شذرات من السيرة النبوية المعطرة
بقلم - فالح الحجية
11
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله:
الاسرا ء و المعراج حادثتان مذكورتان في القران الكريم
فالاسراء لغة : هو السير ليلا ومنها ( والليل اذا يسري ) سورة الفجر\2 والسرى : السير ليلا وأسرى به : أي سار به ليلا آ خذا بخطام بعيره او بخطام دابته فالسرى لا يكون الا بالليل قال تعالى :
( سبحان الذي اسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام الى المسجد القصى )
الاسراء الاية \1 .
والاسراء اصطلاحا: هو التوجه او الذهاب بالنبي محمد صلى الله عليه وسلم ليلا من المسجد الحرام بمكة المكرمة في الحجاز الى بيت المقدس في مدينة القدس بفلسطين.
اما المعراج لغة : فمعناه السلّم الذي يرتقى عليه الى الاعلى والعروج هو عملية الارتقاء الى الاعلى وتجمع معارج ومعاريج أي مصاعد .
والمعراج اصطلاحا : هو الارتقاء او الصعود بالحبيب المصطفى محمد صلى الله عليه وسلم من بيت المقدس بفلسطين الى العالم العلوي الى السموات العلى بجسده الشريف وبروحه الطاهرة الزكية .
والاسراء جاء في القران الكريم في اول سورة الاسراء في قوله تعالى :
( سبحان الذي اسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام الى المسجد الاقصى الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا انه هو السميع البصير *) الاسراء \1
اما المعراج فقد جاء ذكره في سورة النجم قال تعالى :
( وهو بالافق الاعلى * ثم دنى فتدلى * فكان قاب قوسين او ادنى * فاوحى الى عبده ما اوحى * ماكذب الفؤاد ما رأى* افتمارونه على ما يرى *ولقد رآه نزلة اخرى * عند سدرة المنتهى * عندها جنة المأوى* اذ يغشى السدرة ما يغشى * ما زاغ البصر وما طغى * لقد رأى من آيات ربه الكبرى* )
سورة النجم\ 7-18
اما وقت الاسراء والمعراج ومتى حدث ففيه اختلاف كثير ورويات متعددة فقد قيل انه كان في السنة الاولى من النبوة .
وفي رواية اخرى انه كان في ليلة السابع والعشرين من رجب في السنة الخامسة من النبوة .
ورواية اخرى في السابع عشر من رمضان في العام الثاني عشر من مبعثه صلى الله عليه وسلم
وقيل في محرم الحرام من نفس العام .
وفي رواية اخرى قيل فيها انه حدث في السابع عشر من ربيع الاول في السنة الثالثة عشرة من النبوة .
والمعول عليه انه في ليلة السابع والعشرين من رجب في العام الخامس من النبوة و يحتفل العالم الاسلامي الان بهذا الموعد بهذه المناسبة المباركة.
والله تعالى اعلم .
وتفاصيل هذه الرحلة المباركة حسبما جاء في الروايات المعتمدة الصحيحة هو ان جبريل عليه السلام جاء بدابة البراق وهي دابة اكبر من الحمار واصغر من البغل وطبيعة مشيه ان يضع حافره او قدمه الخلفي عند منتهى طرفه الامامي . والنبي صلى عليه وسلم كان في المسجد الحرام فاشار اليه ان يركبه فركبه وجاء به من المسجد الحرام في مكة المكرمة الى بيت المقدس في مدينة القدس بفلسطين .
وقيل في هذه الحادثة وقبل ان يعرج به الى السماء شق صدره مرة اخرى فقد جاء في الاخبار مايلي :
( أما المرة الثانية فهذه المرة التي شق فيه صدره عليه الصلاة والسلام بعد النبوة قال أنس :
(كنا نرى أثر المخيط في صدر رسول الله صلى الله عليه وسلم )
ولذلك كان صدره رحباً واسعاً فما كان يأتيه الغضب إلا في حدود الله إذا انتهكت، فكان كثيراً ما يحلم بل هو صلى الله عليه وسلم رسول الحلم والكرم والعظمة والخلق العظيم يقول الله عز وجل:
( وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ )القلم الاية \4
وأن ذلك كان ليلة الإسراء حين عرج بالنبي محمد صلى الله عليه وسلم إلى السماء بعد ما بعث بأعوام وفيه أنه أوتي بطست من ذهب ممتلئ حكمة وإيمانا فشق صدره الشريف فأفرغ في قلبه الشريف وقيل ان الرسول صلى الله عليه وسلم شق صدره ثلاث مرات في حياته .
