28-09-2013 | يحيي البوليني
والمشروع الإيراني الصفوي السياسي يستخدم الفكرة الدينية كمقوم أولي ومحوري له إذ يستغلها في ضمان تسخير الشيعة غير الفرس من العرب وغيرهم لخدمة المشروع الفارسي الذي لا يتصور أن يكون ولاؤهم التام وانقيادهم لمشروع غير قومي إلا بمثل هذه الفكرة الدينية الهامة في الفكر الشيعي وهي فكرة المهدي المنتظر.

لم يكن جديدا ولا غريبا على الفكر الإنساني أن تُستخدم الأفكار والعقائد الدينية وتُسخر لخدمة المشاريع السياسية, فمن النادر أن تجد مشروعا سياسيا كبيرا إلا ويستخدم الأفكار والعقائد الدينية أو الغيبية كجزء هام وأساسي من أدواته ومقوماته, وعادة ما يقدم المشروع السياسي التغذية الأساسية للفكرة الدينية لينتظر منها المردود الشعبي بالتأثير القوي والمطلق في الأتباع لضمان استدامة انتمائهم وولائهم على مر الأجيال.
والمشروع الإيراني الصفوي السياسي يستخدم الفكرة الدينية كمقوم أولي ومحوري له إذ يستغلها في ضمان تسخير الشيعة غير الفرس من العرب وغيرهم لخدمة المشروع الفارسي الذي لا يتصور أن يكون ولاؤهم التام وانقيادهم لمشروع غير قومي إلا بمثل هذه الفكرة الدينية الهامة في الفكر الشيعي وهي فكرة المهدي المنتظر.
فكل الجهود الشيعية لنشر التشيع في كل مكان هي مراحل ومقدمات ضرورية ولازمة لعودة المهدي المنتظر –كما يزعمون-, وباسمه تقام جيوش كاملة تسمى بجيوش المهدي, وبمباركته وبدعمه تتقدم الحكومة الإيرانية بمشاريعها السياسية والاقتصادية, فلا نتعجب أن يزج باسمه كثيرا في مضامير السياسة الإيرانية فيتم الزعم بان المرشد الإيراني يتصل به هاتفيا ويهتم بأن يخبر الشعب الإيراني بان القرارات المصيرية قد عرضت على المهدي وأخذت موافقته عليها, وليس أدل على ذلك من أن الرئيس السابق لإيران احمدي نجاد قد أعلن أن حكومته قد شُكلت بأمر واختيار من المهدي المنتظر مباشرة، وإعلانه أن المهدي كان بصحبته خلال إلقائه كلمته في اجتماعات الأمم المتحدة, وهذا ليس بأعجب من أن يدعي كاظم صديقي –وهو أحد الأئمة في مساجد طهران– وفق ما نقلت مجلة "باسدار اسلام" التابعة للمدرسة الدينية في قم عنه قوله: "أن الإمام المهدي له ارتباط مباشر مع المرشد خامنئي، وان هذا الارتباط يتم أحيانا عبر الهاتف أو الموبايل، وفق الظروف".
وفكرة المهدي المنتظر هي تجسيد واقعي شيعي للفكرة الشائعة في الذاكرة الإنسانية التي بلغت حد الأسطورة التاريخية وهي فكرة "المنقذ", وهي فكرة لا يكاد يخلو منها مجتمع بشري لان جذورها ضاربة في أعماق التاريخ والمعتقدات الدينية, وتتلخص في أن كل قوم يتعرضون لاضطهاد أو استباحة من غيرهم سواء نتيجة تعرضهم لاضطهاد داخلي أو احتلال خارجي يجعلون لهم رمزا –ربما يبتكرونه بأنفسهم– لينتظروا عودته أو ظهوره, ثم ليأتي ليقتص لهم من أعدائهم وليستعينوا به على أن يمكنهم من إذلال وقهر أعدائهم لكونه يمتلك من القدرات والمهارات التي يستطيع بها أن يقوم بمفرده مقام الجيوش الكاملة فلا يحتاج منهم إلى معونة لأنه سيتكفل بمفرده بان يرفع هؤلاء القوم فوق الجميع, ويحقق العدل الذي بنشدونه –وهو ليس العدل في ذاته– بل العدل كما يعتقدون ويعرفون بان يجعلهم هم فوق الأمم ويستذل أعداءهم.
