تعليق على قول الحافظ ابن حجر في التهذيب : ((وقد كنت استشكل توثيقهم الناصبي غاليا ، وتوهينهم الشيعة مطلقا )) .
يحتج بها بعض الجهلة على عدم إنصاف المحدثين ، وعلى ميلهم عن آل البيت .
والحقيقة أن عبارة الحافظ ابن حجر بهذا الإطلاق خطأ ، فالمحدثون لم يخصوا النواصب بالتوثيق غالبا , ولا خصوا الشيعة بالتوهين غالبا لتشيعهم .
بل الراجح أن موقف المحدثين من جميع أهل البدع واحد ، بلا تفريق بين بدعة وأخرى ؛ إلا بحسب التوضيح التالي . فالمحدثون لا يردون رواية المبتدع مطلقا ، ما دام مسلما ، رافضيا كان أو خارجيا أو غير ذلك . ولا يشترطون لقبول رواية المبتدع المسلم (الذي لم يَكْفُر على التعيين) , والذي ليس فيه سبب للطعن غير البدعة ؛ إلا شرطين ، هما :
1- أن يكون المبتدع متأولا ، غير معاند .
2- أن لا يروي حديثا منكرا يؤيد البدعة .
هذا هو موقف المحدثين العملي الذي تدل عليه تصرفاتهم , حتى حكى الإجماع عليه غير واحد , وحكاه عن الجماهير آخرون ؛ رغم وجود العبارات التي توهم خلاف ذلك . وقد فصلت الكلام عن ذلك منذ نحو عشرين سنة في عدد من الدروس المسجلة , وهذه الخلاصة موجودة في كتابين لي ، هما :
1- شرح الموقظة .
2- التعامل مع المبتدع .
وهذا يعني أن المحدثين وضعوا قاعدة واحدة مطردة ، عاملوا بها جميع المبتدعة , ولم يخصوا الشيعة بشيء من التشديد ولا النواصب بشيء من التسهيل .
وهذا التقرير وحده كاف في رد الشبهة وبيان بطلانها .
هذا أولا .
وثانيا : لئن كان من جرحهم المحدثون من الشيعة أكثر ممن جرحوهم من النواصب ؛ فإن عدد من وثقهم المحدثون من الشيعة أضعاف من وثقوهم من النواصب ؛ وذلك لأن عدد الشيعة أكثر من النواصب أصلا ؛ إلا على رأي كثير من الشيعة : أن أهل السنة كلهم نواصب .
ولقد وثق المحدثون كثيرا من الشيعة ، حتى بعض غلاتهم الملقبين بالرافضة , وجرحوا بعض النواصب ؛ مما يدل أن مقياس التوثيق عندهم والتضعيف ليس مطلق التشيع ولا مطلق النصب .
ثالثا : أن من غلاة المنتسبين للشيعة من كان يستجيز الكذب نصرة للمذهب , كالخطابية ، وهذا ما كَـثَّـرَ الكذابين في المنتسبين إليهم , وليس مجرد التشيع هو سبب كثرة تكذيب المحدثين لهم , وإلا لما وثقوا شيعيا قط .
وفي كتب الشيعة الإمامية أنفسهم إقرار بغلو الخطابية وكذبهم ، بل فيها تكفيرهم :
- كما في كتاب (كمال الدين وتمام النعمة) للشيخ الصدوق (ت381هـ) ، تصحيح وتعليق : علي أكبر الغفاري الطبعة : 1405 ، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة (صـ 101) .
- وكما في كتاب : (خاتمة المستدرك) لميرزا النوري (ت1320هـ) ، تحقيق : مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ، الطبعة الأولى 1416 . الناشر : مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث - قم – ايران . (5/ 428-429) .
- وكذلك في بحار الأنوار للمجلسي (25/ 310) , (27/ 174) ,
رابعا : لم يتساهل المحدثون مع بدعة النصب , بل ذموها , وذموا أهلها , وأخرجوهم ببدعتهم عن أهل السنة والجماعة ، وتعاملوا معهم كما تعاملوا مع غيرهم من أهل البدع . بل ربما تشددوا مع بعضهم ، إذا لاحت علامات العناد عليهم وعدم التأول :
فهذا عمر بن سعد بن أبي وقاص قائد الجيش الذي قتل الحسين رضي الله عنه : يهجره الشيخان البخاري ومسلم ، فلا يخرجان له حديثًا , ويقول عنه الإمام أحمد , وسئل عنه : (( لا ينبغي أن يُـحدَّث عنه )) , فقيل له : لم ؟! فقال :: لأنه صاحب الجيوش وصاحب الدماء)) , فقال له السائل (وهو مهنى بن يحيى تلميذه) :(( قلت له بلغني عن يحيى بن سعيد أنه قال : كان عمر بن سعد لا يُعتمد عليه)) . السنة للخلال (رقم 841) , ومنتخب العلل (رقم 146) .
ويقول أبو بكر بن أبى خيثمة : (( سألت يحيى بن معين عن عمر بن سعد : أثقة هو ؟ فقال : كيف يكون من قتل الحسين بن على رضي الله عنه ثقة ؟!! )) . الجرح والتعديل لابن أبي حاتم ( 6 /111) .
ولئن وثقه غيرهما ، فقد جرحه هذان الإمامان الجليلان من أئمة المحدثين , وهم أجل من تكلم فيه من المحدثين . والتطبيق العملي بهجران الرواية عنه من أكبر الدليل على بغض المحدثين له وإسقاطهم لحديثه أيضا .

الدكتور: حاتم العوني.