سئل شيخ الإسلام تقي الدين ابن تيمية - قدس الله روحه -
في مجموع الفتاوى 27 / 451 وما بعدها:
عن المشهد المنسوب إلى الحسين رضي الله عنه بمدينة القاهرة : هل هو صحيح أم لا ؟ . وهل حمل رأس الحسين إلى دمشق ثم إلى مصر ، أم حمل إلى المدينة من جهة العراق ؟ . وهل لما يذكره بعض الناس من جهة المشهد الذي كان بعسقلان صحة أم لا ؟ ومن ذكر أمر رأس الحسين ونقله إلى المدينة النبوية دون الشام ومصر ؟ ومن جزم من العلماء المتقدمين والمتأخرين بأن مشهد عسقلان ومشهد القاهرة مكذوب وليس بصحيح ؟ وليبسطوا القول في ذلك لأجل مسيس الضرورة والحاجة إليه ، مثابين مأجورين إن شاء الله تعالى .
فأجاب :
الحمد لله ، بل المشهد المنسوب إلى الحسين بن علي - رضي الله عنهما - الذي بالقاهرة كذب مختلق بلا نزاع بين العلماء المعروفين عند أهل العلم الذين يرجع إليهم المسلمون في مثل ذلك لعلمهم وصدقهم . ولا يعرف عن عالم مسمى معروف بعلم وصدق أنه قال : إن هذا المشهد صحيح . وإنما يذكره بعض الناس قولا عمن لا يعرف على عادة من يحكي مقالات الرافضة وأمثالهم من أهل الكذب . فإنهم ينقلون أحاديث وحكايات ويذكرون مذاهب ومقالات . وإذا طالبتهم بمن قال ذلك ونقله ؟ لم يكن لهم عصمة يرجعون إليها . ولم يسموا أحدا معروفا بالصدق في نقله ولا بالعلم في قوله ؛ بل غاية ما يعتمدون عليه : أن يقولوا : أجمعت الطائفة الحقة . وهم عند أنفسهم الطائفة الحقة الذين هم عند أنفسهم المؤمنون وسائر الأمة سواهم كفار . ويقولون : إنما كانوا على الحق ؛ لأن فيهم الإمام المعصوم ، والمعصوم عند الرافضة الإمامية الاثنا عشرية : هو الذي يزعمون أنه دخل إلى سرداب سامرا بعد موت أبيه الحسن بن علي العسكري سنة ستين ومائتين . وهو إلى الآن غائب لم يعرف له خبر ولا وقع له أحد على عين ولا أثر . وأهل العلم بأنساب أهل البيت يقولون : إن الحسن بن علي العسكري لم يكن له نسل ولا عقب . ولا ريب أن العقلاء كلهم يعدون مثل هذا القول من أسفه السفه واعتقاد الإمامة والعصمة في مثل هذا : مما لا يرضاه لنفسه إلا من هو أسفه الناس وأضلهم وأجهلهم . وبسط الرد عليهم له موضع غير هذا . والمقصود هنا : بيان جنس المقولات والمنقولات عند أهل الجهل والضلالات . فإن هؤلاء عند الجهال الضلال يزعمون أن هذا المنتظر كان عمره عند موت أبيه : إما سنتين أو ثلاثا أو خمسا على اختلاف بينهم في ذلك . وقد علم بنص القرآن والسنة المتواترة وإجماع الأمة : أن مثل هذا يجب أن يكون تحت ولاية غيره في نفسه وماله . فيكون هو نفسه محضونا مكفولا لآخر يستحق كفالته في نفسه وماله تحت من يستحق النظر والقيام عليه من ذمي أو غيره . وهو قبل السبع طفل لا يؤمر بالصلاة . فإذا بلغ العشر ولم يصل أدب على فعلها . فكيف يكون مثل هذا إماما معصوما يعلم جميع الدين ولا يدخل الجنة إلا من آمن به . ثم بتقدير وجوده وإمامته وعصمته : إنما يجب على الخلق أن يطيعوا من يكون قائما بينهم : يأمرهم بما أمرهم الله به ورسوله وينهاهم عما نهاهم عنه الله ورسوله . فإذا لم يروه ولم يسمعوا كلامه لم يكن لهم طريق إلى العلم بما يأمر به وما ينهى عنه . فلا يجوز تكليفهم طاعته إذ لم يأمرهم بشيء سمعوه وعرفوه وطاعة من لا يأمر ممتنعة لذاتها . وإن قدر أنه يأمرهم ولكن لم يصل إليهم أمره ولا يتمكنون من العلم بذلك : كانوا عاجزين غير مطيقين لمعرفة ما أمروا به والتمكن من العلم شرط في طاعة الأمر ولا سيما عند الشيعة المتأخرين . فإنهم من أشد الناس منعا لتكليف ما لا يطاق ؛ لموافقتهم المعتزلة في القدر والصفات أيضا . وإن قيل : إن ذلك بسبب ذنوبهم . لأنهم أخافوه أن يظهر . قيل : هب أن أعداءه أخافوه فأي ذنب لأوليائه ومحبيه ؟ وأي منفعة لهم من الإيمان به وهو لا يعلمهم شيئا ولا يأمرهم بشيء ؟ ثم كيف جاز له - مع وجوب الدعوة عليه - أن يغيب هذه الغيبة التي لها الآن أكثر من أربعمائة وخمسين سنة . وما الذي سوغ له هذه الغيبة دون آبائه الذين كانوا موجودين قبل موتهم : كعلي والحسن والحسين وعلي بن الحسين ومحمد بن علي وجعفر بن محمد وموسى بن جعفر وعلي بن موسى ومحمد بن علي وعلي بن محمد والحسن بن علي العسكري فإن هؤلاء كانوا موجودين يجتمعون بالناس . وقد أخذ عن علي والحسن والحسين وعلي بن الحسين ومحمد بن علي وجعفر بن محمد - من العلم ما هو معروف عند أهله ، والباقون لهم سير معروفة وأخبار مكشوفة . فما باله استحل هذا الاختفاء هذه المدة الطويلة أكثر من أربعمائة سنة . وهو إمام الأمة بل هو على زعمهم هاديها وداعيها ومعصومها الذي يجب عليها الإيمان به . ومن لم يؤمن به فليس بمؤمن عندهم ؟ فإن قالوا : الخوف . قيل : الخوف على آبائه كان أشد بلا نزاع بين العلماء . وقد حبس بعضهم ، وقتل بعضهم . ثم الخوف إنما يكون إذا حارب . فأما إذا فعل كما كان يفعل سلفه من الجلوس مع المسلمين وتعليمهم لم يكن عليه خوف . وبيان ضلال هؤلاء طويل . وإنما المقصود بيانه هنا : أنهم يجعلون هذا أصل دينهم . ثم يقولون : إذا اختلفت الطائفة الحقة على قولين . أحدهما : يعرف قائله والآخر : لا يعرف قائله كان القول الذي لا يعرف قائله هو الحق هكذا وجدته في كتب شيوخهم وعللوا ذلك : بأن القول الذي لا يعرف قائله يكون من قائليه الإمام المعصوم . وهذا نهاية الجهل والضلال . وهكذا كل ما ينقلونه من هذا الباب - ينقلون سيرا أو حكايات وأحاديث إذا ما طالبتهم بإسنادها لم يحيلوك على رجل معروف بالصدق بل حسب أحدهم أن يكون سمع ذلك من آخر مثله أو قرأه في كتاب ليس فيه إسناد معروف وإن سموا أحدا : كان من المشهورين بالكذب والبهتان . لا يتصور قط أن ينقلوا شيئا مما لا يعرف عند علماء السنة إلا وهو عن مجهول لا يعرف أو عن معروف بالكذب . ومن هذا الباب نقل الناقل : أن هذا القبر الذي بالقاهرة : " مشهد الحسين "رضي الله عنه ، بل وكذلك مشاهد غير هذا مضافة إلى قبر الحسين رضي الله عنه فإنه معلوم باتفاق الناس : أن هذا المشهد بني عام بضع وأربعين وخمسمائة وأنه نقل من مشهد بعسقلان وأن ذلك المشهد بعسقلان كان قد أحدث بعد التسعين والأربعمائة . فأصل هذا المشهد القاهري : هو ذلك المشهد العسقلاني . وذلك العسقلاني محدث بعد مقتل الحسين بأكثر من أربعمائة وثلاثين سنة وهذا القاهري محدث بعد مقتله بقريب من خمسمائة سنة وهذا مما لم يتنازع فيه اثنان ممن تكلم في هذا الباب من أهل العلم على اختلاف أصنافهم كأهل الحديث ومصنفي أخبار القاهرة ومصنفي التواريخ . وما نقله أهل