فلما وصل الى بيت المقدس وبصحبته جبريل عليه السلام فنزل وربط دابته ( البراق ) في الحلقة التي ربط الانبياء دوابهم فيها ثم دخل المسجد ثم أ قام ا ما ما بالانبياء فصلى بهم ركعتين وبعد الانتهاء من الصلاة جاء اليه جبريل بأناء فيه خمر وواخر فيه لبن فاخذ الحبيب المصطفى محمد صلى الله عليه وسلم الذي فيه اللبن وترك اناء الخمر .
فقال له جبريل عليه السلام :
-( اصبت الفطرة هديت وهديت امتك اما انك لو اخذت الخمر لغوت امتك ) .
ومن هنا يتضح لنا ان الامة الاسلامية امة مهدية بفضل الله تعالى وانعامه على نبيه وحبيبه المصطفى محمد صلى الله عليه وسلم و عليها .
بعد ذلك عرج به من بيت المقدس الى السموات العلى فعند السماء الاولى فتحت السماء الاولى له وهناك راى آدم ابا البشر فسلم عليه بتحية الاسلام فرد عليه السلام ورحب به وأقر بنبوة الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم ثم نظر الى يمينه فراى ارواح السعداء فتبسم فسعد ثم التفت الى يساره فراى ارواح التعساء و الاشقياء فبكى صلى الله عليه وسلم .
ثم عرج به عليه الصلاة والسلام الى السماء الثانية فاستفتح له جبريل ففتح فشاهد فيها النبي يحيى بن زكريا وابن خالته النبي عيسى بن مريم عليهما السلام فسلم عليهما فردا عليه السلام وأ قرا بنبوته صلى الله عليه وسلم.
ثم عرج الى السماء الثالثة ففتحت له فرأى فيها يوسف الصديق عليه السلام فسلم عليه فرد عليه السلام ورحب به وكا ن الله سبحانه وتعالى قد منحه الحسن والجمال والكمال وأقر بنبوته صلى الله عليه وسلم.
ثم عرج الى السماء الرابعة فرأى فيها ادريس عليه السلام فسلم عليه فرد سلامه ورحب به وأقر بنبوته صلى الله عليه وسلم.
ثم صعد به الى السماء الخامسة فراى فيها هارون بن عمران عليه السلام فسلم النبي صلى الله وسلم فرد عليه هارون السلام ورحب به مقرا بنبوته .
ثم صعد به الى السماء السادسة فراى فيها موسى بن عمران عليه السلام فسلم الحبيب المصطفى فرد عليه السلام ورحب به وأقر بنبوته عليه الصلاة والسلام وقيل لما جاوزه الحبيب المصطفى صلوات الله عليه وسلامه بكي موسى عليه السلام فقيل له:
- ما يبكيك يانبي الله فقال :
- ابكي على امتي . لأ ن نبيا بعث من بعدي يدخل الجنة من امته اكثر مما يدخلها من امتي .
وهذه الامة هي الامة المحمدية المرحومة امة خاتم الانبياء والمرسلين سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم .
ثم عرج به الى السماء السابعة فلقي فيها سيدنا ابراهيم عليه السلام ابا الانبياء فسلم عليه فرد عليه السلام وأقر بنبوته وقيل ان ابراهيم عليه السلام رآه سيدنا محمد مسندا ظهره الى البيت المعمور وهو بيت يدخله كل يوم سبعون الف من الملائكة ولا يعودون اليه وقيل هناك راى جبريل عليه السلام على صورته الحقيقية التي خلقه الله تعالى بها وله ستمائة جناح.
ثم رفع الى سدرة المنتهى التي عندها جنة المأوى فرأى اوراق هذه السدرة كانها أذان الافيلة وثمراتها مثل القلال الكبير ة والقلال : جمع قلة وهي الجرة من الفخار يوضع فيها الماء للشرب سابقا - ثم غشيها فراش من ذهب وغشيها من امر الله تعالى ما غشيها فتغيرت فما من احد من الخلق يستطيع ان يصفها او ينعتها لشدة سنائها وحسنها وبهائها .
ثم عرج به صلى الله عليه وسلم الى الله الملك الجبار المتكبر فدنى حتى كان قاب قوسين او ادنى فاوحى اليه الله تعالى ما اوحى وسمع صوتا يقول :( السلام عليك ايها النبي ورحمة الله وبركاته ) وقيل فرد النبي محمد صلى الله عليه وسلم قائلا ( السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين ) فجعلت في الصلاة وفرضت عليه الصلاة صلوات الله عليه وسلامه وعلى امته ( خمسين ) صلاة في اليوم والليلة . ثم قفل راجعا حتى اذا عاد الى السماء السادسة تلقّاه موسى عليه السلام فقال له :
- بم امرك ربك ؟؟
قال له: (امرني بخمسين صلاة في اليوم والليلة) .
