت له :هل أنتَ في حضورك للمركز الصيفي والمشاركة فيه ترجو من الله اﻷ*جر والثواب؟
فقال :نعم.
فقلت له: إذن أنتَ تعتقد أنَّ المركز الصيفي عبادة شرعها الله تعالى؛ ﻷ*نَّك ترجوا بحضورك فيه اﻷ*جر والثواب، فهي عبادة عندكم -بﻼ*زم تقريرك السابق حول المولد- ، فالمراكز الصيفية ابتداع عبادة في الدين والعبادة توقيفيَّة.
فتبسم اﻷستاذ وهو على صمته (فقد أدرك نقطة اﻹلزام).
ثم قلت له: يا أستاذي كما ذكرت لك سابقاً؛ نحن ﻻ* نقول بأنَّ هيئة أو صورة المولد المعتادة والمتعارف عليها بيننا عبادة نص الكتاب والسنة على فعلها (بتلك الكيفية في مجلس واحد) ، ولكن نقول: إنَّ اﻷجر والثواب مُترتِّب على ما فيها مِن أمور (مجتمعة)، وهذه اﻷ*مور لو جعلنا كل أمر منها منفردا لوجدتَّ له أصﻼ* في الكتاب والسنة -كما ذكرتُ لك سابقاً-، فهي التي عليها اﻷ*جر والثواب، ﻻ* على الصورة والكيفية.
فنحن يا أستاذي نرجو الثواب بداية من أصل اﻻ*هتمام -اﻻ*حتفال- ثم من القيام بهذه اﻷمور التي لها أصل منصوص عليه في الكتاب والسنة ، كما هو حالكم في حضور المراكز الصيفيَّة، أنتم ﻻ* تعتقدون أنَّ المراكز الصيفية بهيأتها وصورتها عبادة تَعبَّدَكُم الله بها، ولكنكم ترجون ثواب ما اجتمع فيها مِن دعوة إلى الله ، وتعليم الشباب أمر دينهم ، وتحفيزهم لفعل الخيرات وترك المنكرات .. فترجون اﻷجر والثواب لما فيها مِن أصول جاءت موافقة لما في الكتاب والسنة .
وأزيدك يا أستاذي أيضا: هيئة اﻷمر بالمعروف والنهي عن المنكر، لها أصل في الكتاب والسنة ، ولكن لم تكن بهذه الصورة في عصر النبي صلى الله عليه وآله وسلم وﻻ* في عصر التابعين وﻻ* أتباع التابعين لم يفعل أحد من أهل القرون المُفضَّلة هيئة أو جماعات لﻸ*مر بالمعروف والنهي عن المنكر، وإنما حدثت هذا قريباً وخصصت لها مراكز ومقرات، وخصص لموظفيها وقت لمباشرة العمل ووقت انتهاء العمل، وخصص لموظفيها مرتبات يتقاضونها آخر كل شهر، وكل موظف راتبه على حسب مرتبته في السُلَّم الوظيفي، ويحصل موظفوها على ترقيات...إلى آخره.
فهل كان اﻷ*مر بالمعروف والنهي عن المنكر بهذه الكيفية في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم أو الخلفاء الراشدين أو التابعين أو أتباع التابعين؟! أوليس ترجون بهذا اﻷ*جر والثواب؟! فهل هذا كله من السُنَّة؟!
إنَّ هذه الصورة وهذه الكيفية يا أستاذي مبتدعة باﻻ*جماع، ﻻ* يُخالف في هذا أحد، ولكن نقول: إن اﻷمر بالمعروف والنهي عن المنكر فرض كفائي له أصل في الشريعة، ولكن الكيفية المحدثة طالما ﻻ* يوجد فيها ما يخالف اﻷصل بل يخدمه فنقول (الكيفية بدعة حسنة)؛ ﻷنها مساعدة على اﻻ*عتناء بهذا اﻷمر الجليل والقيام به خير قيام.
وقس على ذلك اﻷشرطة الدينية،والندوا ت أو الدورات العلمية الشرعية التي تقام سنويا.