العلم طبقة عن طبقة . فمثل هذا مستفيض عندهم . وهذا بينهم مشهور متواتر سواء قيل : إن إضافته إلى الحسين صدق أو كذب لم يتنازعوا أنه نقل من عسقلان في أواخر الدولة العبيدية . وإذا كان أصل هذا المشهد القاهري : منقول عن ذلك المشهد العسقلاني باتفاق الناس وبالنقل المتواتر فمن المعلوم أن قول القائل : إن ذلك الذي بعسقلان هو مبني على رأس الحسين رضي الله عنه قول بلا حجة أصلا . فإن هذا لم ينقله أحد من أهل العلم الذين من شأنهم نقل هذا . لا من أهل الحديث ولا من علماء الأخبار والتواريخ ولا من العلماء المصنفين في النسب : نسب قريش أو نسب بني هاشم ونحوه وذلك المشهد العسقلاني : أحدث في آخر المائة الخامسة لم يكن قديما ولا كان هناك مكان قبله أو نحوه مضاف إلى الحسين ولا حجر منقوش ولا نحوه مما يقال : إنه علامة على ذلك . فتبين بذلك أن إضافة مثل هذا إلى الحسين قول بلا علم أصلا . وليس مع قائل ذلك ما يصلح أن يكون معتمدا لا نقل صحيح ولا ضعيف بل لا فرق بين ذلك وبين أن يجيء الرجل إلى بعض القبور التي بأحد أمصار المسلمين فيدعي أن في واحد منها رأس الحسين أو يدعي أن هذا قبر نبي من الأنبياء أو نحو ذلك مما يدعيه كثير من أهل الكذب والضلال . ومن المعلوم أن مثل هذا القول غير منقول باتفاق المسلمين . وغالب ما يستند إليه الواحد من هؤلاء : أن يدعي أنه رأى مناما أو أنه وجد بذلك القبر علامة تدل على صلاح ساكنه : إما رائحة طيبة وإما توهم خرق عادة ونحو ذلك وإما حكاية عن بعض الناس : أنه كان يعظم ذلك القبر . فأما المنامات فكثير منها بل أكثرها كذب وقد عرفنا في زماننا بمصر والشام والعراق من يدعي أنه رأى منامات تتعلق ببعض البقاع أنه قبر نبي أو أن فيه أثر نبي ونحو ذلك . ويكون كاذبا وهذا الشيء منتشر . فرائي المنام غالبا ما يكون كاذبا وبتقدير صدقه : فقد يكون الذي أخبره بذلك شيطان . والرؤيا المحضة التي لا دليل يدل على صحتها لا يجوز أن يثبت بها شيء بالاتفاق . فإنه قد ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : { الرؤيا ثلاثة : رؤيا من الله ورؤيا مما يحدث به المرء نفسه ورؤيا من الشيطان } . فإذا كان جنس الرؤيا تحته أنواع ثلاثة . فلا بد من تمييز كل نوع منها عن نوع . ومن الناس - حتى من الشيوخ الذي لهم ظاهر علم وزهد - من يجعل مستنده في مثل ذلك : حكاية يحكيها عن مجهول حتى أن منهم من يقول : حدثني أخي الخضر أن قبر الخضر بمكان كذا ومن المعلوم الذي بيناه في غير هذا الموضع أن كل من ادعى أنه رأى الخضر أو رأى من رأى الخضر أو سمع شخصا رأى الخضر أو ظن الرائي أنه الخضر : أن كل ذلك لا يجوز إلا على الجهلة المخرفين الذين لا حظ لهم من علم ولا عقل ولا دين بل هم من الذين لا يفقهون ولا يعقلون . وأما ما يذكر من وجود رائحة طيبة أو خرق عادة أو نحو ذلك مما يتعلق بالقبر : فهذا لا يدل على تعينه . وأنه فلان أو فلان بل غاية ما يدل عليه - إذا ثبت - أنه دليل على صلاح المقبور وأنه قبر رجل صالح أو نبي . وقد تكون تلك الرائحة مما صنعه بعض السوقة . فإن هذا مما يفعله طائفة من هؤلاء كما حدثني بعض أصحابنا أنه ظهر بشاطئ الفرات رجلان وكان أحدهما قد اتخذ قبرا تجبى إليه أموال ممن يزوره وينذر