المهدي عند الشيعة هو المنقذ المنتظر الذي ابتكروه بأنفسهم, ومهمته في العقيدة والفكر الشيعي التي سيفعلها عند خروجه عدة أمور, من أولها أنه سيبدأ بإخراج خليفتي رسول الله صلى الله عليه وسلم أبي بكر وعمر رضي الله عنهما فيعذبهما ثم يحرقهما وقيل يصلبهما[1], ولن يكون تعامله مع العرب وقريش خاصة إلا بالسيف[2], ويشمل ذلك الأحياء من العرب ومن قريش والأموات أيضا إذ يقيمهم من مواتهم ليعذبهم[3], ثم يعمل القتل في العالم كله فيقتل ثلثي العالم حتى إلا يبقى إلا الثُلث، وهذا الثُلث هم الشيعة الرافضة فحسب, ويقتل المولِّي ويجهز على الجريح ولا يستتيب أحدا[4], ويهدم المساجد مبتدئا بالمسجد الحرام ثم بالمسجد النبوي ثم باقي المساجد حتى لا يذر مسجدا على الأرض إلا وهدمه[5], فهذه هي بعض أعمال المهدي بعد عودته وهي تمثل العدل المطلق المنشود من وجهة نظر الشيعة.
وفكرة المهدي المنتظر لم تكن إسلامية أبدا, فعلى الرغم من ادعاء الشيعة أنها قضية مفصلية ومحورية في الدين إلا أنها لم ترد فيها آية قرآنية واحدة بل لم يرد فيها حديث صحيح يقوم بنفسه دون علة أو اضطراب, كما إنها ليست شيعية المصدر كذلك, بل وجودها التاريخي يسبق وجود الشيعة بآلاف السنين, ولا يستغرب وجودها في الفكر الشيعي نظرا لاشتماله على عدة موروثات وأفكار مختلفة اختلط بعضها ببعض, ولعل أكثر ما يلفت الانتباه اعتراف –شاهد من أهلها مؤخرا وهو كمال الحيدري احد مراجعهم إذ يقول– في حلقة تلفزيونية مسجلة له -بأن "أكثر الموروث الشيعي مقتبس من الأفكار اليهودية والنصرانية والمجوسية"[6], ويطالب بتنقية الميراث الشيعي من الدخل عليه ويطالب باقي علماء وطلبة الحوزات العلمية بردود على ما يتهم به الفكر الشيعي.
فاشتركت الأمم السابقة في وجود الفكرة لكنها اختلفت فقط في اسمه حيث نُظمت وحيكت حوله الأساطير المشبعة بالآمال المستقبلية, "ففي الحضارات القديمة مثل السومريين سمي منقذهم المنتظر "إيليا"، وعند الآشورين والبابليين "دوموسين"، وفي أوروبا أثناء العصور الوسطى سمي "بوخس"، وكذلك وجدت أصول الفكرة في الحضارات المصرية والهندية والصينية والإغريقية والرومانية والفارسية, وتكررت نفس الفكرة في الأديان السماوية فسمي منقذ اليهودية "إيليا" ومنقذ المسيحية "السيد المسيح"، ومنقذ اليزيدية هو"خضر إلياس" والمندائية "سيتيل"، كذلك في الأديان الوضعية مثل الزرادشتية والكونفوشيوسية والبوذية والمزدكية والسيخ والمجوسية وغيرها"[7], ولهذا فلم تخل أمة ولا ديانة من منقذ له كل الصلاحيات والإمكانيات في أن يكون خارقا لكل القوى محققا لكل الآمال محققا للعدل المنشود الذي تفهمه كل طائفة على أنه إعلاء كلمتها ورفع رايتها على كل الأمم من غيرهم لا بظلمهم فقط بل وبإفنائهم أيضا.
وحقيقة ارتباط خرافة المهدي المنتظر عند الشيعة بأصولهم الفارسية الزرادشتية واضحة جدا بل وذكرها عدد كبير من الكتاب, فجاء في كتاب "تثبيت دلائل النبوة ما نصه" أن المجوس ادعوا بأن موعودهم المنتظر (الميت الحي) هو(أبشاوثن ابن بشاسف)، ويقيم في حصن يقع ما بين خراسان والصين."[8], بل جاء في بحار الأنوار للمجلسي أن المهدي المنتظر هذا من نسل يزدجرد ملك الفرس لا من نسل النبي صلى الله عليه وسلم, فيقول المجلسي: "لما جلى الفرس عن القادسية وبلغ يزدجر بن شهريار ما كان من رستم وإدالة العرب عليه، وظن أن رستم قد هلك والفرس جميعاً، وجاء مبادر وأخبره بيوم القادسية وانجلائها عن خمسين ألف قتيل، خرج يزدجرد هارباً في أهل بيته، ووقف بباب الإيوان وقال: السلام عليك أيها الإيوان ها أنا منصرف لكني راجع إليك أنا أو رجل من ولدي لم يدن زمانه ولا آن أوانه. قال سليمان الديلمي: فدخلت على أبي عبد الله فسألته عن ذلك، وقلت له: ما قوله أو رجل من ولدي؟ فقال: ذلك صاحبكم القائم بأمر الله عز وجل فهو ولده"[9].