وقس على ذلك: ما يفعل مِن صﻼ*ة التهجد -ﻻ* التراويح- في رمضان بالحرمين الشريفين (وتخصيص) أن تصلى (جماعة) وتخصيص أنْ تكون في (رمضان) وتخصيص أنْ تُصلَّى في (العشر اﻷواخر) دون غيرها، وتخصيصها بعدد ركعات (محدد)، وتخصيص (يوم للختم)..
فهل كانت هناك صﻼ*ة تهجُّد -بعد التروايح- بهذه الكيفية في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم أو الخلفاء الراشدين أو التابعين أو أتباع التابعين؟! أوليس ترجون ونرجوا بهذا اﻷ*جر والثواب؟! فهل هذا كله من السُنَّة؟!
لكن قلنا: أصل التهجد مشروع ندب إليه الكتاب والسنة، وأصل اﻻ*عتناء بالعبادة في العشر اﻷواخر ندبت إليه السنة.
لكن تخصيص هذا الوقت بهذه الكيفية، نقول: بدعة باﻻ*جماع وﻻ* يختلف في ذلك أحد، ولكن(بدعة حسنة)؛ ﻷنها كيفية تعين الناس وتُحيي فيهم اﻻ*عتناء باﻷصل وهو التهجد وبالخصوص في العشر اﻷواخر من رمضان التي دلت نصوص السنة على اﻻ*عتناء بها أكثر من غيرها.
واﻷ*قيسة المشابهة لﻼ*حتفال بالمولد النبوي عندكم كثيرة جدا ياأستاذي.
ولكن أين اﻻ*نصاف الذي يوصل إلى الحق؟
ولتعلم يا أستاذي: أن اﻻ*حتفال بالمولد النبوي أجاز القيام به والثناء عليه جمع من كبار أئمة اﻹسﻼ*م فمنهم: اﻹمام الحافظ أبو شامة الدمشقي -شيخ اﻹ*مام النووي-، واﻹمام القدوة ابن جماعة، واﻹمام شيخ اﻹسﻼ*م السبكي، واﻹمام المفسر الشهير ابن كثير، والحافظ الكبير ابن ناصر الدين الدمشقي، وشيخ القراءات الحافظ ابن الجزري، وشيخ اﻹ*سﻼ*م الحافظ أبو زرعة العراقي، وأمير المؤمنين في الحديث الحافظ ابن حجر العسقﻼ*ني، واﻹمام الحافظ السخاوي، واﻹمام الحافظ السيوطي، واﻹ*مام الحافظ القسطﻼ*ني..وغيره م الكثير فهل جهل هؤﻻ*ء الجهابذة شرع الله وما كان فيه تشبها بالنصارى، وعلمناه نحن؟!..ﻻ* يا أستاذي
وهنا توقَّفت عنُ كﻼ*مي،واﻷ*ستا ذ كان يستمع إليَّ بكل إنصات وأدب واحترام؛ ﻷ*نَّه رجلٌ فاضل والعلم أدَّبه فتأدَّب بالعلم..فجزاه الله خيراً.
ثم بعد أنْ اقتنع قال لي متبسِّماً: يا أخي اجلس مع الشيخ فﻼ*ن الفﻼ*ني وقل له هذا الكﻼ*م ، وما يقوله الشيخ أنا معه فيه سواء قال بالجواز أو التحريم.
(قلت في نفسي: هذا هو التقليد الذي يرموننا به وهم أكثر الناس غرقاً فيه، ﻻ* يقتنع وﻻ* يُسَلِّم والحق واضح مُشرِق إﻻ* إذا اقتنع شيخه).
المهم : أنَّه ما زال الحب والود قائمٌ بيني وبين أستاذي وبين سائر مَن أعرفهم مِن المخالفين لي ونتزاور، وهذا الذي ينبغي أنْ يكون بين الذين يرون جواز اﻻ*حتفال وبين المانعين من اﻻ*حتفال وإن اختلفت اﻵراء.
وصلى الله وسلم على سيد المرسلين،والحمد لله رب العالمين.
هذه الرسالة أنتشرت بين الناس بواسطة الواتس أب أمل من طلبة العلم الردعليها .