له من الضلال فعمد الآخر إلى قبر وزعم أنه رأى في المنام أنه قبر عبد الرحمن بن عوف وجعل فيه من أنواع الطيب ما ظهرت له رائحة عظيمة . وقد حدثني جيران القبر الذي بجبل لبنان بالبقاع الذي يقال : إنه قبر نوح وكان قد ظهر قريبا في أثناء المائة السابعة وأصله : أنهم شموا من قبر رائحة طيبة ووجدوا عظاما كبيرة فقالوا : هذه تدل على كبير خلق البنية فقالوا - بطريق الظن - هذا قبر نوح وكان بالبقعة موتى كثيرون من جنس هؤلاء . وكذلك هذا المشهد العسقلاني قد ذكر طائفة : أنه قبر بعض الحواريين أو غيرهم من أتباع عيسى ابن مريم . وقد يوجد عند قبور الوثنيين من جنس ما يوجد عند قبور المؤمنين ؛ بل إن زعم الزاعم أنه قبر الحسين ظن وتخرص . وكان من الشيوخ المشهورين بالعلم والدين بالقاهرة من ذكروا عنه أنه قال : هو قبر نصراني . وكذلك بدمشق بالجانب الشرقي مشهد يقال : إنه قبر أبي بن كعب . وقد اتفق أهل العلم على أن أبيا لم يقدم دمشق . وإنما مات بالمدينة . فكان بعض الناس يقول : إنه قبر نصراني . وهذا غير مستبعد . فإن اليهود والنصارى هم السابقون في تعظيم القبور والمشاهد . ولهذا قال صلى الله عليه وسلم في الحديث المتفق عليه : { لعن الله اليهود والنصارى : اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد يحذر ما فعلوا } . والنصارى أشد غلوا في ذلك من اليهود كما في الصحيحين عن عائشة : { أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكرت له أم حبيبة وأم سلمة رضي الله عنهما كنيسة بأرض الحبشة وذكرتا من حسنها وتصاوير فيها . فقال : إن أولئك إذا كان فيهم الرجل الصالح فمات بنوا على قبره مسجدا وصوروا فيه تلك التصاوير أولئك شرار الخلق عند الله يوم القيامة } . والنصارى كثيرا ما يعظمون آثار القديسين منهم . فلا يستبعد أنهم ألقوا إلى بعض جهال المسلمين أن هذا قبر بعض من يعظمه المسلمون ليوافقوهم على تعظيمه . كيف لا ؟ وهم قد أضلوا كثيرا من جهال المسلمين حتى صاروا يعمدون أولادهم ويزعمون أن ذلك يوجب طول العمر للولد وحتى جعلوهم يزورون ما يعظمونه من الكنائس والبيع وصار كثير من جهال المسلمين ينذرون للمواضع التي يعظمها النصارى كما قد صار كثير من جهالهم يزورون كنائس النصارى ويلتمسون البركة من قسيسيهم ورهابينهم ونحوهم . والذين يعظمون القبور والمشاهد : لهم شبه شديد بالنصارى حتى إني لما قدمت القاهرة اجتمع بي بعض معظميهم من الرهبان وناظرني في المسيح ودين النصارى حتى بينت له فساد ذلك وأجبته عما يدعيه من الحجة وبلغني بعد ذلك أنه صنف كتابا في الرد على المسلمين وإبطال نبوة محمد صلى الله عليه وسلم وأحضره إلي بعض المسلمين وجعل يقرؤه علي لأجيب عن حجج النصارى وأبين فسادها . وكان من أواخر ما خاطبت به النصراني : أن قلت له : أنتم مشركون وبينت من شركهم ما هم عليه من العكوف على التماثيل والقبور وعبادتها والاستغاثة بها . قال لي : نحن ما نشرك بهم ولا نعبدهم وإنما نتوسل بهم كما يفعل المسلمون إذا جاءوا إلى قبر الرجل الصالح فيتعلقون بالشباك الذي عليه ونحو ذلك . فقلت له : وهذا أيضا من الشرك ليس هذا من دين المسلمين وإن فعله الجهال فأقر أنه شرك حتى إن قسيسا كان حاضرا في هذه