وتؤكد فكرة نجاح المهدي في إقامة العدل في الأرض الذي فشل في إقامته –حاش لله- الأنبياء في الأرض, تؤكد فكرة أن مهديهم المنتظر يرتقي في عقيدتهم الفاسدة فوق مراتب الأنبياء جميعا فيقول الخومينى: "لقد جاء الأنبياء جميعاً من أجل إرساء قواعد العدالة في العالم، لكنهم لم ينجحوا؛ حتى النبي محمد خاتم الأنبياء الذي جاء لإصلاح البشرية، وتنفيذ العدالة لم ينجح في ذلك"[10], نستغفر الله ونبرأ من ذلك القول ومن قائله.
ولم يكن الإسلام يوما من العقائد التي تسخر الدين للغرض السياسي بل يشمل الدين كل جوانب الحياة والسياسة تابعة له لا قائدة, ولم يأت النبي صلى الله عليه وسلم للعرب خاصة بل للبشر عامة, ولم يقم للعرب دون الناس إمبراطورية تضمهم من دون الناس بل كانت دعوته الإسلامية دعوة عالمية لا تعرف الأجناس ولا الأعراق ولا الأصول, فمعيار الناس وعامل تفاضلهم الوحيد هو التقوى والتقوى فقط, فلا انتساب لعرق فاضل ولا وجود لشعب الله المختار وليس في الإسلام دماء ملكية تسري في عصبية من الناس دون غيرهم, فقد كانت اخر كلماته صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع في خواتيم وصاياه للمسلمين ما رواه أَبِو سَعِيدٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِنَّ رَبَّكُمْ وَاحِدٌ، وَأَبَاكُمْ وَاحِدٌ ، وَنَبِيُّكُمْ وَاحِدٌ، لا فَضْلَ لِعَرَبِيٍّ عَلَى أَعْجَمِيٍّ، وَلا لِعَجَمِيٍّ عَلَى عَرَبِيٍّ، وَلا لأَحْمَرَ عَلَى أَسْوَدَ، وَلا لأَسْوَدَ عَلَى أَحْمَرَ، إِلا بِالتَّقْوَى"[11].
وبالتالي فاصل التوظيف السياسي لأي فكرة دينية باطل في الإسلام فضلا عن أنه لا وجود لفكرة المهدي المنتظر الزائفة في الإسلام, فالإسلام منها ومن توظيفها السياسي براء.



[1] المجلسي جـ52/318 , بحار الأنوار جـ52/صـ386 , لأحسائي الرجعة صـ186ـ 187 , وغيرها
[2] بحار الأنوار –المجلسي جـ52/355 , النعماني- الغيبة صــ154
[3] الإرشاد للمفيد صــ394 وبحار الأنوار- المجلسي 52/354
[4] الغيبة- النعماني صــ153- المجلسي- بحار الأنوار 52/353
[5] الرجعة- الحسائي صــ184
[6] ‫ظ…ط·ط§ط±ط*ط ط? ظپظ? ط§ظ„ط¹ظ‚ظ?ط¯ط© - ظ…ظ† ط¥ط³ظ„ط§ظ… ط§ظ„ط*ط¯ظ?ط« ط§ظ„ظ‰ ط¥ط³ظ„ط§ظ… ط§ظ„ظ‚ط±ط¢ظ† - ط§ظ„ظ‚ط³ظ… 3‬â€ژ - YouTube
[7] الدين في خدمة السياسة , علي الكاش
[8] تثبيت دلائل النبوة المؤلف: القاضي عبد الجبار بن أحمد بن عبد الجبار الهمذاني الأسد أبادي، أبو الحسين المعتزلي (المتوفى: 415هـ)
[9] بحار الأنوار - جزء:51 - صفحة:164
[10] من خطبة ألقاها بمناسبة ذكرى مولد المهدي في 15/شعبان /1400 هـ، وضمها كتاب نهج خميني ص46
[11] مسند الإمام أحمد 20896 وصححه شعيب الأرنؤوط.