هذا الأثر أخرجه البخاري في صحيحه تعليقا في موضعين ؛ الأول : بَابُ الشُّرُوطِ فِي الْمَهْرِ عِنْدَ عُقْدَةِ النِّكَاحِ .
والثاني : بَابُ الشُّرُوطِ فِي النِّكَاحِ .
ووصله الحافظ ابن حجر في تغليق التعليق فقال في الموضع الأول 3 / 408 : أما قَول عمر فَقَرَأت عَلَى خَدِيجَة بنت إِبْرَاهِيم بن سُلْطَان أخْبركُم الْقَاسِم بن مظفر بن عَسَاكِر إجَازَة إِن لم يكن سَمَاعا أَنا أَبُو الْحسن عَلّي ابْن أطين مشافهة عَن سعيد بن أَحْمد بن الْبناء أَنا عَاصِم بن الْحسن العاصمي أَنا أَبُو الْحُسَيْن بن بَشرَان ثَنَا إِسْمَاعِيل بن مُحَمَّد الصفار ثَنَا سَعْدَان بن نصر ثَنَا سُفْيَان عَن يزِيد بن يزِيد بن جَابر عَن إِسْمَاعِيل بن عبيدالله بن أبي المُهَاجر عَن عبد الرَّحْمَن بن غنم قَالَ شهِدت عمر فَذكر قصَّة فِيهَا فَقَالَ عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه إِن مقاطع الْحُقُوق عِنْد الشُّرُوط وَلها مَا اشْترطت .رَوَاهُ ابْن أبي شيبَة فِي مُصَنفه عَن ابْن عُيَيْنَة فوافقناه بعلو وَسَيَأْتِي فِي النِّكَاح من وَجه آخر عَن ابْن أبي المُهَاجر .
وقال في الموضع الثاني 4 / 419 : وَأما أثر عمر فَقَالَ سعيد بن مَنْصُور : حَدثنَا حَمَّاد بن زيد عَن أَيُّوب عَن إِسْمَاعِيل بن عبيدالله هُوَ ابْن أبي المُهَاجر عَن عبد الرَّحْمَن بن غنم قَالَ كنت مَعَ عمر حَيْثُ تمس ركبتي ركبته فَجَاءَهُ رجل فَقَالَ يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ تزوجت هَذِه وشرطت لَهَا دارها وَإِنِّي أجمع لأمري أَو لشأني أَن انْتقل إِلَى أَرض كَذَا وَكَذَا فَقَالَ لَهَا شَرطهَا فَقَالَ هَلَكت الرِّجَال إِذا لَا تشَاء امْرَأَة أَن تطلق زَوجهَا إِلَّا طلقت فَقَالَ عمر الْمُسلمُونَ عَلَى شروطهم عِنْد مقاطع حُقُوقهم .
رَوَاهُ عبد الرَّزَّاق فِي مُصَنفه عَن معمر عَن أَيُّوب بِهِ . وَقد تقدم فِي أَوَاخِر الْبيُوع من وَجه آخر عَن إِسْمَاعِيل .أهـ
قال العلامة الألباني في إرواء الغليل ( 1893 ) : صحيح . وأخرجه ابن أبي شيبة في " المصنف " ( 7 / 22 / 1 ) والبيهقي ( 7 / 249 ) من طريق ابن عيينة عن يزيد بن يزيد بن جابر عن إسماعيل بن عبيد الله عن عبد الرحمن بن غنم عن عمر قال : لها شرطها . . . الخ . ورواه سعيد بن منصور عن اسماعيل بن عبيد الله عن عبد الرحمن بن غنم قال : " كنت مع عمر حيث تمس ركبتي ركبته فجاءه رجل فقال : يا أمير المؤمنين تزوجت هذه وشرطت لها دارها وإني أجمع لأمري أو لشاني أن انتقل إلى أرض كذا وكذا فقال : لها شرطها فقال الرجل : هلك الرجال إذ لا تشاء امرأة أن تطلق زوجها إلا طلقت . فقال عمر : المؤمنون على شروطهم عند مقاطع حقوقهم " . سكت عليه الحافظ في " الفتح " ( 9 / 188 ) . قلت : وإسنادهم صحيح على شرط الشيخين وقد علقه البخاري في موضعين من " صحيحه " كما تقدم قبل حديث . لكن ثبت عن عمر خلافه أيضا من طريق ابن وهب : أخبرني عمرو بن الحارث عن كثير بن فرقد عن سعيد بن عبيد بن السباق : " أن رجلا تزوج امرأة على عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه وشرط لها أن لا يخرجها فوضع عنه عمر بن الخطاب رضي الله عنه الشرط وقال : المرأة مع زوجها " . أخرجه البيهقي وإسناده صحيح وجوده الحافظ في " الفتح " ( 9 / 189 ) وقال البيهقي : " هذه الرواية أشبه بالكتاب والسنة وقول غيره من الصحابة رضي الله عنهم " .أهـ
قال العيني في عمدة القاري : قوله : مقاطع الحقوق . المقاطع جمع مقطع وهو موضع القطع في الأصل ، وأراد بمقاطع الحقوق: مواقفه التي ينتهي إليها .