قال له موسى عليه السلام :
- امتك لا تطيق ذلك ارجع الى ربك فا سأله الخفيف.
فالتفت الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم الى جبريل فاشار اليه جبريل عليه السلام انه نعم اذا شئت فارجع. فرجع فوضع عنه عشر صلوات وقيل خمس ثم عاد الى موسى عليه السلام فاشاراليه بالتخفيف مرة اخرى فقال له نفس مقالته الاولى . فاخذ الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم بالرجوع ثم التخفيف حتى فرضها الله تعالى خمس صلوات في اليوم والليلة . ثم نزل به الى السماء السادسة حيث موسى عليه السلام فاشار عليه بالرجوع ورجاء ربه التخفيف وقال له :
- والله لقد طلبت من بني اسرائيل اقل من هذا فضعفوا عنه وتركوه .
فقال الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم :
( يا اخي ياموسى قد استحييت من ربي لذا فأني ارضى بها واسلم ) . فلما بعد نودي في العلى ان ( قد امضيت فريضتي وخففت عن عبادي هي خمس وهن خمسون ولا يبدل القول لدي)
والله تعالى اعلم فربما تكون الخمس بأجرالخمسين في اليوم والليلة .
وقيل ان النبي محمد صلى الله عليه وسلم راى الكثير من المشاهد فيها في اثابة الناس المؤمنين واجورهم واخرى في تعذيب الكفار والمنافقين في صور شتى .
وفي هذه الليلة المباركة عاد الحبيب المصطفى الى مكة المكرمة فلما اصبح الصباح واجتمع بقومه واخبرهم خبر مسراه و معراجه صلى الله عليه وسلم فتعجبوا وكذبه المشركون والكفار واشتد تكذيبهم له وأذاهم عليه واستهزائهم به لكذبه - كما يتوقعونه - فمنهم من وضع يديه على راسه استنكارا وتعجبا ومنهم من صفق بيديه تعجبا وانكارا من هول الحادثة وعظمتها – بابي انت وامي ياسيدي يارسول الله كم عانيت وأوذيت في سبيل الاسلام ودعوته – وفي هذه الاثناء وصل ا لخبر الى ابي بكر فقال لهم:
- اهو قال هذا ؟؟ ان كان قاله فقد صدق .
فقالوا له: اتصدقه على ما يقول؟؟
فقال لهم : اني لأصدقه على ابعد من ذلك . اصدقه على خبرالسماء في غدوه ورواحه .
من هنا اطلق عليه (الصدّيق) وكني ب (ابي بكر الصديّق ) رضي الله عنه بعد ان كان يكنى ( ابا قحافة ). الا ان كفار مكة ومشركيها ورؤساءها لم يصدقوا بهذا الحديث ولم يؤمنوا به وحاولوا امتحانه صلى الله عليه وسلم فسألوه ان يصف لهم بيت المقدس فوصفه لهم وصفا دقيقا - بعد ان جلاه الله تعالى اليه - وتكلم عنه كأنما واقفا عنده و بجانبه ويصف لهم ما فيه من الايات ويصف ابوا به ومواضعه واحدا واحدا فلم يستطع احد منهم ان يرد عليه بخطئ وقالوا لمن حضر:
- والله لقد اصاب في وصفه فهو كما وصف .
ثم التفتوا اليه وسألوه – على سبيل الامتحان –عن القوافل التي مر بها في مسراه اين هي ومتى تصل وما عدد جمال كل قافلة فأخبرهم عنها وبكل ما فيها وحتى اخبرهم عن البعير الذي يقدم القافلة ولونه وحمله فوصفها لهم وصفا دقيقا . لكنهم مع ذلك بقوا على كفرهم وضلالهم ولم يؤمنوا بذلك .
في هذه الصبيحة ذاتها نزل جبريل عليه السلام وعلم الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم الصلوات الخمس وكيفية ادائها وعدد ركعاتها واوقاتها - فكانت قرة عين رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصلاة - فكانت هذه هي الصلوات المفروضة على المسلمين و التي بين ايدينا خمس صلوات:
- عند الفجرقبل شروق الشمس ركعتان
- وعند الظهيرة عندما تكون الشمس قد تزاولت عن كبد السماء قليلا - -اربع ركعات
– وعند العصر عندما يكون ظل الشيء بقدره - اربع ركعات.
- وعند غروب الشمس - ثلاث ركعات .
- وعند العشاء واسوداد الليل- اربع ركعات .
وجاء في القرآن الكريم:
( ان الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا )
فالح نصيف الحجية
الكيلاني
العراق- ديالى - بلدروز
******************************