بسم الله وبعد :
فهذا مبحث في ترجمة إمام أهل السنة نعيم بن حماد رحمه الله تعالى :
المطلب الأول : تسميته وأبرز من روى عنه :
هو الحافظ الإمامُ الثقة المقدام: نعيم بن حماد بن معاوية بن الحارث بن همام بن سلمة بن مالك أبو عبد الله الخزاعي المروزي الأعور المعروف بالفارض، كان من الجبال الصابرين، في فتنة خلق القرآن الكريم، وحُكم عليه بالسجن المؤبد مع الأصفاد ، حتى مات فيه محتسبا صابرا، مؤمنا تقيا طاهرا ، بعد سبع سنوات قضاها في عزلته ، ثم نادى في أصحابه، أن يدفنوه في قيوده، حتى يلتقي بها بربّه ، وقال وقلبه متعلق ببارئه : » إني مُخاصم معهم أمام ربّي « ، فكانت تلك الكلمات المؤثرات، من آخر كلماته في هذه الحياة .
ثمّ لم يكتف أعداء الله من الجهمية الغالية، بهذه العقوبة القاسية ، بل أرادوا معاقبة جسده الميت الطاهر، فرفضوا طلب أهله لرؤيته، ومنعوهم من دفنه، بل رموه في حفرة حتى لا يتعرفوا على مكانه، ثم من حقدهم عليه لم يُغسلوه، ورفضوا أن يُكفّنوه ، أو أن يُقبروه، بل رموه في حفرة ثم انصرفوا فرحين، ظانين عدم علم رب العالمين، لكن الله شهيد على ما يفعلون بالمؤمنين ،
وهو تعالى أيضا الشهيد على تلكم الحملة – الإعلامية – التي قام بها هؤلاء الأعداء في تشويه إمامة هذا الرجل، فاختلقوا عليه من الأكاذيب، ورموه بالوضع والتكذيب ، فوقع في فخ هؤلاء المبتدعة الضالين، بعض العلماء الربانيين، فتكلموا عليه بلا قادح مُسْتَبين ، ومنهم من بسبب بعض الأوهام التي لا يُنزَّه عنها أحد من الأئمة الربانيين :
وأما سائر أئمة أهل السنة فقد أحبوه، وبالإمامة وسموه، وبالثقة والصدق وصفوه، ومما وصفه به الجهمية نزهوه ، وها أنا العبد الضعيف أجمع أقوالهم ، وأُدون كلامهم، فأقول ، وبالله أصول وأجول :
قال عنه الإمام ابن القيم في اجتماع الجيوش الإسلامية على غزو الجهمية :" قول نعيم بن حماد الخزاعي رحمه الله تعالى أحد شيوخ النبل، شيخ البخاري رحمهما الله تعالى"،
وقد روى عنه الأئمة كالبخاري والإمام أبي حاتم وأبي زرعة والإمام أبي عبيد والدارميون ...
وقد أطال الإمام المعلمي في التنكيل من ترجمته الدفاعَ عنه (2/730 - 736) وقال :" وأما كلام أئمة الجرح والتعديل فيه بين موثق له مطلقا، ومثن عليه ملين ، لما ينفرد به مما هو مظنة الخطأ ، بحجة أنه كان لكثرة ما سمع من الحديث ربما يشبه عليه فيخطئ، وقد روى عنه البخاري في صحيحه، وروى له بقية الستة بواسطة إلا النسائي، لا رغبة في علو السند كما يزعم الأستاذ فقد أدركوا كثيراً من أقرائه وممن هو أكبر منه، ولكن علماً بصدقة وأمانته ، وأن ما نسب إلى الوهم فيه فليس بكثير في كثرة ما روى ".
المطلب الثاني : ذكر من عدله :
أوّلا : من أثنى عليه :
قال عنه تلميذه البخاري في خلق الأفعال (61) بعد حديث : لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين .."، وذكر منهم :"... وأبو مسهر في الشاميين ، ونعيم بن حماد مع المصريين ، وأحمد بن حنبل مع أهل البصرة ..."،
و كذلك ذكره اللائكائي في :" باب سياق ذكر من رسم بالإمامة في السنة "،
ثانيا: ذكر من وثقه ضمنيا أو صراحة :
فالتوثيق الضمني بأن يروي المحدث عن الراوي حديثا من طريقه ثم يصحح له الإمام هذا الطريق بالذات، أو يحتج به في كتابه أو مروياته ، ومنهم من يصرّح بأنه لا يروي إلا عن الثقات كما فعل ابن خزيمة وغيره :
1/2. فقد صحح له الحاكم على شرط البخاري كثيرا وعدّله ، وقال عن حديث له مرة (1/162) :" هذا حديث صحيح على شرط الشيخين. قاعدة من قواعد أصحاب الروايات، ولم يخرجاه، فأما البخاري فقد روى في الجامع الصحيح، عن نعيم بن حماد وهو أحد أئمة الإسلام "، ووافقه الذهبي، وقال أيضا بعد أن صحح له :" واحتج البخاري بنعيم بن حماد "، وأما الذهبي فأحيانا يوافقه وأحيانا يقول : نعيم له مناكير"،
وأما البخاري فقد مر ثناؤه على نعيم مع تخريجه له في الصحيح، وإن لم يُكثر عنه، لأنه لم يشترط الإكثار عن شيوخه .