وقال ابن بطال في شرح البخاري 7 / 270 :
اختلف العلماء فى الرجل يتزوج المرأة ويشرط لها ألا يخرجها من دارها ، ولا يتزوج عليها ، ولا يتسرى ، وشبه ذلك من الشروط المباحة . قال ابن المنذر : فقالت طائفة : يلزمه الوفاء بما شرط من ذلك . ذكر عبد الرزاق ، وابن المسيب ، عن عمر بن الخطاب ، أن رجلاً شرط لزوجته ألا يخرجها ، فقال عمر : لها شرطها . وقال : المسلمون على شروطهم عند مقاطع حقوقهم . وقال عمرو بن العاص : أرى أن تفى لها بشرطها . وروى مثله طاوس ، وجابر بن زيد ، وهو قول الأوزاعى ، وأحمد ، وإسحاق ؛ لقول عمر : مقاطع الحقوق عند الشروط ، ولقوله عليه السلام : ( أحق الشروط أن يوفى بها ما استحللتم به الفروج ) ، وحملوا الحديث على الوجوب . وقالت طائفة : لا يلزمه شىء من هذه الشروط . روى ابن وهب ، عن الليث ، عن عمرو ابن الحارث ، عن كثير بن فرقد ، عن ابن السباق ، أن رجلاً تزوج امرأة على عهد عمر ، وشرط لها ألا يخرجها من دارها ، فوضع عنه عمر بن الخطاب الشرط ، وقال : المرأة مع زوجها . وعن على بن أبى طالب مثله ، وقال : شرط الله قبل شروطهم ، ولم يره شيئًا . وممن هذا مذهبه عطاء ، والشعبى ، وسعيد بن المسيب ، والحسن ، والنخعى ، وابن سيرين ، وربيعة ، وأبو الزناد ، وقتادة ، والزهرى ، وهو قول مالك ، والليث ، والثورى ، وأبى حنيفة ، والشافعى ، وقال عطاء : إذا شرطت أنك لا تنكح ولا تتسرى ولا تذهب ولا تخرج بها ، يبطل الشرط إذا نكحها . وحملوا حديث عقبة على الندب ، واستدلوا على ذلك بقوله عليه السلام فى صهره : ( حدثنى فصدقنى ، ووعدنى فوفى لى ) ، قالوا : وإنما استحق المدح ؛ لأنه وفى له متبرعًا ومتطوعًا لا فيما لزمه الوفاء به على سبيل الفرض . قال ابن المنذر : وأصح ذلك قول من أبطل الشرط وأثبت النكاح ، لقوله عليه السلام فى قصة بريرة : ( كل شرط ليس فى كتاب الله فهو باطل ، وإن كان مائة شرط ، فأجاز البيع وأبطل الشرط ، فلما أبطل رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) من الشروط ما ليس فى كتاب الله ، كان من اشترط شروطًا خلاف كتاب الله أولى أن تبطل . من ذلك أن الله أباح للرجال أن ينكحوا أربعًا ، وأباح للرجل وطء ما ملكت يمينه ؛ لقوله : ( إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين ) [ المؤمنون : 6 ] ، فإذا شرطت عليه الزوجة تحريم ما أحل الله له بطل الشرط وثبت النكاح . ولما كان للمرء إذا عقد نكاح امرأة أن ينقلها حيث يصلح أن تنقل إليه مثلها ، ويسافر بها ، كان اشتراطها عليه كارهًا غير أحكام المسلمين فى أزواجهم ، وذلك غير لازم للزوج ، فأما معنى قوله عليه السلام : ( أحق الشروط أن يوفى بها ما استحللتم به الفروج ) ، فيحتمل أن تكون المهور التى أجمع أهل العلم أن على للزوج الوفاء بها ، ويحتمل أن يكون ما شرط على الناكح فى عقد النكاح مما أمر الله به من إمساك بمعروف أو تسريح بإحسان ، وإذا احتمل الحديث معان كان ما وافق ظاهر كتاب الله وسنن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) أولى ، وقد أبطل رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) كل شرط ليس فى كتاب الله ، وهذا أولى معنييه . قال المؤلف : فإن كان فى شىء من هذه الشروط ليس بطلاق أو عتق وجب عليه ولزمه عند مالك والكوفيين ، وعند كل من يرى الطلاق قبل النكاح بشرط النكاح لازمًا ، وكذلك العتق ، وهو قول عطاء ، والنخعى ، والجمهور . قال النخعى : كل شرط فى نكاح فالنكاح يهدمه إلا الطلاق ، ولا يلزم شىء من هذه الأيمان عند الشافعى ؛ لأنه لا يرى الطلاق قبل النكاح لازمًا ولا العتق قبل الملك ، واحتج بقوله : ( كل شرط ليس فى كتاب الله فهو باطل ) ، ومعناه ليس فى حكم الله وحكم رسوله لزوم هذه الشروط لإباحة الله تعالى أربعًا من الحرائر وإباحته ما شاء بملك اليمين ، وإباحته أن يخرج بامرأته حيث شاء ، فكل شرط يحظر المباح فهو باطل .