المسألة . فلما سمعها قال : نعم على هذا التقدير نحن مشركون . وكان بعض النصارى يقول لبعض المسلمين : لنا سيد وسيدة ولكم سيد وسيدة لنا السيد المسيح والسيدة مريم ولكم السيد الحسين والسيدة نفيسة . فالنصارى يفرحون بما يفعله أهل البدع والجهل من المسلمين مما يوافق دينهم ويشابهونهم فيه ويحبون أن يقوى ذلك ويكثر ويحبون أن يجعلوا رهبانهم مثل عباد المسلمين وقسيسيهم مثل علماء المسلمين . ويضاهئون المسلمين فإن عقلاءهم لا ينكرون صحة دين الإسلام . بل يقولون : هذا طريق إلى الله وهذا طريق إلى الله . ولهذا يسهل إظهار الإسلام على كثير من المنافقين الذين أسلموا منهم . فإن عندهم أن المسلمين والنصارى كأهل المذاهب من المسلمين بل يسمون الملل مذاهب . ومعلوم أن أهل المذاهب كالحنفية والمالكية والشافعية والحنبلية دينهم واحد . وكل من أطاع الله ورسوله منهم بحسب وسعه كان مؤمنا سعيدا باتفاق المسلمين . فإذا اعتقد النصارى مثل هذا في الملل يبقى انتقال أحدهم عن ملته كانتقال الإنسان من مذهب إلى مذهب . وهذا كثيرا ما يفعله الناس لرغبة أو رهبة وإذا بقي أقاربه وأصدقاؤه على المذهب الأول لم ينكر ذلك بل يحبهم ويودهم في الباطن لأن المذهب كالوطن والنفس تحن إلى الوطن إذا لم تعتقد أن المقام به محرم أو به مضرة وضياع دنيا . فلهذا يوجد كثير ممن أظهر الإسلام من أهل الكتاب لا يفرق بين المسلمين وأهل الكتاب . ثم منهم من يميل إلى المسلمين أكثر ومنهم من يميل إلى ما كان عليه أكثر . ومنهم من يميل إلى أولئك من جهة الطبع والعادة أو من جهة الجنس والقرابة والبلد والمعاونة على المقاصد ونحو ذلك . وهذا كما أن الفلاسفة ومن سلك سبيلهم من القرامطة والاتحادية ونحوهم يجوز عندهم أن يتدين الرجل بدين المسلمين واليهود والنصارى . ومعلوم أن هذا كله كفر باتفاق المسلمين . فمن لم يقر باطنا وظاهرا بأن الله لا يقبل دينا سوى الإسلام فليس بمسلم .ومن لم يقر بأن بعد مبعث محمد صلى الله عليه وسلم لن يكون مسلم إلا من آمن به واتبعه باطنا وظاهرا فليس بمسلم . ومن لم يحرم التدين - بعد مبعثه صلى الله عليه وسلم - بدين اليهود والنصارى بل من لم يكفرهم ويبغضهم فليس بمسلم باتفاق المسلمين . والمقصود هنا : أن النصارى يحبون أن يكون في المسلمين ما يشابهونهم به ليقوى بذلك دينهم ولئلا ينفر المسلمون عنهم وعن دينهم . ولهذا جاءت الشريعة الإسلامية بمخالفة اليهود والنصارى كما قد بسطناه في كتابنا " اقتضاء الصراط المستقيم لمخالفة أصحاب الجحيم " . وقد حصل للنصارى من جهال المسلمين كثير من مطلوبهم لا سيما من الغلاة من الشيعة وجهال النساك والغلاة في المشايخ . فإن فيهم شبها قريبا بالنصارى في الغلو والبدع في العبادات ونحو ذلك . فلهذا يلبسون على المسلمين في مقابر تكون من قبورهم حتى يتوهم الجهال أنها من قبور صالحي المسلمين ليعظموها . وإذا كان ذلك المشهد العسقلاني قد قال طائفة : إنه قبر بعض النصارى أو بعض الحواريين - وليس معنا ما يدل على أنه قبر مسلم فضلا عن أن يكون قبرا لرأس الحسين - كان قول من قال : إنه قبر مسلم : الحسين أو غيره - قولا زورا وكذبا مردودا على قائله . فهذا كاف في المنع من أن يقال : هذا " مشهد الحسين " .