3. وكذلك صحح له الإمام ابن خزيمة موثقا له فقد خرج له في صحيحه الذي ذكر أنه من رواية الثقة عن الثقة .
4. وكذلك احتج به أبو عوانة في صحيحه .
5. وكذلك احتج به الطحاوي كثيرا وصحح له ، بل وقدم روايته على غيره من الثقات، فقال في مشكله (14/17) وكان الصحيح في هذا الحديث ما قد حدثنا يوسف بن يزيد حدثنا نعيم بن حماد أخبرنا صفوان بن عيسى البصري وابن المنكدر عن معمر عن الزهري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر، وعمر مثله. ولم يذكر أنسا ", وقدم هذه الرواية على غيرها .
6. وكذلك احتج به أبو نصر الأصبهاني في جزئه وصحّح له، وأثنى عليه ووثقه ، فبعد أن خرج حديثا من طريق نعيم بن حماد ثنا إبراهيم بن سعد عن الزهري قال: " وهذا أيضا متفق على صحته من حديث الزهري،"، ثم قال: " ومن حديث إمام أهل السنة أبي عبد الله نعيم بن حماد بن معاوية بن الحارث بن همام الخزاعي الأعور، عن قاضي أهل المدينة إبراهيم بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف عن الزهري".
ثم خرج حديثا من طريق نعيم بن حماد ثنا ابن المبارك ثنا بقية بن الوليد ثم قال : "وهو من رواية الأكابر عن الأصاغر عن نعيم بن حماد المروزي، وهو من جلة المحدثين وأهل السنة المشهورين، لا أذكر أني سمعته إلا من هذا الطريق الذي سقته",
7. وكذلك احتج به الإمام أبو نصر الغازي وصحح أحاديثه كما سيأتي ثم قال: " ومن جلالة نعيم بن حماد وصلابته في السنة:...ثم ذكر أحاديثه وصححها، ثم خرج عن أحمد بن ثابت أبو يحيى قال: سمعت أحمد بن حنبل ويحيى بن معين يقولان: نعيم بن حماد معروف بالطلب، ثم خرج عن يوسف بن عبد الله الخوارزمي قال: سألت أحمد بن حنبل عن نعيم بن حماد، فقال: لقد كان من الثقات ".
ثالثا: ذكر كلام تلامذته وهم أعرف الناس به :
8. قول الإمام أحمد بن حنبل: قال يوسف بن عبد الله الخوارزمي: سألت أحمد عنه؟ فقال: لقد كان من الثقات "، وفي المغني عن أحمد: ثقة ".
وقال أحمد بن ثابت سمعت أحمد ويحيى بن معين يقولان:" نعيم معروف بالطلب، ثم ذمه ابن معين بأنه يروي عن غير الثقات ".
9. أقوال الإمام يحيى بن معين :
. مرت رواية أحمد بن ثابت عنه ، وقال ابراهيم بن الجنيد عن ابن معين ثقة.
.وقال حسين بن حبان عن ابن معين: نعيم بن حماد صدوق ثقة رجل صدق أنا أعرف الناس به كان رفيقي بالبصرة ... قال ابن معين: ثم قدم عليه ابن أخيه بأصول كتبه إلا أنه كان يتوهم الشيء فيخطئ فيه، وأما هو فكان من أهل الصدق"،
- وقال محمد بن علي المروزي سألت يحيى بن معين عنه – حديث تفترق أمتي- فقال: ليس له أصل، قلت، فنعيم؟ قال: ثقة، قلت: كيف يحدث ثقة بباطل ؟ قال: شُبّه له ".
- وقال ابراهيم بن الجنيد عن ابن معين :" ثقة"
هكذا اتفقت سائر الروايات عن ابن معين، وكلها على توثيق نعيم، وخالف كل هؤلاء رواية خرجها الخطيب عن صالح بن محمد الأسدي ، وهذا النقل عنه شاذ والله أعلم ، لا يخلو من تعصب مذهبي على نعيم لأنه كان شديدا في السنة رادا على المبتدعة :
قال صالح الأسدي: وكان نعيم يحدث من حفظه وعنده مناكير كثيرة لا يتابع عليها، قال:" وسمعت يحيى بن معين سئل عنه؟ فقال: ليس في الحديث بشئ ولكنه صاحب سنة ".
10. قول الإمام أبي حاتم: قال: محله الصدق ".
