منهج اللغة العربية الجديد للصف الأول الثانوي ومزيته اللغوية الكبرى
(1)
تغير منهج الصف الأول الثانوي للغة العربية، فجاء الكتاب مخصصا للفصل الدراسي الأول وهناك ثان منتظر في الفصل الدراسي الآخر بعد أن كان الكتاب واحدا للسنة الدراسية بفصليها.
وعلى الرغم من صيرورة الكتاب كتابين فقد قل الحجم كثيرا.
كيف؟
كانت طبعة 2012/2013 تقع في 315 صفحة، وجاءت طبعة 2013/2014 في 102 صفحة، ولو ضممنا كتاب الفصل الدراسي الثاني الذي نفترض خروجه في الحجم ذاته فسيكون المجموع هو 202 صفحة، أي في ثلث الحجم السابق تقريبا.
وإن سألنا عن السبب، فقلنا: لماذا هذا النقص الحاد في عدد الصفحات- فسيجيئنا الجواب من استعراض تنظيم المحتوى وطبيعته.
كيف؟
كانت طبعة 2012/2013 وما قبلها تشتمل على محتوى يراعي انفصال فروع اللغة العربية داخل الكتاب الواحد وتمايزها، فنجد فرع القراءة مقسما أربع وحدات، وفرع الأدب ونصوصه مقسما إلى ثلاث أقسام تتناول الأدب الجاهلي وأدب صدر الإسلام وأدب العصر الأموي، وفرع البلاغة الذي اشتمل على فنون التشبيه والاستعارة والكناية والمجاز المرسل والأسلوب ومكوناته، وفرع النحو تحت اسم "التدريبات اللغوية" في ثلث الكتاب محتويا خمس وحدات تناولت كثيرا من أبواب النحو والصرف.
أما طبعة 2013/2014 فقد أدمجت تلك الفروع في وحداتها، وقسمت المحتوى أربع وحدات احتوت كل وحدة أربعة دروس يندرج النحو في درسيها الأولين وتأتي اللمحة الأدبية واللمحة البلاغية في درسيها الأخيرين؛ فتتناول اللمحة الأدبية العصور الثلاثة السابقة في المقرر السابق ملخصة جاهلية وصدر إسلام وعصر أموي، وتتناول اللمحة البلاغية الحقيقة والمجاز والتشبيه والاستعارة.
وهذا يمثل لنا تطور النظرة إلى تعليم اللغة العربية وعلومها في مصر والعالم العربي في التعليم العام غير الأزهري.
كيف؟
كان الأمر سابقا يتقرر بفصل كتاب البلاغة عن كتاب القراءة عن كتاب الأدب والنصوص عن النحو، فكان هناك أربعة كتب للغة العربية وعلومها. ثم تغيرت النظرة التربوية، فأدمجت العلوم اللغوية في كتاب واحد تحت أقسام متباينة كما في طبعة 2012/2013، ثم تغيرت النظرة مرة ثالثة لتحتوي العلوم اللغوية في وحدة واحدة داخل المقرر.
(2)
ولم يكن تغيير المحتوى وإعادة توزيعه هو سبب قلة الحجم فقط، بل كان هناك صغر حجم الكتابة؛ فقد خرجت طبعة 2013/2014 بخط صغير، وهذا شيء يؤخذ عليها؛ فالكتب التعليمية ينبغي أن تتحلى بحجم خط واضح لا يجهد العين ولا يصيب النظر بإعياء.
ومقابل هذه السلبية التي تتصف بها طبعة 2013/2014 نجد شيئا إيجابيا لم يكن في كل كتب المرحلة الثانوية للغة العربية سابقا.
ما هو؟
إنه خلو الطبعات السابقة في سنوات المرحلة الثانوية من الصور التعبيرية المصاحبة للدروس؛ فقد كان الكتاب أصم خاليا من أي صورة تعبيرية.
وقد جاءت دروس طبعة 2013/2014 مصحوبة بكثير من الصور التوضيحية، وعلى الرغم من أنها ليست صورا ملونة إلا أن وجودها خير من عدمه.
وهي إلى جانب وجودها المتجلي في الأبيض والأسود حملت قيمة إسلامية لا تظهر في كل كتب اللغة العربية في المرحلة الابتدائية والإعدادية التي تحمل صورا توضيحية لدروسها.
ما هي؟
إنها تحجب جيلين من النساء: جيل الجدة، وجيل الأم.
ولا ينفرد مقرر اللغة العربية الجديد للصف الأول الثانوي بذلك، بل يجدر ذكر أن المنهج الجديد للغة الإنجليزية في المرحلة الابتدائية يحمل القيمة ذاتها لكن بنسبة أقل؛ إذ يكتفي بتحجيب الجدة فقط.
وهذا وذاك يبشران بانحسار علمانية الصور التوضيحية التعليمية التي كتبت عنها مقالا منذ ما يقارب العام كان عنوانه "التبرج في الصور التوضيحية في كتب اللغة العربية .. وجه العلمانية التربوية".
(3)
وإن كان السابق مزايا تربوية فهناك مزية لغوية كبيرة.
ما هي؟
إنها الضبط الكامل للكلمة ضبط إعراب وضبط بنية.
وهل يحتوي ذلك فائدة؟
إنه يحتوي الفائدة كلها؛ فليس هناك أنفع لتعلم اللغة العربية من ضبط النص ومتعلقاته ضبطا كاملا بنية وإعرابا؛ فهذا يزرع سليقة لغوية في أنفس من ينطق الكلمات مضبوطة إن حرص المعلم على إقراء تلاميذه.
وهذا يذكرني ببدء ضبط الكتب.
ماذا حدث حينها؟
كان من يوجه إليه كتاب مضبوط يعد ذلك إهانة له؛ لأن ذلك اتهام له في قدرته اللغوية، لكننا الآن نعاني انحدارا لغويا يعترف به الجميع يقتضينا بذل كل السبل العلمية عملية ونظرية لإنهائه.