وهؤلاء هم تلامذته وهم أعرف الناس به، ومن هذه الطبقة أيضا :
11. قول العجلي : قال عنه في الثقات:" مروزي ثقة "،
12 جعله إبراهيم بن محمد بن سلام من رؤساء وسادة وكبار أهل الحديث فقال ابن سلام: كان الرتوت من أصحاب الحديث مثل ... والحميدي ونعيم بن حماد والعدني والخلال ومحمد الخياط وإبراهيم بن المنذر وأبي كريب ... وأمثالهم يقضون لمحمد بن إسماعيل على أنفسهم في النظر والمعرفة"، قال ابن حجر في مقدمة الفتح :" الرتوت بالراء المهملة والتاء المثناة من فوق وبعد الواو مثناة أخرى هم الرؤساء ".
14/13 : وثقه ابن حبان وقال عنه : ربما أخطأ ووهم"، وقال أبو أحمد الحاكم : ربما يخالف في بعض حديثه "، وهذا كلام قيل أيضا في طائفة من الثقات كهمام وغيره، وتأمل قولهما جيدا :" ربما وهم، ربما يخالف ونحو ذلك ..، فإنها عبارة تدل دلالة صريحة على ندرة ذلك ممن قيلت فيه في مقابل كثرة مروياتهم المقبولة،
فتعين أن هذه اللفظة مع التوثيق وهي أرفع من درجة الصدوق الحسن الحديث ، بخلاف ما لو قال: كثير الوهم فإنها تليين ، فتأمل ذلك .
15 : قال الإمام ابن عدي في الكامل : "وكان ممن يتصلب في السنة ومات في محنة القرآن في الحبس، وعامة ما أنكر عليه هو هذا الذي ذكرته، وأرجوا أن يكون باقي حديثه مستقيما ".
رابعا : ذكر من وثقه من الطبقات المتأخرة : وهم المتأخرون الذين يعتمدون في الحكم على الرجل على كلام طبقة المتقدمين الذين ذكرنا بعضا منهم :
16. احتج به ابن حزم في المحلى وغيره، بل قد صحح له وقال عن حديث له في الإحكام : من طريق نعيم بن حماد نا عبد الله بن المبارك ثنا عيسى عن جرير عن عبد الرحمن بن جبير عن أبيه عن عوف تفترق أمتي.. قال ابن حزم :" حريز بن عثمان ثقة .. ونعيم بن حماد قد روى عنه البخاري في الصحيح " ، وقال في الأحكام (5/674) في معرض وصفه للأئمة والعدول :" .. والائمة المتقدمين من أهل الثبات على السنن الأول ... عبد الله بن المبارك الخراساني، ونعيم بن حماد، وأبو ثور ...".
17. قال شيخ الإسلام ابن تيمية في الفتاوى (6/143) :" نعيم ثقة إمام "،
18. قال الإمام ابن القيم في إعلام الموقعين عن حديثه في افتراق الأمة الذي سيأتي (1/250): " وهؤلاء كلهم أئمة ثقات حفاظ ... ونعيم بن حماد إمام جليل وكان سيفا على الجهمية روى عنه البخاري في صحيحه"، وقال أيضا :" أحد شيوخ النبل، شيخ البخاري رحمهما الله تعالى "
19. قال ابن الهمام كما سيأتي :" ولا شك أن نعيما ثقة ، وابن المبارك من أثبت الناس ".
20. وأما ابن حجر فإنه يوثقه أحيانا ويوهمه أخرى، وسيأتي الجمع بين أقواله وأنه يقبل حديثه في ما عدا تلكم الأحاديث التي تقل عن عشرين، قيل عنه أنه وهم فيها كما سيأتي في آخر مطلب .
21. قال الصالحي في سبيل الهدى (10/165) عن حديث هو فيه في الفتن الأربعة :" سند جيد رجاله ثقات".
22. ذكره السيوطي في طبقات الحفاظ، وقال عن حديثه في :" الفتن الأربعة " : رجاله ثقات ".
23. عقد المعلمي فصلا مطولا في الدفاع عن نعيم ورواية الأئمة عنه بسبب ما قال:" ولكن علماً – منهم - بصدقة وأمانته ، وأن ما نسب إلى الوهم فيه ليس بكثير في كثرة ما روى ".
وقال عنه :" نعيم من أخيار الأمة وأعلام الأئمة وشهداء السنة ما كفى الجهمية الحنفية أن اضطهدوه في حياته إذ حاولوا إكراهه على أن يعترف بخلق القرآن فأبى فخلدوه في السجن مثقلاً بالحديد حتى مات، فجر بحديده فألقي في حفرة ولم يكفن ولم يصل عليه - صلت عليه الملائكة - حتى تتبعوه بعد موته بالتضليل والتكذيب على أنه لم يجرؤ منهم على تكذيبه أحد قبل الأستاذ، إلا أن أحدهم وهو الدولابي ركب لذلك مطية الكذب... ».
24. قال أحمد شاكر في تخريجه على الطبري (8/416) :" نعيم بن حماد بن معاوية: ثقة من شيوخ البخاري ، تكلم فيه بعضهم بما لا يقدح ".
25. قال الشنقيطي في أضواء البيان (4/210) عن حديثه :" وهؤلاء كلهم أئمة ثقات حفاظ .."......